الصحافة هي السلطة الرابعة في هيکل الدولة الديمقراطية وان دورها الحيوي و الحساس من المقومات الضرورية لإغناء الوضع العام و توجيهه بصورة تکون نتائجه النهائية للصالح العام. هکذا عرفنا الصحافة و هذا هو دورها و واجبها الحقيقي وليست ولم تکن أبدا تؤدي دورا في خدمة السلطة غير الديمقراطية او المتلبسة بدثار الديمقراطية و الديمقراطية براء منها، ونظرة الى تلك التجارب التي تسمي نفسها صحافةquot;حرةquot;في الکثير من بلدان المنطقةquot;غير الحرةquot;، نجد ان تکاد تکون کالمسرح السياسي التحريضي لباکستور، حيث ينحصر همها في دفع الشارع العام للتعصب و الإيمان المطلق بزعامة السلطة في شخص أعلى منصب.


ولست هنا أتفق مع العديد من الآراء التي تقول أن الصحافةquot;السلطويةquot;أو الصفراء کما تلقب، لاتؤدي دورا مهما على ساحاتها الخاصة داخل بلدانها، ذلك أن الذي تردده کتابة يوميا يکون بمثابة تلقين منظم للعقلين العام و الخاص وان المجتمع و الفرد لن يکونا بمنأى عن تأثيراتها السامة و السلبية وان المجتمع او الفرد المشبع على مدار السنة بأفکار و توجهات ذات سياق و أهداف محددة، سوف يجد نفسه و بصورة تلقائية وقد استوعب أهم و أکثر تلك الافکار و التوجهات خطورة وهي الايمان بالضرورة القصوى للسلطة في شخص رأسها الاعلىquot;أيا کانت صفته أو الالقاب التي يسبغها علب نفسه او تسبغ عليهquot;و هنا أدت تلك الصحافة السلطوية أهم واجباتها الاساسية المناطة بها من قبل اولياء نعمتها حيث أنها تنجح في زرع الشك و عدم الثقة بالنفس(کفرد و کمجتمع)، للتحرك خارج دائرة السطة او بدونها و تمشيا على الحديث المنسوب للنبي الاکرم:(وال غشوم خير من فتنة تدوم)، وهنا نجد ان الاشارات لتجربتي العراق و أفغانستان کثيرة على اساس ان(فرديهما و مجتمعيهما) قد غنيا خارج السرب فصار ماصار بهما! يقينا ليس هنالك شئ يبرر الاستبداد و الدکتاتورية سوى الظلم نفسه الذي تمارسه غالبية بلدان المنطقة لتبرير بقائها المزمن في السلطة وان من طلب الحق فأخطأه ليس إطلاقا کمن يدرك بطلان عمله و يصر على دوام ممارسته، وهنا انا لست في صدد الدفاع عن حالتي أفغانستان و العراق واللتين هما أساسا نتاج و رکام الاستبداد و التسلط و التخلف الفکري و الاجتماعي ذاته، لکنني أشير الى نقطة هامة جدا وهي ان الشعبين الافغاني و العراقي قد باتا يدرکا ماهية العملية الديمقراطية وانهما طفقا يمارسان حقهما في هذا المضمار وهذه النقطة الايجابية الحساسة و الاهم التي يسعى العديد من الکتاب السلطويين الانتفاعيين للتغاضي عنها و عدم الترکيز عليها ويقينا أن الوعي الديمقراطي هو الذي سيولد بالنتيجة صحافة حرة حقيقية لأن سلطة الصحافة الحرة ترتکز و تعتمد اساسا على تأثير و دور الرأي العام ومن هنا فإن صحافة حرة حقيقية يتوسم ظهورها في العراق تحديدا و خلال سنوات قلائل قادمة.


ذکر زميل مصري أثناء مقابلة صحفية أجريتها معه، أن هناك أکثر من 600 صحيفة و مجلة تصدر في مصر، ورغم أنني لست أدري تحديدا العدد الصادر حاليا في العراق، لکنني أظنه أکثر من هذا العدد بکثير فهناك في إقليم کوردستان لوحده أکثر من 900 صحيفة و مجلة تصدر، لکن السؤال الاهم هو: ماهو الدور الذي تلعبه و تؤديه هذه الصحافة على أرض الواقع المصري و العراقي؟ قبل مدة ذکرت الزميلة الشاعرة و الصحفية فينوس فائق، بأن للصحافة الکوردية الصادرة في الاقليم مساحة کبيرة من الحرية و ممارسة النقد، لکن المشکلة أن النقد و المؤاخذات المتعلقة بممارسات السلطة الکوردية لايؤخذ بها! أي بکلام آخر، قل ماشئت من دون أن تنتظر أي تغيير، وهذا الامر نفسه ذکره لي الزميل محمد سلامهzwnj; نائب رئيس تحرير صحيفة المسائية المصرية حيث قال في مقابلة صحفية أجريتها معه للأعلام الکوردي بأن هناك مساحة کبيرة و غير اعتيادية متاحة لحرية الصحافة و نقدها إلا أن ذلك لايتناسب(بحسب ماذکر)مع تجاوب السلطات المصرية و إذعانها لما يکتب و يشار إليه من حالات سلبية. بيد أننا لابد أن نؤکد هنا أن مجمل الخط العام للتجربتين المصرية و الکوردية سوف تتجهان في نهاية الامر الى إيجاد صحافة حرة حقيقية فاعلة بإمکانها أن تلعب دورا حاسما على الساحة وليس مجرد دور إستعراضي و مسرحي مقصود.


أن الانفتاح العالمي و التقدم التقني و المعلوماتي بکل مايملکانه من إمکانيات کبيرة فإنهما يصطدمان بحاجز الصحافة السلطوية التي تمارس دورها التضليلي في تحريف أو حجب المعلومة الحقيقية عن العامة من أجل هدف أو أهداف سلبية خاصة وليس بالامکان الاعتماد على الاختراق المعلوماتي لتلك الدول التي تمتلك صحافة مقيدة مضلة للحقيقة و الواقع لکن قطعا ليس بالامکان أبدا الاستهانة بالامر في نفس الوقت سيما وان تسريب المعلومة الاساسية و المضادة للمعلومة المدسوسة من قبل صحافة السلطة و بتکرار العملية و دوامها سوف يکون لها أبلغ الاثر في العقل الباطن الفردي و الجمعي وقد تظهر ردود أفعال و تداعيات هذه الـعملية مع أول أزمة عامة إذ يجد الناس أنفسهم زرافات في الشوارع وهم يصطدمون بالسلطة و أجهزتها القمعية وحينئذ تبدأ تباشير الاعداد لصحافة حرة حقيقية.