مازالت تداعيات و سجالات المواقف الدولية و الاقليمية المتباينة بشأن الکشف عن مواقع نووية إيرانية جديدة مستمرة و مافتأت العديد من اوساط القرار الدولي تلمح بشکل او بآخر الى ضرورة إنتهاج الخيار العسکري کالسبيل الافضل لحسم الوضع مع إيران، في حين أنه مازالت هنالك أيضا(أغلبية دولية الى حد ما) تجد ان الفرصة سانحة للتمسك بالخيار السلمي لمعالجة الملف النووي الايراني و تصر على أن تقديم محفزات و بدائل مجزية لطهران سوف تساعد على حلحلة المسألة بدون أية تکلفة(حربية)مکلفة و مرهقة للغرب.


وفي الوقت الذي تلمح الادارة الامريکية(کعادتها دوما)الى الخيارات الاخرى ضد إيران کإشارة قوية للخيار العسکري، فإنه ليس هنالك في الافق من سياقات و إتجاهات و دلائل واضحة و عملية تساعد على تکوين ولو مجرد فکرة خاصة عن سيناريو حقيقي لضربة أمريکية أو أمريکية غربية أو حتى إسرائيلية أو أمريکية إسرائيلية للمنشئات النووية الايرانية، ومع أن اسرائيل تسعى في هذا الخضم(کعادتها أيضا)للتصيد في الماء العکر و على حساب الدول العربية بشکل خاص و الدول الاسلامية بشکل عام، فإنها تصر على أن تکون طرفا في أية مسألة تتعلق بمعالجة أو حسم الملف النووي الايراني خصوصا عندما يکون الامر خلف الابواب المغلقة و بعيدا عن الاضواء و الصحافة.


وإذا ماکانت اوساطا سياسية تسعى بين الفينة و الاخرى الى إثارة زوابع و سيناريوهات وهمية و إفتراضية لتوجيه ضربة جوية إستباقية للمنشئات النووية الايرانية، کمسعى منها لإثارة الرعب و القلق داخل اوساط القرار الايراني حتى يتم توظيف ذلك کورقة ضغط لحظات الجلوس على طاولة المفاوضات، فإن الذي هو مؤکد لحد الان ان طهران قد خبرت و بذکاء هذه المناورات الوهمية و باتت ترد عليها ببالونات إستعراض عضلات و قوة وحتى التلميح بعزمها على الاستمرار قدما في مشروعها النووي المقلق للمنطقة و العالم، ومن هنا، و حسب ما تراه العديد من الاوساط السياسية و الاعلامية في المنطقة و العالم، فإن الخيار الوحيد المتاح حاليا لإيران من جهة و الدول الغربية من جهة أخرى، هو خيار طاولة المفاوضات و سلة المحفزات التي على المجتمع الدولي أن يقدمها لطهران والتي يبدو ان الايرانيين يريدونها أن يجروا الدول الغربية بشکل عام و الولايات المتحدة بشکل خاص، الى مفاوضات أکبر و اوسع من مفاوضات(سلة المحفزات)، إذ يسعى الايرانيين و بقوة و عزم الى جعل المفاوضات خاصة(بالشراکة او تقاسم و توزيع النفوذ)، وليس هنالك من شك ان الکيان الصهيوني قد تلقف هذا المسعى الايراني و خبره منذ أمد يعود الى أکثر من بضع سنين، وهو يريد أيضا أن يکون طرفا اساسيا في أية لعبة تقاسم أو إعادة توزيع النفوذ في المنطقة بإعتباره(عامل توازن)کما يرى نفسه وقطعا لم ولا ولن يکون کذلك أبدا وانما هو بؤرة توتر و إثارة الفتن و القلاقل في المنطقة و العالم، على ان الذي يبدو جليا هو ان الدول الغربية و عند إبرامها أية صفقة سياسية إقتصادية أمنية مع طهران سوف تحرص و بقوة على إشراك الاسرائيليين من أجل عدة أهداف متباينة قد تکون أهمها و أخطرها بالنسبة للعرب بشکل خاص، هي إعادة التفاهم و التنسيق الاسرائيلي الايراني من جهة و التنسيق الغربي الايراني الاسرائيلي من جهة أخرى. وفي ضوء هکذا محصلة، سوف يکون العرب الخاسر الاکبر و سيجدون أن کل الذي تم الاتفاق عليه أمور تعود و تتعلق بهم أساسا قبل غيرهم خصوصا عندما تکون على حساب مصالحهم و أمنهم القومي الذي نرى أن إختراقه إيرانيا إسرائيليا هدف حيوي يتم العمل الدؤوب من أجله ليل نهار وان الذي سيتم الاتفاق عليه خلف الابواب المغلقة قد يکون بالدرجة الاولى شأنا عربيا خالصا يتقاسمه غير أصحابه الحقيقيين.

وانه وفي خضم هذا الوضع المقلق و البالغ التعقيد، نجد أنه من المهم و الحيوي جدا ان يتدارس العرب الموقف وفي ضوء مختلف المواقف و التحسبات و على کافة الاصعدة و المستويات حيث أنه لو سنحت الفرصة و إمتلکت إيران أيضا السلاح النووي و صارت قوة نووية إقليمية الى جانب إسرائيل، فإن العرب و من دون أدنى شك سوف يکونون بين الکماشتين الايرانية و الاسرائيلية وفي ضوء ذلك تتم فرض العديد من الخيارات المختلفة على العرب والتي قطعا سيکون أحلاها مرا، لن يکون من هنالك من طريق أمام العرب سوى الخضوع و الانصياع للإبتزازات و التطاولات الاسرائيلية و الاقليمية بحقهم وهو أمر لايتقبله او يستسيغه المحتوى الداخلي للشخصية العربية ومن هنا فإننا نرى بأن تکون هنالك مواجهات لن تکون مجدية في النهاية للعرب لعدم التکافأ في ميزان القوى، کما أن الغرب لو رضخ وقدم التقنية النووية السلمية على طبق من ذهب لإيران(وهو إحتمال وارد)، فإن إيران الى جانب الفائدة التي تحصل عليها من هذا الجانب، فإنها ستدخل حتما في لعبة الادوار و توجيهها والتي لن تکون أيضا لخدمة و صالح العرب، وعليه، فإننا في المجلس الإسلامي العربي في لبنان نجد الحاجة ضرورية و ملحة من أجل أن يتنبه القادة العرب الى کل هذه الاحتمالات و يدرسونها قبل أن يفوت الاوان وان يعملوا في ضوء المستجدات و التداعيات التي تستوجبها مصالح العرب و امنهم القومي وان بروز إيران نووية کما برز قبلها الکيان الصهيوني نوويا، يستدعي بروزا عربيا نوويا رادعا من أجل مصالح الاجيال العربية الآتية، کما أن إستخدام التقنية النووية لأغراض سلمية هي الاخرى ضرورة ملحة للأمن القومي و الاجتماعي العربيين سيما واننا نعلم بأن نضوب النفط سيخلق مشاکل عويصة في مجال الطاقة للدول العربية ومن هنا فإنه من الضروري جدا تدارس هذه المسألة و معالجتها بالاسلوب الامثل الذي يحفظ مصالح و طموحات الامة العربية.


*الامين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان