حين بدأ المعماريون الأميركيون يفكرون بالمكان الذي يختارونه للجامعة الأمريكية في مدينة السليمانية بكردستان العراق عام ٢٠٠٦، راودهم سؤال لم يتعلق بالأوضاع الأمنية المتردية في العراق في تلك الفترة، ولا ببيئة المدينة المحاطة بالجبال وتاريخها، وتراث المعمار فيها،إنما كان السؤال عما تعنيه كلمة laquo;الرياح السوداءraquo; من معان وتأثيرات مناخية. ولذلك بحثوا كثيراً عما يمّكنهم من دراسة طبيعة هذه الرياح التي تميز السليمانية وأطرافها عن غيرها من المدن الكردية.وهي إختصاراً رياح موسمية تعصف بالمدينة ومحيطها وتؤثر على الحركة اليومية فيها وذلك بسبب قوتها وموجات البرد التي تسببها في الشتاء والربيع.

كان لـlaquo;الرياح السوداء raquo; تالياً، خوف لا يقل عن الخوف من تفجير إرهابي أو عملية إنتحارية، سيما ان الأوضاع الأمنية في العراق عام ٢٠٠٦ كانت سيئة للغاية وشهدت عموم البلاد،بإستثناء كردستان، تفجيرات كثيرة والقتل على الهوية وإخلاء مناطق كاملة من سكانها في العاصمة بسبب الإنتماء المذهبي. وكانت الأوضاع ذاتها سبباً في عدم إختيار بغداد مكاناً للجامعة الأمريكية وتبديلها تالياً بمدينة السليمانية التي طالما اتسمت بــlaquo;الرياح السوداءraquo; في جميع الفصول.ولكن دراسة الطبيعة وألغازها كانت أسهل من ألغاز الإرهاب والصراع بين الطوائف والملل، إذ أصبح التخوف من المناخ جزءاً من آليات التأقلم معه ووضعه تالياً في منظومة المعرفة بالعمارة والمناخ.ولا يعني هذا بطبيعة الحال خلو فكرة إختيار هذا المكان من أسباب أخرى تتعلق بموقع السليمانية جغرافياً، فالمعماري والمفكر العراقي laquo;كنعان مكيةraquo; عضو مجلس الأمناء للجامعة،يرى بأن موقع الجامعة في السليمانية يعتبر من المواقع الاستراتيجية حيث تقع بين تركيا وايران وهي منطقة مهمة، لافتاً الى انه خلال السنوات القادمة ستصبح الجامعة نقطة التقاء لكل المنطقة.

لقد بدأت فكرة الجامعة التي تصل مساحتها إلى 175 هكتار وتقع على بعد 10 كم الى شرق المدينة عام ٢٠٠٤ ابان مجلس الحكم والحاكم المدني الأمريكي laquo;بول بريمرraquo;، وكان الدكتور laquo;برهم صالحraquo; رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان الحالي ونائب رئيس الوزراء العراقي السابق حيث أمضى العديد من أعوام دراسته وعمله في بريطانيا وأمريكا وراء فكرة تأسيس هذه الجامعة التي افتتحت وبدأت بقبول الطلبة من جميع مناطق العراق رسمياً عام ٢٠٠٧. وقد حصلت الجامعة منذ خطواتها الأولى على دعم مالي ومعنوي من الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وحكومة الإقليم والسفارة الأمريكية ببغداد. وما يميزها عن باقي الجامعات العراقية هي أنها مؤسسة خاصة مستقلة غير ربحية للتعليم العالي، كما إنها ملزمة بتحقيق المعرفة على أسس تعليم الآداب الحرة كنموذج للتعليم، ورسالتها هي تشجيع الفكر التحليلي، حرية الفكر والتعبير، تولي المسؤولية وتوسيع الفكر، ويكون التعليم في الجامعة مختلط، مفتوح لكل طالب مؤهل، بغض النظر عن الحالة الاقتصادية أو التوجه السياسي أوالعرق أوالدين.

يقول رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان برهم صالح:laquo; نتطلع الى هذه الجامعة بأن تكون على غرار الجامعة الامريكية في القاهرة وبيروت واستنبول، التي أدت دورا مهما في تلك البلدان من حيث تخريج الكادر القيادي، وكلنا يتفق بل وهناك شبه اجماع على ان النظام التعليمي الامريكي يوفر القدرات القيادية وفق هذا النظام، نتمنى الاستفادة من هذا النموذج، وان تكون الجامعة الامريكية في السليمانية منطلقا لتوسيع هذا النموذج في مدن أخرى في كردستان والعراق، أي انها ليست خدمة للاقليم فقط، بل دعم وخدمة لكل العراق.

تستلهم الجامعة في مناهجها من نموذج التعليم العالي الأمريكي ولغة التدريس فيها هي الإنجليزية وتمنح درجة بكالوريوس في الإدارة العامة، وبكالوريوس في العلوم، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، اما تخصصاتها فهي في إدارة الأعمال بتخصص رئيسي في الإدارة، ودراسة التخطيط/ بكالوريوس العلوم في نظم الحاسبات الآلية وتكنولوجيا المعلومات، ماجستير إدارة الأعمال في الإدارة الدولية، ماجستير إدارة الأعمال في تكنولوجيا المعلومات، منهج اللغة الانكليزية ومعهد اللغات.ومن ضمن برامجها المقترحة هي هندسة البترول، المحاسبة، الآداب الحرة، علوم الحاسب الآلي، السلك الدبلوماسي، علوم البيئة، هندسة الموارد المائية. اما اتفاقاتها مع المؤسسات الأكاديمية فتشمل:عضو في الجمعية الأمريكية لمدراء التسجيل وموظفي القبول في الجامعات quot;AACRAOquot;،جامعة فيرتولنج للعلوم التطبيقية، التعاون في تقديم برامج إدارة الأعمال وعلوم الحاسب الآلي/ جامعة ابو ظبي، التعاون في تقديم برامج إدارة الأعمال في الإدارة ودراسة التخطيط،طبيعة العراق- التعاون في البحث البيئي، مركز أبحاث النهر التوام quot;بريطانياquot;، جامعة أوروغون quot;المعهد الأمريكي للغة الانكليزيةquot;، جامعة فيرمونت، لقاءات مشتركة بين طلبة الجامعة الأمريكية في السليمانية وطلبة جامعة فيرمونت، جامعة جورج واشنطن.

من مواصفات ومتطلبات القبول في هذه الجامعة : الحصول على معدل 80% في الشهادة الثانوية العامة، والحصول على 550 أوأكثر في اختبار التوفل حيث يمكن للطلبة الالتحاق ببرنامج اللغة الانكليزية من أجل تحسين لغتهم، وكذلك تقبل الجامعة جميع المتقدمين من الطلبة بغض النظر عن العمر، العرق، الجنسية، الجنس والديانة.

أما رؤية الجامعة التي يدرّس فيها آساتذة من أستراليا وكندا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا،فتتمثل بتطوير رؤى وطاقات شباب المستقبل في مختلف المجالات التعليمية، وذلك من أجل عراق مسالم ديمقراطي، ينعم فيه مواطنوه بالحرية والرخاء، أما رسالتها فتنطوي على تشجيع التطوير والازدهار في العراق من خلال الدراسة الوافية للتجارة الحديثة والاقتصاد وإدارة الأعمال والإدارة العامة. كما انها تشكل بيئة مناسبة للإحتكاك المباشر بين جميع القوميات والأديان والطوائف، فهناك طلاب من كل مكونات المجتمع العراقي يدرسون فيها، شيعة من بغداد وتركمان من كركوك وسنة من الأنبار ومسيحيون وآشوريون، جاءوا جميعهم للدراسة في الجامعة الأمريكية في السليمانية بعيداً عن تجمعات قومية أو طائفية أو جغرافية.

هناك خارج إطار المناهج الدراسية المعتمدة laquo;معهد الرافدينraquo; وهو مركز علمي تابع للجامعة الأمريكية يقدم المعلومات في مجالات الأحصاء والموارد المائية والزراعية. يركز عمل المعهد الذي أسسه الدكتور العراقي laquo;عزام جواد علوشraquo; تحت إسم (طبيعة العراق) قبل سنوات، على تأسيس مختبرات علمية في القطاع الهايدرولوجي المتمثل بإدارة مصادر المياه، والمختبرات الكيمياوية لدراسة المياه والتربة بالإضافة إلى تحليل القاعيات (الطحالب) في جميع مناطق العراق. يقوم المعهد بتدريس الطلاب والموظفين بغية صناعة كادر عراقي متقدم في هذه الإختصاصات المذكورة.وهناك مشاريع آنية ومستقبلية للمعهد مثل تنظيف مياه حوض laquo;دربنديخانraquo; ومزرعة laquo;بستان سورraquo; إقليم كردستان، ومشروع مستقبلي لدراسة مناطق الأهوار وبيئاتها ووضعها،بالإضافة إلى إستخدام قسم منها كمحميات طبيعية عراقية على غرار محميات طبيعية ممثلة في العالم. ويدخل هذا المشروع ضمن خطة يعمل عليها المعهد تتمثل بإدخال laquo;الأهوارraquo; إلى معاهدة laquo;رامسار كونفيشنraquo;الدولية، وهي معاهدة عالمية للحفاظ على الأماكن التراثية تعمل على تحويلها إلى محميات طبيعية.

السليمانية