في مثل هذا اليوم الأربعاء 7/10/1959، جرت محاولة إغتيال رئيس وزراء العراق السابق المرحوم اللواء الركن عبدالكريم قاسم في وسط شارع الرشيد ببغداد في حوالي الساعة السادسة والنصف عصرا، لم تنجح محاولة الإغتيال تلك حيث أصيب الزعيم بعدة اطلاقات نارية كانت في ساعده الأيسر وقتل سائق سيارته العريف كاظم عارف وتمكن أحد العسكريين ممن كانوا متواجدين في مكان قريب للحادث من سياقة السيارة وكانت من طراز(فورد ستيشن) العسكرية الخاصة بالزعيم ليحمله الى المستشفى حيث أجريت له الإسعافات المطلوبة وبقي في المستشفى تحت العلاج لغاية يوم 3/12/1959 حيث بخروجه منها أصبح ذلك اليوم يسمى (عيد السلامة والإبتهاج!!).

نعود لتلك المحاولة والتي نفذتها محموعة من أعضاء وأنصارحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق والهدف هنا هو لآخذ بعض العبر والدروس في العمل السياسي ومعادلاته المختلة داخل الوطن العراقي تحت ظل الإحتلال الأجنبي امريكيا وفارسيا وإسرائيليا وعملائه!!

عناصر مجموعة التنفيذ الأساسية كانت محدودة وهم 1- المرحوم عبد الكريم الشيخلي 2- حاتم حمدان العزاوي 3- سمير عزيز النجم 4- المرحوم أحمد طه العزوز 5- المرحوم عبد الوهاب الغريري وكان قد تقرر في تلك الخطة بأن يقود المرحوم سليم عيسى الزيبق السيارة التي ستعترض سيارة الزعيم قاسم وسط الشارع حيث يبدأ الرمي عليه من قبل الخمسة الأساسيين، وقد أختير صدام حسين كحماية للعملية، بينما كان المرحوم طه ياسين العلي قد كلف ظاهريا بالعمل كصباغ للعمارة المقابلة لمكان الحادث والتي فيها عيادة الدكتور حازم البكري كي يستلم النداء الهاتفي بمجيء الزعيم أما من الباب الشرقي فتكون كلمة السر بالهاتف (شكري) والمتصل سيكون المرحوم خالد علي الصالح واما من ناحية وزارة الدفاع وباب المعظم حيث تكون كلمة السر (محمود) والمتصل سيكون أياد سعيد ثابت، وحينما يتلقى طه العلي النداء فإنه ينزل ليبلغ مجموعة التنفيذ حتى تستعد وتأخذ مكانها في أحد الإتجاهين بالمكان المحدد بشارع الرشيد، وفي هذا الوقت كان الأمين القطري للحزب المرحوم فؤاد الركابي وعضو القيادة القطرية المرحوم مدحت ابراهيم جمعه يتابعان الموقف من بيت خاص كان يطلق عليه أيام العمل السري اسم (وكر)، ولتغطية انسحاب المجموعة بعد التنفيذ بسلام ونقلهم الى الوكر الخاص بهم أختير البعثي علي حسون ليكون سائق السيارة الخاصة بذلك وقام بإداء مهمته تلك بنجاح.

لكن مالذي حصل وكيف سارت الأمور في تلك اللحظات؟؟، أبلغت مجموعة التنفيذ الأساسية بأن الزعيم قاسم سيأتي من جهة الباب الشرقي حيث كان أولئك الخمسة المفروض أن يكونوا بعكس اتجاه سير السيارة ليستهدفوا الزعيم وقبل هذه الحركة يحرك المرحوم سليم الزيبق سيارته ليكون في عرض الشارع ليوقف سيارة الزعيم ونفذ سليم الخطة واشارات قدوم الزعيم للمكان تقترب لكن سليم نزل من السيارة ليبدي خشيته في حال التنفيذ لآن هناك العديد من المواطنين العراقيين ممن كانوا يقفون على طول خط سير الزعيم لتحيته والتصفيق له وفي هذا العجالة حصل أن المجموعة الأساسية للتنفيذ قد انقسمت الى قسمين الأول فيه عبدالكريم الشيخلي وحاتم حمدان العزاوي والمجموعة المقابلة فيها الثلاثة المتيقين (أحمد طه العزوز،سمير عزيز النجم، عبد الوهاب الغريري ) وفتحت النيران بأتجاه سيارة الزعيم وكان هناك رصاص متقابل من طرفي المجموعة مما أدى الى مقتل عبدالوهاب الغريري في الحال بالشارع واصابة سمير عزيز النجم اصابة بليغة في صدره وفي هذا الظرف الملتبس من اطلاق النار العشوائي ومقتل سائق سيارة الزعيم وسقوط الزعيم مضرجا بدمائه داخل السيارة، تدخل الحماية صدام حسين ليطلق النار كذلك وقد اصيب بطلق ناري في ساقه ألا أن المجموعة تمكنت من الإنسحاب من الموقع وتركت جثة المرحوم عبد الوهاب الغريري والتي كانت احدى الخيوط القوية للدلالة على منفذي عملية الإغتيال وهويتهم السياسية فيما بعد.

تلك كانت حركة اللحظة التاريخية بشخوصها، والقي القبض فيما بعد على قسم من المجموعة واستطاع قسم آخر من الإفلات والهرب الى سوريا ومنهم صدام حسين ومثل الاخرون في شتاء 59-1960 أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة التي كان رئيسها المرحوم العقيد فاضل عباس المهداوي ومن مجريات تلك المحاكمة الشهيرة، التقطت الحوار الذي دار بين المهداوي وسليم الزيبق حول نزوله من السيارة قبيل التنفيذ ليقترح على المجموعة تأجيل عملية الإغتيال خشية من سقوط مواطنين عراقيين ابرياء في الموقع بينما هم كانوا يستهدفون الزعيم قاسم بشخصه ولوحده،، وبغض النظر عما أثارته ولا زالت تثيره حادثة الإغتيال تلك فإني ارى بأن العمل السياسي بالأساس هو لخدمة الناس لا لإيذائهم وقتلهم والإعتداء على حرياتهم وكراماتهم وممتلكاتهم كما يحدث هذه الأيام على أيدي عصابات الإحتلال والزمر الفاشية الدينية من عملاء الإحتلال الأجنبي في العراق. فمن يتصدى للناس الأبرياء في الأسواق والمطاعم والمساجد والحسينيات ومن يدمر المنشآت العامة ومن يستحوذ بقوة الأجهزة وميليشباته الخاصة ويسرق الثروات الوطنية جهارا نهارا، هو مجرم ومرفوض ومدان تحت أية ذريعة وتحت أي شعار وما هذه الظواهر الإجرامية التي يعيشها العراق وأهله هذه الفترة إلا الإفراز المسموم الذي جاء مع الإحتلال الأمريكي في 2003 والهيمنة الفارسية المكشوفة والإسرائيلية المستترة على وطننا العراق العظيم!!،،

ومن جو تلك الذكرى وتداعياتها، فقد أدينت تلك المحاولة حزبيا من قبل القيادة القومية لحزب البعث بإعتبارها إغتيالا سياسيا وإن كان عبد الكريم قاسم حاكما فرديا عسكريا، وانتهى المرحوم فؤاد الركابي ومجموعة قيادية معه خارج الحزب، حيث واصلوا نشاطهم السياسي المعارض فيما بعد تحت لافتات وطنية وقومية أخرى وأصدر المرحوم فؤاد الركابي كتابا حول تلك المحاولة في الستينات اسماه (الحل الأوحد).

وتبقى عبارة (خير الناس من ينفع الناس) صحيحة دوما وأبدا.


لندن


E-mail:-
[email protected]