أضحكني كثيرا تصريح رئيس جمهورية العراق جلال طالباني الرافض لإختراق جوي إسرائيلي للمجال الجوي العراقي في حال إتخاذ إسرائيل قرار بضرب المنشآت النووية الإيرانية وهو الإحتمال الأرجح في ظل التعنت الإيراني وحالة الإلتهاب الإقليمي و سعي كل من إيران و إسرائيل للتصعيد هربا من إستحقاقات داخلية محضة، طبعا لا نتمنى أي ضربة من أي نوع لإيران.
و نتمنى لجوء جميع الأطراف للسكينة و الهدوء و اللجوء للحلول الدبلوماسية، فخيارات الحروب هي على الدوام خيارات بائسة و عقيمة و قد جربتها ببشاعة شعوب المنطقة دون جدوى و لا نتيجة، المهم أم ما يلفت الإنتباه في رفض الرئيس العراقي لإنتهاك المجال الجوي العراقي هو كونه رفض يثير الشفقة لأن سيادة الرئيس يعلم جيدا بأن الأجواء العراقية ليست تحت السيطرة أو السيادة العراقية لهشاشة بل و إنعدام منظومة الدفاع الجوي العراقي كما أن العراق بأسره جيشا و مؤسسات أمنية أو عسكرية هو تحت السيطرة الأميركية المطلقة حتى يرث الله الأرض و من عليها و ضمن المديات المنظورة على الأقل.
ورفض الرئيس طالباني للضربة الجوية الإسرائيلية لن يساهم أبدا في منعها فإسرائيل حينما دمرت المفاعل النووي العراقي في السابع من حزيران / يونيو 1981 كان العراق في أقصى إستعداداته العسكرية في ظل الحرب الشرسة التي كانت قائمة مع إيران؟
ومع ذلك دمر الإسرائيليون مفاعل تموز بسلاسة منقطعة النظير في عملية ( بابل ) الشهيرة و في غضون دقيقتين فقط من الزمن و تحول الحلم النووي العراقي بعده لكابوس ثقيل لم يورث للشعب العراقي سوى النفايات التي تبقت و التي تسببت بإنتشار أمراض سرطانية مرعبة، وكذلك كان الحال مع المنشآت النووية السورية التي دمرها الطيران الإسرائيلي محولا حكاية الصمود و التصدي لنكتة بايخة!، ورغم الإختلاف الكبير في بنية المواقع النووية الإيرانية عن مثيلاتها في العراق و سوريا و إنتشار المنشآت النووية الإيرانية على مساحات واسعة و متفرقة و بما يعني صعوبة تدميرها بضربة جراحية واحدة و حاسمة، إلا أن إحتمالات الحرب الصاروخية تبقى واردة و محتملة وهي رهينة قرارات ستراتيجية تتخذها الحكومة الإسرائيلية ألأمنية المصغرة و بالتوافق مع القوى الدولية ولا دخل لأي نظام عربي بها، و الرئيس جلال طالباني وهو يعلن عن ممانعته للضربة الإسرائيلية يعلم جيدا وعلم اليقين من أن العراق المحتل الممزق المثقل بالمصائب لا يمكن أن يفعل شيئا وطبعا فإن ( قوات البيشمركة ) الكردية لن تستطيع التدخل في النزاع القادم و المحتمل لأن ذلك فوق إمكانياتها وقدراتها؟ إذن لمن كان الرئيس العراقي يوجه تحذيراته و يعرب عن رفضه وهو الذي يعلم بطبيعة الحال و المآل و نقص ذات اليد و إنعدام الإمكانيات ؟ فالعراق القوي السابق و المسلح حتى الأسنان لم يستطع أن يحافظ على منشآته الستراتيجية في زمن الحرب!!
فكيف يستطيع العراق الحالي و معظم قواته من الشرطة و ألأمن أن يمنع المحظور فضلا عن أن يعرب عن رأيه الذي لم يطلبه أحد أصلا، لأن المعركة الحالية الشرسة في العراق هي المعركة ضد الإرهاب و توابعه و حواضنه و موقف الرئيس العراقي من ملف المطالبة الحكومية بلجم النظام السوري قد خذل أبجديات تلك المعركة بعد أن رفض مجلس الرئاسة العراقي التماشي مع موقف رئيس الوزراء نوري المالكي الذي صعد الموقف مع نظام دمشق رغم أنه وحتى وقت قريب كان يعتبر من الرجال و القيادات العراقية المقربة لدمشق بحكم المعايشة الميدانية و التخادم السياسي الطويل طيلة عقدي الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي! كما أن موقف المالكي من قضية الدعم السوري للبعثيين العراقيين قد وسع كثيرا من مساحات الأعداء المتربصين به، فاللمخابرات السورية أدواتها ووسائلها و يدها الطويلة في الملف العراقي كما أن تأثيراتها قد توضحت على أعلى المستويات القيادية في العراق، وحديث الرئيس طالباني عن رفض الضربة الإسرائيلية التي قد توجه ضد إيران جاء ليخفف أساسا من غلواء الموقف الرسمي الحكومي ضد نظام دمشق!، فهو يعلم علم اليقين من أن المجال الجوي العراقي لا يمتلك القدسية و لا الحصانة و لا المناعة المفترضة..فلو جاءت الضربة فعلا فإن العراق سيكون آخر من يعلم طبعا!! وقديما قيل.. لوفات الفوت ما ينفع الصوت...! و مناورات الشعارات الحماسية و الكلام الكبير لم يعد يطعم خبزا في عراق الإحتلال و الهوان... فالتركيز على المصائب الداخلية خير و أجدى من إستعراض تحديات كلامية أكبر بكثير من الوقائع الميدانية..!
التعليقات