منذ نعومة أظفاره وإكتمال مداركه تحشر أدمغة الشباب العربي بالعداء للإستعمار وربيبتها الصهيونية. وبعد أن ذهب الإستعمار الذي كانت حروبه تطحن رؤوس الشباب العربي، بقيت الصهيونية لتعلق عليها الأنظمة العربية كل إخفاقاتها، وأسباب إستبدادها في الحكم؟!.فعلى تلك الشماعة حللت الأنظمة العربية لنفسها، كبت حريات شعوبها وكتم أنفاسها بذريعة أن quot; كل شيء من أجل المعركة quot;؟؟!! في حين أن جميع معارك العرب ضد إسرائيل كانت وستظل وهمية خرافية خيالية،وكل إنتصاراتهم كانت مزيفة ومخادعة مصنوعة في مطابخ الإعلام الرسمي لتلك الأنظمة؟!

يولد الانسان في هذا الشرق العربي ليكون مشروعا للإستشهاد تحت راية العرب، وفداءا بالروح والدم للقائد الملهم والزعيم الأوحد الذي لاتهمه من الخدمات، سوى الخدمة العسكرية،ومن المشاريع، إلا المشاريع الإستشهادية بتفخيخ الشباب وتفجيرهم في الشوارع، أو سوقهم كالخرفان الى جبهات القتال والحرب ضد أعداء وهميين، فأصبحت حياة الإنسان الذي وهبها الله لا تساوي شروى نقير عند زعمائنا الصامدين المتصدين للعدو الصهيوني الإسرائيلي؟؟!!

حدثان وقعا الاسبوع المنصرم لفتا إنتباهي وأنا أتمعن في متونهما، ما أنضج عندي موضوع كتابة هذا المقال الذي أشعر بأنني أسطره بالدم من هول الفجيعة التي تكشفت لي من خلال قراءة الخبرين:

الخبر الأول جاءنا من إسرائيل الصهيونية ويتعلق بمصير الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط ويقولquot; أثنت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها اليوم على قرار المجلس الوزاري المصغر بالمصادقة على صفقة شريط الفيديو مقابل الإفراج عن 20 أسيرة فلسطينية. وقالت الصحيفة quot; إن قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية بالمصادقة على المبادرة المصرية ndash; الألمانية بالإفراج عن 20 أسيرة فلسطينية مقابل دليل على أن شاليط على قيد الحياة يبدو للوهلة الأولى غير متوازن، إذ تفرج إسرائيل عن نساء اتهمن أو اشتبه بهن القيام بعمليات عدائية ضد مواطنيها- مقابل الحصول على معلوماتquot;. وتستطرد الصحيفةquot; لكن كل خطوة وكل عملية تساهم في إنقاذ الجندي الذي سقط بأيدي العدو قبل ثلاثة سنوات ونصف ليس صفقة اقتصادية، فقد سبق لإسرائيل أن دفعت في الماضي، وأكثر من مرة ثمنا مرتفعا مقابل جنودها الذي سقطوا في السر، بل و مقابل جثامين أو حتى أشلاء جثث. وليست هذه هي المرة الأولى التي تدفع فيها ثمنا مقابل معلومات عن حالة ووضع جندي أسير أو مفقودquot;.

الخبر الثاني وردنا من دولة عربية تدعي أنها تتزعم الأمة العربية ويقول الخبر quot; لقى طفل رضيع مصرعه بعد ان رفع عنه مستشفى خاص بمحافظة الغربية جهاز التنفس الصناعي لعجز أبيه عن دفع مبلغ 2000 جنيه اضافية طلبتهم ادارة المستشفى من والد الطفلquot;. ويستطرد الخبرquot; وبدات القصة عندما رزق المزارع شعبان سعد ـrlm;30rlm; عاماـ بطفل في آخر شهر رمضان المبارك، واكتشف ان الطفل يحتاج الى جهاز تنفس صناعي، فأودعه بحضانة في مستشفي خاص وقام بسدادrlm;2400rlm; جنيه كمقدم للسماح للرضيع بالدخول،rlm; وطالبته إدارة المستشفي بعد خمسة أيام بسداد مبلغ 2000 إضافية،rlm; ولكن لم يكن بمقدوره سدادها،rlm; وذهب الوالد ليبحث عن حضانة مجانية في مستشفي آخرrlm;، وحين عاد صدمه نبأ وفاة وليده الذي قامت إدارة المستشفي برفع جهاز التنفس الصناعي عنهrlm;،rlm; مما أدي إلي مصرعهquot;rlm;.

لا أدري هل يحتاج الخبران الى أي تعليق توضيحي، أم يفترض أن أتركه لفطنة القاريء الكريم ليستنتج بنفسه ما هم عليه وما نحن عليه.

ثمن مجرد معلومة صغيرة عن جندي أسير يساوي عند الصهيوني حياة عشرين أسيرة من quot; العدو العربي quot;، وثمن حياة طفل رضيع عندنا لا يساوي ألفي جنيه مصري؟!. فتنتزع روحه في مستشفى يفترض أنها تمتليء بملائكة الرحمة، وقد تكون إحداهن من إنتزعت جهاز التنفس الصناعي عن الطفل الرضيع!!

بهذه الثقافة السادية كان صدام حسين يسوق مئات الألوف من شباب العراق الى حتوفهم في معارك الصمود والتصدي، وبهذه الثقافة أزهق في ظرف خمس دقائق أرواح خمسة آلاف مواطن في بلدة حلبجة بالغازات الكيمياوية السامة، وساق 182 ألفا من نساء وأطفال وشيوخ شعبه الى صحارى الجنوب ليدفنهم أحياء هناك؟!


بهذه الثقافة صدح قبل أيام صوت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وهو يهدد بإفناء شعبه من الحوثيين، وإرسالهم الى جهنم وبئس المصير ويردد ليخسأ الخاسئون ثلاث مرات!!

بهذه الثقافة السادية أريقت دماء الملايين من أبناء شعب العرب في الحروب العبثية مع إسرائيل لتنتهي بإفتتاح سفاراتها في العديد من عواصم العرب!.

وقد تكون مقار تلك السفارات بجانب مقابر شهداء حرب تحرير الوطن الفلسطيني، الذي لم يبق منه سوى تلك البقعة الصغيرة التي يتنازع عليها اليوم حماس وفتح، بل ويتقاتلون عليها في ظل الحراب الإسرائيلية عدوهم الأساسي!!


بتلك الثقافة قتل مئات الألوف من المعارضين للأنظمة العربية لمجرد أنهم أرادوا تحقيق الحرية لشعوبهم، وناضلوا من أجل بناء المدارس والمستشفيات في بلدهم بعيدا عن شعارات الصمود والتصدي البالية المزيفة!!ّ

بتلك الثقافة السادية يرسل يوميا مئات الشباب من المغرب العربي الى العراق، ومن مشرقها الى أفغانستان ليفجروا أنفسهم وسط الأسواق والشوارع، غير مبالين بالطفل أوالشيخ أوالمرأة، يزهقون أرواحا كرمها الله عز وجل وحرمها على المسلمين من أصحاب اللحى الطويلة والشوارب المحلوقة!

كم من الألوف بل الملايين من الجنيهات صرفت وتصرف على موائد القمار في عواصم أوروبا من قبل أبناء وأحفاد السادة الحكام العرب،ويعز على إنسان عربي ألفي جنيه ينقذ به حياة طفله الرضيع!!!

كم تريليونا من الدولارات صرفتها الدول العربية على شراء الأسلحة لمواجهة العدو الصهيوني، وبالمقابل كم مليونا صرفتها لإنشاء مستشفيات الأطفال وشراء أجهزة التنفس الصناعي للرضع المحتاجين؟؟!!

تلك هي ثقافة العدو الصهيوني، وهذه ثقافتنا التي يتربى الإنسان بظلها، ويهيأ ليكون مشروعا دائما للإستشهاد من أجل رفع راية العرب فوق الأراضي السليبة، تلك الراية التي أزهقت تحت ظلالها أرواح الملايين من شباب العرب!

سأظل أردد مع الرائع عبد الرحمن الماجدي تميمته الخالدة:

أيّها العَلم

عـِشْ، خافقا ً أو ساكنا ً
في علوٍّ أو دنوٍّ، لوحدك،
فلنْ نعتصمَ بكَ بَعدَ الآن.

يا آكلَ أصحابي.
ألبستنا ثيابَ الذلـّة ِ
وسُقتنا، قطعانا ً، لخدمتكَ.
قطفتَ زهرات العمر ِ
على ندرتها.

قشْعرْتَ جلودَنا بصباحاتكَ الباليةِ
وخَوزقتنا بسَاريتكَ.

لستَ سوى خرقةٍ،
سراويلُ حبيباتنا أزهى من ألوانها.
حمالاتُ صدورهن أحقُ بالنشيد ِ.
فَرفرفْ بعيدا ً عن هوائنا.


[email protected]