لو كان غير الزعيم quot;عادل امامquot; لما تكبدت الانتقال بالقطار مع العائلة و الاصدقاء، و العودة في نفس اليوم، من تورنتو الى مدينة quot;مسي ساجا quot; الكندية في يوم بارد يوحي بزخات المطر، حيث يعرض فيلمه الجديد quot;بوبوس quot; الآن و بعد مرور اشهر على عرضه في دور السينما العربية.
و لكنها كانت رحلة جميلة اضاف لها الفيلم، بمواقفه التى لامست كل من هاجر وترك البلاد، بعدا نفسيا كبيرا ضرب على الوتر الحساس، و الذي قدم مذكرة احتجاج بصورة فكاهية ضد تحالف فساد السلطة مع فساد رجال الاعمال.
و لقد سمعت كثيرا عن الفيلم، الا ان التواجد في امريكا الشمالية في صاله مليئة بالمهاجرين العرب، الذين صفقوا كثيرا عند انتهاء الفيلم، ووقف المشاهدون احتراما و تقديرا للنص و السيناريو و ابداعات الفنانيين و احاسيسهم، لها دلالات كبيرة على عمق ثقافة الموضوع و الذى اثراه الكاتب و المؤلف يوسف ابو المعاطي و اجاد الانتاج في استحضار كبار النجوم الى جانب الزعيم من الفنانه يسرا الى رجاء الجداوي ود.عزت ابو عوف و اشرف عبد الباقي و حسن حسني مع الاعتذار لمن لم اذكرهم.
quot;بوبوسquot; هو ابن الريس، ايأ كان هو الريس، سواء النظام او الحاكم او رئيس الوزراء او المسؤول، هو البطل الحقيقي في الفيلم كما هو في الواقع، و الذي بدونه لا يمكن الحصول على قرض، و لا يمكن الحصول على حماية من النظام، و لا يمكن التقدم في المشاريع، و لا يمكن التخلص من الملاحقة، و لا يمكن الاعفاء من المديونة و اعادة جدول الديون، الى اخر حالات الحماية التى يقدمها quot;بوبوس quot; لرجل الاعمال وضمن المنفعة المبتادلة و التى اشتهرت في دول العالم الثالث و باتت سمه النجاح، و الذي قدمها في الحقيقة quot;الزعيم عادل إمام بافيشاته و حركاته و تعابيره.
هذه الشراكة المفروضة من النظام متواجده في اكثر دول العالم العربي و الثالث، و هي طوق النجاه، و سفينة الوصول الى الملايين من الدولارات و الى الشهرة و المرا كز الاولى و السلطة. فقط انظروا من حولكم، ايا كانت بلادكم، لتعرفوا و تتأكدوا من quot;بوبوس المحليquot;، فقد عبر الفيلم عن حالة فساد متاصلة و متواصلة و نجحquot;الامام عادلquot; في رسمها على الخارطة المنتشرة، وتلك كانت الرسالة.
لقد جسد فيلم quot;بوبوس quot; حالة موجوده، و هي حالة المشاركة بين النظام و رجال الاعمال، حالة الرعاية و الدعم و الفساد و الاستهتار و التمييز و كل اشكال التواطيء، و التى هي دائرة مغلقة بين مجموعات حاكمة و متحكمة في الاقتصاد و السياسة و الاعمال.و بالتالي فلا عجب ان يجد الفيلم هجوما على النجم عادل امام من بعض كتاب السلطة او بعض من رجال الاعمال و اللذين ينعمون بحالة الشراكة مع quot;بوبوس العربيquot;. اذا لم يكن هناك رعاية فلا يوجد نجاح كبير، و اذا لم تكن هنا مشاركة فلا وصول للهدف، انها قصة quot;المدينة الفاسدة quot; عوضا عن المدينة الفاضلة التى كتبها دانتي.
ولعل اجمل ما في الفيلم انه اتى على تلك المراحل بصورة فكاهية و حوارت انتزعت الضحك و الابتسامه من عقل و فم المشاهد، و ان كانت القصة تميل الى الميلو دراما، و لكنها فتحت جرحا في ذاكرة كل من هاجر و غادر الوطن العربي.
و اقصد هنا، ان عدد كبير من هاجروا، تركوا بلادهم و اوطانهم جبرا و قسرا، تركوها غصبا عن بكرة ابيهم لانهم شعروا انهم فقط ارقام في سجلات المواليد و الوفيات في بلادهم، لا مجال لتحقيق طموحاتهم ما لم يكونوا شركاء quot;بوبوسquot; في بعض الدول، و ربما أم quot;بوبوس quot; في دول اخرى.!!!!!!!!!!!
و المعنى انه ما لم يكن الشخص جزءاً من دائرة معينة مغلقة مقربة من الحاكم و رجاله، فلا مجال بتاتا لاي quot; نجاح كبير quot; سواء ان يصبح صاحب ملايين، او مشاريع او وزيرا او لديه شركات او حتى مجرد نائب في مجلس نيابي، و على العكس تماما، ما ان يصبح الشخص شريكا للحاكم او ابنه او زوجته فأنه تفتح عليه ابواب البنوك و دولاراتها و المجالس الادارية و الملايين و يصبح بقدرة قادر، و هو غير المتعلم او الراسب في الثانوية العامة، رئيسا لمجلس ادرة بنك و صاحب شركة مقاولات و مطور عقاري تمنح له الاراضي و المعسكرات و مرشحا للمنصب الحكومي وصاحب جريدة يومية و مصانع، و يجلس على مائدة الحاكم و تنهال عليه الاموال ويكتب عنه في الصحف و يتحول بقدرة قادر الى quot;ابو الُعريف quot; الذي يفهم و يعرف في كل شيء، و يتحدث من جيبه و بسلطة الحاكم.
و الامثلة كثيرة و متكررة، احدها هو ما قام بالكتابه عنه يوسف ابو المعاطي في هذا الفيلم الكوميدي، و الذي يراه البعض امتدادا لفيلم quot;مرجان احمد مرجان quot; و لكن بصورة مختلفة.
و في نفس الوقت فأن المتعلمون و المثقفون، خارج هاذ الاطار التحالفي من الفساد، و كل من يعمل بجد و اجتهاد يصبح خارج الدائرة و محارب و يسقط في الانتخابات و تسحب منه المشاريع وتحاك ضده المؤمرات و يدخل في دوامه الصراع مع سلفة بنكية قد لا تتجاوز الملاليم، في الوقت الملايين تتابع و تركض و تلاحق من هو في حضن quot;بوبوسquot;.
اتاح هذا الفيلم مشاهد حقيقية من واقع مرير يعيشه المواطن العربي دون امكانية التصريح او التلميح في الجرائد بهذا الفساد المستشري بالاسماء لغياب الديمقراطية، و لقد ازاح الفيلم الستار عن بقع سوداء من العلاقة بين الحاكم و المحكوم، و اظهر حالة الانسجام مع النظام و هباته و ما يعنى رفض طلب للنظام و تبعاته، كما لاح عندما رفض عادل امام طلبا للسلطة و ان كان الرفض عبارة عن فقط quot;عقد زواجquot;، فما بالكم اذا كان الرفض لحالة سياسية للنظام و فساده، و لقد كانت اشارة ذكية و في موقعها الصحيح، فهمها المشاهد دون الغوص في المزيد من انواع الرفض لحالات الفساد و تزوير الانتخابات و احالة المشاريع على المحاسيب و توزيع اراض الدولة مجانا و باسعار زهيده و غيرها من المنافع على اقارب السلطة و شركاء quot;بوبوسquot; في بعض من تلك الدول التى تتشابه حكاياتها و انحطاطاتها مع quot;بوبوس quot;.
quot;الامام quot;عادل أوضح للجميع غياب الامام العادل.
د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات