جميع الأديان تهدف إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. ولذلك فإن الإنسان المؤمن يجب أن يتجه في نفس اتجاه الهدف الأسمى للأديان وهو سعادة أي إنسان ينتمي إلى الأسرة البشرية، بل وعليه يقع عبء البحث عن الطرق والآليات والوسائل التي تمكنه من تحقيق السعادة للآخرين.

فإذا أنحرف المؤمن عن هذا الاتجاه تكون عبادته غير مقبولة. لأنه من غير المعقول أن يتأذى الآخر بإيماني، أو ًيحتقر معتقد الآخر لمخالفته معتقدي، أو يحرم الآخر من ممارسة شعائره بحرية لأني لا اعترف بمعتقداته.

أعتقد أن الإنسان عند الله سبحانه أهم من الدين. فالأديان جاءت من أجل الإنسان وليس العكس. فلو لم يكن هناك من بشر لما جاءت الأديان. ولذلك فعلى الإنسان المؤمن الحق أن يبحث عن حلول تحقق سعادة الآخر الذي هو أخاه و شريكه في هذا الكوكب. أعتقد أن عبادتي تكون باطلة إن لم تترجم إلى أفعال وأعمال صالحة تهتم بأخي الإنسان.. المظلوم، البائس، المسكين، الفقير.. أن أساعده وأمد له يد العون ليس فضلاً مني بل هكذا يجب أن يكون.

من أنت أيها الإنسان حتى تحكم على الناس؟ ألم تقرأ في سورة البقرة آية 113quot;..فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفونquot; الم تتعلم من الدين، والحياة، والطبيعة أن الحكمة العليا في الكون هي في التنوع؟ هل إلى هذا الحد تعترض على حكمة الله الخالق سبحانه؟ ألم تقرأ في القرآن الكريم quot;..ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة..quot; (المائدة: 48)،وأيضا quot;ولو شاء ربك لجعل الناس أمه واحده ولا يزالون مختلفينquot; (هود:118). ألم تقرأ أيضاً في الكتاب المقدس quot;بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده (أعمال 35:10)، quot;لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثمارهquot; (متى 43:21)، quot;ولا تفتكروا إن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيمquot; (متى 9:3)

لكن للأسف الشديد سيأتي من يفسر تلك النصوص الدينية في فضاء تصادم الأديان وليس حوار الأفكار التي تسعى لتحقيق التعايش والألفة والمحبة بين الجميع. فتجد التفسيرات والتفسيرات العكسية، وتجد الفقه، والفقه العكسي، وتجد الحلول والحلول العكسية.. وهكذا. وسوف يحاول كل طرف إثبات أنه يمتلك الحقيقة المطلقة. وبدلاً من أخذ العبر من التاريخ يحاول البعض أن يعيش الماضي بكل آلامه حتى ولو أثر ذلك سلباً على مستويات سعادة الإنسان في الحاضر.

والواقع العلمي أن الحق المطلق خارج نطاق البشر فالله سبحانه لم يعطي سره لأحد. فعلى سبيل المثال فإن الإنسان لا يعرف بالتمام والكمال أبسط الأشياء مثل وزنه، أو سنه،... لأنه ببساطة شديدة لا يمكنه حساب جزء الجرام، ولا جزء الثانية. حتى ولو استخدم أفضل الموازين الرقمية دقة فسوف يهمل جزء من الجرام حتى ولو كان صغيراً جداً. هذا، بالإضافة إلى أن وزنه قد تغير أثناء القياس لأن الزمن قد تحرك. فإن كنت لا تستطيع أن تعرف وزنك بالضبط، فكيف لك أن تعرف ما هو أعقد من ذلك؟

ليس أمامنا من طريق إلى الحياة الأفضل غير طريق الدولة المدنية العصرية التي ينعم فيها الجميع من كل الأجناس، والألوان، والأعراق، والمعتقدات، والمذاهب، بنفس الحقوق وتكون عليهم نفس الواجبات. نحتاج إلى دستور عصري يتوافق مع متطلبات وتحديات القرن الحالي مبني على أساس المواطنة، ويحقق طموحات وسعادة إنسان الإنترنت، والمعرفة، وعصر التكنولوجيا الفائقة، وليس إنسان الجاهلية، أو إنسان العصور الوسطى.

أ.د./ إميل صبحي شكرالله
[email protected]