في نص مطول و مسترسل، بعنوان (مانديلا الأكراد)، نشر السيد سمير صالحة مقالاً حمل الكثير من المغالطات والافتراءات، واحتوى قفزاً على الحقائق، وتجنياً واضحاً على شخص السيد عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا منذ عام 1999.

السيد صالحة بدأ مقالته بالكتابة عن تطوارات الأحداث على صعيد حل القضية الكردية في تركيا، لا سيما، في هذه الفترة، التي برز فيها أوجلان، مجدداً، على واجهة الأحداث في تركيا، بعد أن أعلن عن مشروعه للحل السلمي، والذي قوبل بالرفض من جانب الدولة التركية، ودفع بحكومتها إلى الإسراع في الإعلان عن مشروعها البديل للحل، ودفعها، فيما بعد، إلى الإعلان عن مايسمى بـ quot; مشروع الانفتاح quot; على القضية الكردية. المشروع التركي البديل لم ينتج عنه، إلى هذه اللحظة، سوى المزيد من الاعتقالات والتضييق بحق أعضاء وقياديي حزب المجتمع الديمقراطي. كما أن المشروع لاقى معارضة شديدة من قبل العديد من الأوساط والأحزاب القومجية الشوفينية التركية وفي مقدمتها: حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المتطرف.

عند قراءة مقدمة المقال المذكور سيبدو للقارىء بأن المقال يهدف إلى إلقاء المزيد من الضوء على مايجري في تركيا من نقاش وسجال حادين لم تشهد تركيا مثيلاً له في أي وقت مضى حول إمكانية حل القضية الكردية بالطرق السلمية والديمقراطية. ولربما ظن القارىء بأن الكاتب يريد أن يظهر مدى الإجماع الكردي شبه التام حول شخص السيد أوجلان، في أن يمثل الكرد على أي طاولة مفاوضات، محتمل إجراؤها، في موضوع حل القضية الكردية.

ولكن الكاتب يفاجىء القارىء، حين ينتقل بعقله إلى قاعة المحكمة، التي حكم فيها على السيد أوجلان بالإعدام، ثم بالسجن المؤبد، ليأخذ من مرافعة الزعيم الكردي، في الجزء الأكثر من مقالته، مادة للتشهير به، واتهامه بالانقلاب على المبادىء والأفكار التي كان يؤمن بها.

السيد صالحة، وفي مقاله الذي نحن بصدد معالجته من الأعطاب الكثيرة التي وردت فيه، يقول بأن أوجلان فاجأ العالم quot; بتقديم الاعتذار إلى أسر الضحايا من الأتراك الذين قتلوا في هجمات حزب العمال، كما طالب أعضاء حزبه بتسليم السلاح وترك أعمال المقاومة المسلحة، وأبدى استعداده لأن يكون وسيطا بين تركيا وبين الأكراد quot;.

وللرد نقول:

أولاً: السيد أوجلان لم يفاجىء إلا المتعطشين لإراقة المزيد من دماء الأبرياء، ومن كانت تسول لهم أنفسهم أمراً مذموماَ. الذين كانوا في حالة ترقب وشغف لأن يسمعوا نقيض ما سمعوه. ماذا كنت تنتظر من أوجلان، يا سيد صالحة أن يقول؟. هل كنت تريده أن يتباهى بزهج الأرواح من الجانب التركي، خلال حرب الثلاثين عاما، القذرة!؟. اعتذار أوجلان لأسر ضحايا كل الطرفين الكردي والتركي كان اعتذاراً شجاعاً وفي قمة الأخلاق. والسيد أوجلان كان يعبر عن ألمه لسقوط كل مقاتل، وكل جندي في الحرب التركية ضد الكرد، لأنه يعلم بأن الجنود الأتراك هم أولاد الفقراء من الشعب التركي، وليس بينهم أي قريب للطغمة الحاكمة، التي ترسل أولادها إلى جامعات أميركا وأوروبا للتعليم والتحصيل، بينما تلقي بأبناء العامة في دروب الهلاك. ثم كان السيد أوجلان هو نفسه الذي غضب ذات مرة، أشد الغضب، عندما علم بإقدام الشباب الكردي على احراق علم تركيا في إحدى المناسبات. أوجلان قال بالحرف: هذا لايجوز، لن أقبل في أن يلجأ أحد إلى إحراق علم دولة حقي قرار. وحقي قرار، هو مناضل تركي من مؤسسي حزب العمال الكردستاني، واستشهد في سبيل حقوق الكرد( ومن سخرية القدر، أن قاتله كان كردياً عميلاً للإستخبارات التركية).

الدولة التركية أحرقت الأخضر واليابس خلال حربها في شمالي كردستان، وسوّت بالأرض أكثر من أربعة آلاف قرية كردية آهلة، وتركت سكانها عرضة للفقر والتشرد، بلا مأوى، ولا مأكل، مشردين في ضواحي اسطنبول وأزمير وباقي المدن التركية، واعتقلت وقتلت الكثير من الأبرياء، ممن لا حول لهم ولا قوة، وليس لهم أي ذنت سوى أن الله خلقهم أكراداً؟.

وهنا، أريد أن أسألك ياسيد صالحة: ماهو ردك لو أن الأكراد حاكموك، بوصفك من جانب الدولة التركية على هذه الجرائم؟. هل كنت ستتباهي بكل هذا الدمار والخراب الذي حاق بالكرد على أيدي جيش واستخبارات الدولة التركية؟.

ثانيا: لم تكن تلك المرة الأولى التي يعلن فيها أوجلان وحزبه quot; حزب العمال الكردستاني quot;، عن رغبتهم في حل القضية الكردية بالطرق السلمية والديمقرطية. وأول مرة، أعلن فيها حزب العمال الكردستاني عن وقف أحادي الجانب لإطلاق النار، كان في العشرين من شهر آذار من العام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين، واستمرت الهدنة حتى الخامس والعشرين من شهر نيسان من العام نفسه. وأعلن حزب العمال قراره بوقف إطلاق النار، خلال مؤتمر صحفي، عقده أوجلان في البقاع اللبناني، وقال فيه :quot; لن نعاود القتال إلا إذا أجبرتنا عليه قوات الجيش التركي quot;. وأضاف :quot; نعلنها بصراحة، نحن مستعدون لحل القضية الكردية في تركيا بالطرق السياسية السلمية quot;. واستأنف العمال الكردستاني، مجبراً، القتال مع الدولة التركية.

وبالرغم من إصرار الجانب التركي على الحرب والحسم العسكري، في رده على قرار العمال الكردستاني هذا، إلا أن رغبة الأخير في حل القضية بالطرق السلمية وإنهاء الحرب والاقتتال، كانت السبب في معاودته الكرة، مرات أخرى عديدة لاحقة، وذلك بوقف إطلاق النار من جانبه فقط، ودون أن يلاقي أي تجاوب، أو رد فعل إيجابي من الجانب الآخر quot; التركي quot;.

الشخص الوحيد، الذي أبدى حسن نية تجاه محاولات السلام الكردية هذه، كان الرئيس التركي الأسبق quot; توركوت أوزال quot;. وكان ذلك في العام الف وتسعمائة وثلاثة و تسعين quot; المرة الأولى لوقف إطلاق النار quot; وعبر حينها عن سعادته البالغة بالقرار الكردي، حيث قال :quot; للمرة الاولى ومنذ عشر سنوات أنام قرير العينيين ومطمئن البال quot;.

ما حدث، أن عيني أوزال لم تقرّا طويلاً، بل نامتا، بدون قرّة، منذ السابع عشر من شهر نيسان، أي قبل أقل من شهر على إعلان العمال الكردستاني عن قراره ذاك!؟.

يذكر صالحة، في مقاله، بأن قرار الإعدام شنقاً ضد أوجلان لاقى دعماً وتاييداً كبيرين لدى الأتراك. لكنه لا يأتي البتة، على ذكر العشرات من أبناء الشعب الكردي في عموم كردستان وأوروبا، من الذين أضرموا النيران في أجسادهم استنكارا وتنديداً بالمؤامرة الدولية التي سلّمت أوجلان لتركيا. مرة أخرى، أتوجه بالسؤال إلى الكاتب: ماذا كان سيكون مصير تركيا لو أنها أقدمت على اقتراف حماقة من قبيل تنفيذ حكم الإعدام برجل مثل السيد أوجلان؟.

يطلق الكاتب العنان لافتراءاته ويسردها الواحدة تلو الأخرى، حيث يقول بأن دعوة أوجلان لإيجاد حل للقضية الكردية ضمن الحدود السياسية لتركيا ديمقراطية، والتخلي عن فكرة إقامة دولة كردية، أو حتى مجرد حكم ذاتي شبيه بالذي حصل عليه الكرد في العراق، يعني بأنquot; أوجلان قد ترك حزبه الماركسي اللينيني يتخبط وسط أزمة انشقاقات وتفكك سببها الأول الكثير من مواقفه التي فاجأت الجميع وحالة الفراغ في القيادة والارتباك الكبير الذي خلفته عملية الاعتقال التي دعمتها الكثير من العواصم والمنظمات الدولية والإقليمية التي تعتبر الحزب حركة إرهابية عالمية quot;.

عن أي انشقاقات تتحدث، أو ماذا تقصد بالتفكك في القيادة، يا سيد صالحة؟. لو قلت هذا الكلام في الفترة التي اختطف فيها أوجلان، لكان من الجائز القول بأنك تطرح رؤيتك المستقبلية، وتستجلي وتقييم المدى غير المنظور، أو على أقل تقدير لقلنا بأنك تضرب في المندل!. أما أن تقول هذا الكلام بعد مرور كل هذه الأعوام على مؤامرة اختطاف السيد أوجلان، وفي ظل التعاضد والاتفاق القوي جداً بين قيادات حزب العمال من جهة و بين القيادات والقواعد من جهة أخرى، فإن كلامك هذا معطل المفعول، ومنطلي على وهم، وهو هراء في هراء لا سيما وأنت شاهد عيان على ما يجري في شمال كردستان وتركيا من تظاهرات عارمة، تشارك فيها كافة فئات وشرائح المجتمع الكردي، معبرة عن تضامنها مع أوجلان، ومرشحة إياه لأن يكون الممثل والمخاطب الوحيد، عنهم، في أي مفاوضات محتملة لأجل حل القضية الكردية. ثم أنت رأيت كيف أن حزب العمال انتصر عسكرياً على الجيش التركي في مواجهات ( زاب) في شباط 2008، بينما تضاعفت قوة حزب المجتمع الديمقراطي، الذي تصفونه بالجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، فهذا الحزب كان يسيطر على 36 بلدية أثناء اختطاف أوجلان في 1999، بينما هو الآن يسيطر على 98 بلدية كبرى، بعد مضي 10 أعوام على مؤامرة الاختطاف. فهل تسمي هذا التقدم والتوسع والانتشار، ضعفاً وتشتتاً بالله عليك؟.

أما إن كنت تقصد بالانشقاقات، ما حدث مع شقيق أوجلان، عثمان أوجلان، والبعض ممن حذوا حذوه، فإن ذلك لم يؤثر في الحزب، ولا بقيد أنملة( وهؤلاء مشتتون الآن في إقليم كردستان العراق بعض أن نكث السيد جلال الطالباني بوعوده لهم، والبعض منهم لايجد ثمن إجراء عملية لعينيه)، والمراقب والمتابع لما يجري، الآن، على الساحة السياسية في تركيا، والتأثير الذي يلعبه حزب العمال و زعيمه عبدالله أوجلان على تغيير مجريات الأحداث هناك سيجد، وبدون شك، بأن حزب العمال الكردستاني في أوج قوته، وبأن زعيمه أوجلان، المحتجز منذ أكثر من عشرة أعوام، وفي ظروف قاسية للغاية، ما يزال صامداً، وموجوداً، ومؤثراً بقوة في القرار السياسي التركي.

ليس صحيحا، البتة، ما تدعيه بأن أوجلان قطع الطريق أمام غيره من الساسة والمثقفين الكرد للتفاوض مع الجانب التركي في موضوع حل القضية الكردية وذلك برغبته في أن يكون الطرف الاساسي في تلك المفاوضات المفترضة. الحقيقة أن أوجلان ناشد الحكومة التركية صراحة خلال أحد لقاءات محاميه الأسبوعية به، بأن تعلن عن الجهة التي تنوي التحاور والتخاطب معها في موضوع حل القضية الكردية، وأشار، صراحة أيضاً، بأنه ليس مهماً من سيمثل الجانب الكردي في مفاوضات الحل، بل الشرط الواجب أخذه في الحسبان في هذه المسألة هو اختيار ممثلي الكرد الحقيقيين والإذعان إلى إرادة الشعب الكردي في اختيار ممثليه وهذا في رأينا أضعف الإيمان إذما كانت الحكومة التركية جادة في حل القضية الكردية وعدم التفرد في الحل لئلا يكون الحل ناقصاً ويعود بالعلاقة بين الطرفين الكردي والتركي، إلى المربع الأول.

الشيء الصحيح الوحيد الذي كتبه فيما كتبته ياسيد صالحة هو أن أوجلان يعشق كرة القدم، ولكن ليس إلى حد الجنون، كما تكرمت، وخروجه من السجن لاعلاقة له بتسجيل الأهداف، فهو، والحال هذه، في موقع الدفاع لا موقع الهجوم. وإذا كانت الدولة التركية راغبة في حل القضية الكردية، فهي من عليها أن تسجل هذا الهدف وتفتح قنوات الحوار والتفاوض وترضخ لإراداة الشعب الكردي وحريته في اختيار من يمثله للوصول معاً إلى نهاية الآلام والمآسي ولإعادة الجميع إلى بداية النهاية، لا نقطة البداية، كما تقول!.