مدخل: بعد خسارة quot;الآشوريينquot; لمدينتهم التاريخية العريقة quot;نصيبينquot;- اشتهرت بمدرستها السريانية منذ القرن الرابع الميلادي- بضمها الى الدولة التركية بموجب اتفاقية رسم الحدود مع سوريا عام 1923،باشر quot;السريانquot;، النازحين من مناطقهم التاريخية في طورعابدين وآمد (ديار بكر) هرباً من المذابح وبطش العثمانيين بهم،ببناء نصيبين الجديدة،مدينة quot;القامشليquot; الحالية في سوريا- التي كانت آنذاك تحت الحكم الفرنسي- يفصلها عن نصيبين القديمة فقط الخط السياسي الذي اقتضت مصالح الدول العظمى اقامته.يذكر، أن حتى ستينات القرن الماضي كان المسيحيون يشكلون نحو 90 % من سكان مدينة القامشلي،منهم 80% آشوريون(سريان- كلدان) والباقي من الأرمن. فوفق السجل المدني لنفوس القامشلي عام 1942 يحوي 7 دفاتر، صنفت بحسب الملل والانتماء الطائفي على الشكل التالي: (3 دفاتر للسريان الأرثوذكس وحدهم، 2 للأرمن، 1 لليهود، 1 دفتر واحد مشترك لبقية الملل من اتباع الكنيسة الشرقية والكاثوليك و الأكراد والمحلميه وايزيد وعرب).

- بموازاة الحركة العمرانية والنشاط الزراعي والاقتصادي في الجزيرة السورية، شيد الآشوريون (سريان-كلدان) المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتربوية، كالمدارس والنوادي الرياضية والفوج الكشفي الرابع( قال عنه الرئيس جمال عبد الناصر اثناء العرض الذي قدمه ترحيباً به في القامشلي 1960 quot; ده جيش منظمquot;).شكلت تلك المؤسسات الدعامة الأساسية لنهضة ثقافية واجتماعية سريانية، حيث عاش الآشوريون السوريون عصرهم الذهبي حتى قيام الوحدة المشئومة مع مصر 1958 وصعود الآيديولوجيات الشمولية ونمو النزعة القومية العربية المتطرفة.مع هذه التحولات بدأت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الآشوريين.أولى ضحايا quot;النزعة الشوفينيةquot; والعنصرية التي جاءت بها الحركة الناصرية وزرعتها في التربة الثقافية والسياسية للمجتمع السوري،كان quot;نادي الرافدين الرياضيquot; الذي أسسه السريان في مدينة القامشلي عام 1934.فبعد مسيرة حافلة بالانتصارات والانجازات الرياضية والكروية على مستوى سوريا والمنطقة،تآمر الشوفينيون على النادي وأغلقوه عام 1962.

نظراً للأبعاد والخلفيات السياسية والقومية والاجتماعية لقضية اغلاق نادي الرافدين سنلقي الضوء على هذه القضية المنسية.طبعاً،من الصعب جداً أن تكَون صورة كاملة متكاملة عن حدث تاريخي مضى علية نصف قرن من الزمن.يزداد الأمر تعقيداً، اذا كان للحدث أبعاد وخلفيات سياسية في بلد،مثل سوريا، يخشى أبناءه من الحديث في السياسية.فرغم مرور عقود طويلة على أحداث نادي الرافدين وعدم مسؤولية النظام الحالي عما حصل للآشوريين في القامشلي صيف 1962، رفض البعض فتح هذا الملف والبعض الآخر تحدث بتحفظ وحذر شديدين.عقدة الخوف من السياسية وحدها تفسر عدم تطرق جميع من تكلم، في المهرجان الأول والثاني لنادي الرافدين وفي المقابلات التلفزيونية، الى الظروف والأسباب التي أدت الى اغلاق هذا النادي.رغم المصاعب والعقد حاولت،من خلال بعض الحوارات- أجريتها على هامش المهرجان الثاني لنادي الرافدين، الذي اقيم تكريماً لمؤسسي ولاعبي النادي في مدينة القامشلي بتاريخ 16-9-2009- الأول اقيم في السويد 2007- حاولت الحفر في ذاكرة البعض من مؤسسي وأعضاء النادي،للإحاطة بالظروف والأحداث السياسية وغير السياسية التي أغلق فيها قبل نحو نصف قرن من الزمن. تلك الخطوة التي تركت جرحاً وطنياً عميقاً في نفوس الآشوريين وعموم الوطنيين السوريين،وشكلت خيبة أمل كبيرة لشريحة الشباب.


أجمع من تحدثنا اليهم وحاورناهم،معظمهم في العقد السابع من العمر، على أن نادي الرافدين كان مستهدفاً من قبل السلطات المحلية ومن خلفها القوميين العرب، من ناصريين وبعثيين وعسكر، المعارضين لحكم الانفصال في سوريا.ورغم أن نادي الرافدين كان مستقلاً عن الأحزاب ولم يكن له أي نشاط سياسي،حتى الأحزاب الآشورية لم يكن لها أي دور يذكر في نشاط وفعاليات النادي،لكن اغلاقه كان بتهم سياسية.اتهم بالشعوبية وبالقومية الآشورية،فضلاً عن تهمة مناصرة وتأييد حكم الانفصال عن مصر 1961،لطالما أن الشارع المسيحي في سوريا،لأسباب ودوافع وطنية، بغالبيته الساحقة كان ضد الوحدة مع مصر ومؤيداً للانفصال.لتمرير مخطط اغلاق نادي الرافدين،والكلام مازال للمتحدثين،افتعلت مشاكل في احتفالات quot;الكرمس آب1962quot; التي يقيمها النادي سنوياً )نشاطات ثقافية و فنية مع سهرات اجتماعية ومعرض للتسوق).حيث قام الملازم الأول (أ- ر) من الشرطة العسكرية،برفقته مجموعة من العسكر، بالتحرش بفتاة واستفزار العاملين في الكرمس،الأمر الذي تسبب بحصول معركة حامية بالأيدي والهراوات بين القائمين على الكرمس وبين العشرات من العسكر الذين اجتاحوا الكرمس وطوقوه ببعض المصفحات ونشروا فيه الخراب والفوضى وحطموا كل مجوداته وجرح العديد من العاملين فيه.على أثرها ووسط مشاعر الغضب والاستياء خرج جمهور النادي بتظاهرة احتجاجية أمام مكتب العميد (فرحان جرمقاني) قائد الفرقة العسكرية في المنطقة الشرقية(أتي بها الى منطقة الجزيرة لمؤازرة الجيش العراقي في حربه مع الحركة الكردية بزعامة الملا مصطفى البرزاني).ندد المتظاهرون بانتهاكات العسكر وأسقطوا جمال عبد الناصر وطالبوا بحقوق نادي الرافدين.نظراً لأهمية الحدث وتفاعلاته على الساحة الوطنية،أكد بعض من التقيناهم على أن العديد من الاذاعات العالمية نقلت خبر التظاهرة واصطدام جمهور نادي الرافدين مع الجيش السوري في مدينة القامشلي، منها quot;الاذاعة البريطانيةquot;،وquot;اذاعة صوت القاهرةquot; التي استغلت الحدث سياسياً وذاعت الخبر على أنه تظاهرة مؤيدة للوحدة ومنددة بحكم الانفصال في دمشق.

كبرئيل حبش،أحد أعمدة نادي الرافدين، قال: واجهت العميد (فرحان جرمقاني) وقلت له:quot;هل الكرمس quot;مستعمرة اسرائليةquot; حتى يحتله العسكر ويحطموه ويعتدوا على العاملين فيه بهذه الوحشية...quot;!. داوود غرزاني. من الذين أصيبوا بجروح خطيرة وأحيل مع آخرين الى quot;المحكمة العسكريةquot; في ديرالزور على خلفية الأحداث،قال: كان يمكن تجنب الاصطدام مع العسكر بالغاء الكرمس لطالما كانت هناك مؤشرات على نية السلطات بافتعال المشاكل لاغلاق النادي.الدكتور عمانوئيل حتينا، المقيم في المانيا، استحضر مشهداً مؤثراً محفوراً في ذاكرته من تلك الأيام ليؤكد من خلاله على الأثر القومي والاجتماعي الذي تركه نادي الرافدين في نفوس الآشوريين(سريان- كلدان) قال: quot; في كل مباريات النادي كان العم (عيسى أسعد) يحمل كرسيه الى الملعب ويقول بالسريانية: quot; اديما غمشتعن اسريييا -- اليوم سيلعب السريان...quot;.. الكاتب الآشوري، ابراهيم بادل، أحد لا عبي النادي يقول:quot; نادي الرافدين كان أكثر استقطاباً شعبياً وجماهيرياً من كل تجمعاتنا الحالية. عَكسَ انتماءنا القومي الأزلي وحسنا الوطني العالي لبلدناquot;. يوسف عيسى حنا: نادي الرافدين اغلق في عهد الانفصال وقد مضى على ذالك العهد عقود طويلة لهذا على السلطات السورية اعادة النظر بكل قرارات واجراءات حكومة الانفصال من بينها اغلاق نادي الرافدين والاعتذار من جمهور النادي العريض ومن سكان مدينة القامشلي على بقاء ناديهم مغلقاً طيلة هذه الفترة وضرورة اعادة فتحه و تحرير الرياضة عموماً من سلطة دولة البعث التي احتكرت لنفسها كل شيء في البلد.

بحسب المتحدثون الينا، أن نادي الرافدين لم يكن مجرد نادي رياضي،وانما كان مؤسسة حضارية اجتماعية تربوية ثقافية ومدرسة سريانية في الأخلاق الوطنية.ونموذجاً للديمقراطية في سوريا، حيث كانت انتخابات الهيئة الادارية تجري بشكل حر وديمقراطي، باشراف مراقبين تعينهم الدولة،كانت حدثاً جماهيرياً.فضلاً عن الدور المؤثر لجمهور النادي الكبير في الانتخابات البرلمانية والبلدية في محافظة الحسكة، لهذا كان المرشحون يترددون على النادي لكسب أصوات جمهوره.

صحيح أن المهرجان الثاني للنادي في القامشلي كان احتفالياً ترفيهياً، لكنه لم يخلو من رسائل عديدة.ابرزها، رسالة الى quot;القيادة السوريةquot;لاعادة افتتاح نادي الرافدين الرياضي الذي مازال مقفلاً ليس بالسلاسل المعدنية فقط، وانما بسلاسل الايديولوجيات الشمولية وبأغلال العقائد الشوفينية التي كبلت المجتمع السوري.أن اعادة فتح نادي الرافدين الرياضي سيكون له نتائج ايجابية على نفوس ومشاعر الآشوريين(سريان ndash; كلدان) ليس في سوريا فحسب، وانما في المنطقة والعالم،وبشكل أكثر على المغتربين.اذ،لو بقي نادي الرافدين قائماً وتواصلت نشاطاته وفعاليته لاستقطب الكثير من الشباب الآشوريين وخفف كثيراً من وتيرة هجرتهم الى أوربا.

هل سيسمع أبناءنا وأحفادنا في القامشلي من يقول من جديد بالسريانية :quot;اليوم سيلعب السريانquot;؟.ربما..!.الآشوريون اليوم يلعبون، لكن ليس في عاصمتهم السوريةquot;القامشلي،وانما في مكان آخر من العالم بعيداً عن وطنهم الأم (سوريا) الذي تركوه بعد خيبات الأمل التي اصيبوا بها. يلعبون في دول المهجر مثل quot;السويدquot; حيث لهم أندية رياضية وفرق كرة القدم، (أسيريسكا... وسريانسكا)تلعب في الدوري السويدي الممتاز. شعباً علم الأبجدية للبشرية وأقلع عجلة الحضارة لا يمكن له أن ينتهي ويخرج من التاريخ.