نشعر بالأسف الشديد بسبب تصريحات فتاة ألمانية، أساءت للمقدسات الإسلامية كما ورد في بعض وسائل الإعلام. بالتأكيد إن إي إنسان عاقل من الغرب أو الشرق.. ديني أو لا ديني يدين بشدة هذه الكراهية المعلنة بغض النظر عن أسبابها تجاه اخوتنا المسلمين. غير أن الواقع يفرض علينا أن نجد حلولاً حقيقة لهذه المشكلة والتي يمكن اعتبارها إساءات فردية وليست سياسات دول. في الواقع أن صورة هذه المشكلة ٌتظهر بوضوح ثلاث إشكاليات في العلاقة بين الشرق والغرب، مفهوم الحرية، والفعل ورد الفعل المضاد.
فبالنسبة إلى العلاقة بين الشرق والغرب وبدون الخوض في الجذور التاريخية، والجغرافية، والعقائدية. وبدون الخوض أيضاً في أسباب ونتائج الحروب التي نشبت بين أصحاب العقيدة الواحدة أو بين الطرفين على مر العصور. فإن الغرب لا يزال ينظر إلينا كشعوب متخلفة لديها ثروات طبيعية وبشرية هائلة ولكنها بسبب عدم فصل الدين عن السياسة لا تستطيع استثمار هذه الموارد في تنمية بلدانها ولم تسهم بأية خبرات في التطور العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث. بل والحقيقة المره أنهم يعتبروننا عالة عليهم وعبء ثقيل وتناسوا أننا شركاء في صنع أساسات هذه الحضارة.
في المقابل نحن نعيش في فضاء الكذب والخديعة على الذات قبل الآخر وكل ما نفعله هو فقط الاعتزاز بأنفسنا وتاريخنا وحضاراتنا القديمة وأن لنا الجنة وهم في النار، وتناسينا ما تعلمناه من قصة الأخ الذي كان كثير التعبد ويعوله أخاه فقيل له أنه في النار وأخيه في الجنة. ولذلك علينا أن نعيد بناء أنفسننا وأن نرتقي بمجتمعاتنا من الداخل علمياً وأقتصادياً وثقافياً وأن نحل مشاكلنا بأيدينا فيحترمنا الآخر. علينا أن نقدم للعالم كيف أننا شركاء حقيقيين في ثراء ونماء الحضارة العالمية فيكون لنا الهيبة والاحترام.
أما بالنسبة إلى مفهوم الحرية ومبدأ احترام معتقدات الآخرين فإن الإساءة إلى معتقدات الآخرين لا تنتمي إلى فضاء الحريات مطلقاً وإنما تنتمي إلى فضاء الكراهية. فالإنسان حر فيما يعتقد لكنه ليس حر في أن يحتقر ويسفه معتقدات الآخر. هذه الأحداث ذكرتني بواقعة حدثت في الاتحاد السوفيتي سابقاً أثناء الدراسة إبان الحقبة الشيوعية حيث رأت طالبة دراسات عليا في الفلسفة الوجودية على كتاب أحدهم الكتاب المقدس فأخذته ورمته على الأرض قائلة باللغة الروسية ما معناه quot; عليك أن تقرأ كتاب رأس المال لكارل ماركس وتترك هذاquot;
الدهشة أصابت الجميع ولاحظوا مظاهر الشعور بالغضب على وجه الشاب، غير أن الشاب سرعان ما تمالك أعصابه وبهدوء شديد رفع الكتاب المقدس من على الأرض وقبله ووضعه مرة أخرى على المكتب وشكرها، ثم سألها هل قرأتي الكتاب المقدس؟ فأجابت بالنفي. فقال لها أنه قرأ كتاب رأس المال ولو كان هذا الكتاب معها الآن لما رماه على الأرض كما فعلت هي، وأضاف أننا تعلمنا أن نحترم معتقدات ومقدسات الآخرين، وأن الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين كما قال الفيلسوف العظيم فولتير (1694-1778). فتأسفت لفعلتها واعتذرت.
أما عن الفعل ورد الفعل المضاد فنجد أن من عظمة الطبيعة أنها تملك quot;خاصية التنوعquot; حتى على مستوى القوانين الفيزيقية والرياضية فالكراهية يمكن أن ترتد كراهية مضادة ويمكن أن ترتد حسبما يريد الإنسان. فالإنسان العاقل يستطيع أن يجعل الكراهية تتحطم وتتلاشى إذا ما جعلها تصطدم بحائط الحب والتسامح، فالحب سيظل دائماً الأقوى. والعنف يمكن أن يرتد عنف مضاد، بينما الإنسان العاقل يمكن أن يحطمه على مائدة الحوار. وكلنا يعلم أن فلسفة المراجعات حققت ما هو أكبر بكثير مما حققته سياسة العنف المضاد مع الإرهاب. فالغضب مسموح بشرط ألا يتحول إلى غوغاء فنزيد النار لهيباً.
لذلك وجب علينا أن نصحح المفاهيم الخاطئة عنا عند الآخرين ونقلل مقدار الكراهية الموجهة ضدنا وذلك بتعاون حقيقي بين المسلمين والمسيحيين الشرقيين معاً ضد الإساءة للمقدسات والمعتقدات تحت مبدأ quot; ادفع بالتي هي أحسنquot;. إما شعارات المقاطعة وغيرها من الشعارات التي تتبناها جماعات الإسلام السياسي فلن تسهم في تحقيق المصالحة الفكرية مع الغرب. هذه المصالحة في الواقع تحتاج إلى إعادة بناء الذات من الداخل في إطار دولة مدنية عصرية، ووضع خطة إستراتيجية يشارك فيها كل شركاء الوطن من أجل فتح الباب لحوار الأفكار مع الآخر.
أ.د./ إميل شكرالله
[email protected]
التعليقات