تواصل الحكومه البريطانيه جهودها للحد من تغلغل سرطان التفرقه العنصريه بين مواطنيها بعد عقود من دفن هذه الأمراض.. حائرة بين الأخذ بحرية الكلام كما أقرتها وشرعتها بناء على مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها.. وبين ما قد تؤدي إليه هذه الحريه من مشاكل تأخذ طابعا عنصريا.. قد يتطور إلى عنف مجتمعي خاصة حين تمس الأديان وبالتحديد الديانه الإسلاميه.. والتي يعتنقها ما يزيد عن المليون شخص بريطاني من أصول عرقيه مختلفه..


وبناء عليه رفضت الحكومة البريطانيه قبل شهرين زيارة جريت وايلدر quot;عضو البرلمان الهولنديquot; الذي تطاول على الديانه الإسلاميه وأساء للقرآن والمسلمين في اوروبا حين دعا الحكومات الأوروربيه إلى منع دراسته لأنه حسب رأيه يحض على العنف..

لكنها رضخت مؤخرا وقبلت زيارته بعد رفع قضيته أمام المحكمه الأوروبيه التي حكمت لصالحه وأكدت حقه في حرية الكلام والرأي.. حتى وإن كانت مسيئه لأي من الأديان.. فقد كانت هناك حالات مشابهه من الإساءه إلى الديانه المسيحيه وإلى شخص المسيح ذاته في عدة أفلام ولم تستطيع الكنائس منعها برغم أنها كانت أكثر إساءة..

والآن تواجه بريطانيا تحدي أكبر من أحد مواطنيها quot; نك جريفنquot; الذي نجح في الوصول إلى رئاسة quot;الحزب القومي البريطاني quot; ويتبنى سياسه تقوم على عنصرية متطرفه ضد جميع المواطنين من أصول عرقيه غير بيضاء ويدعو لإعادة بريطانيا إلى لونها الأبيض النقي فقط. كما وصف الإسلام بأنه دين شرير وبشع..

وتحت مبدأ المحافظة على التعدديه الحزبيه كوسيله لإغناء الحوار وإعطاء منبر لكل صوت مهما كان متطرفا، إضطرت قناة البي بي سي إلى إستضافته مع ممثلين من الأحزاب الأخرى لطرح أفكاره ورأيه في السياسات الحكوميه البريطانيه ومدى حمايتها للمواطنين البيض أصحاب البلد الأصليين.. في برنامج quot;quot; وقت للتساؤل quot;quot; مما أثار عاصفة من السخط على القناة.. ما بين مؤيد لرأي القناه في إعطاءه مساحه لإبداء رأيه بحريه وشرح برنامج حزبه وسياسته وترك الحكم للمشاهدين للتوصل إلى الخيار فيما إذا كانت هذه السياسه التي يتبناها تخدم المصلحه العامه للمجتمع البريطاني.. المتنوع الحضارات والأعراق.. وبين رافض لفكرة إعطاءه الحريه في الكلام أساسا ويعتقد بان البي بي سي سقطت في بئر العنصريه لأن مجرد إستضافته هو إعطاء شرعيه له ولأفكاره..

وبرغم إجماع العديد من المشاهدين على ضعف الحلقه. وانها تجاوزت طابع الحوار المتمدن المعتاد عليه.. لأن المشاركين وفي محاولة إسماع رأيهم رفعوا أصواتهم مما ادى إلى عدم الإستماع الجيد لوجهات النظر المختلفه ( وهو السائد في معظم القنوات العربيه ).. وأن ممثل الحكومه البريطانيه جاك سترو لم يستطع مواجهة الرأي المعارض ولم يقدّم أية نقاط صريحه لمعارضة الحكومه لوجهة نظر نك جريفن.. خاصة حين تعرض الأخير لموضوع الهجره الوافده التي زادت بمعدلات كبيره مما أدى إلى تدهور في الخدمات التي يجب ان يحظى بها دافع الضرائب الأول خاصة في قطاع الصحه العامه (المستشفيات).. والتعليم. وأن نظام الحكومه الحالي في إعطاء مساكن للمواطنين ذوي الدخل المحدود تجاوز العداله المفروضه حين فضّل القادم الجديد على المواطن الأصلي.

أسوأ نتيجه للبرنامج هي أنه وفي اليوم التالي للمقابله.. قامت صحيفة الديلي تلغراف بإستطلاع أظهر أن 3000 بريطاني قد إنضموا للحزب عقب المقابله وأن 22 % ممن شملهم الإستطلاع سيصوتون للحزب القومي في الإنتخابات القادمه.. وهي مؤشرات خطيره في بلد أسس للديمقراطيه.. وبناء عليها وعلى توافقها مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان فتح أبوابه كلها لمهاجرين جدد وأعطاهم فرصا جديده لحياة أفضل..

الأخطر منه والذي يضيف إلى ضعف موقف الحكومة البريطانيه أمام تحديات عنصريين أمثال جرفن.. ووايلدر ما قامت به الجاليات المسلمه لإبداء معارضتها لزيارة وايلدر بتنظيم تظاهرات إشترك فيها ما لا يقل عن 3000 شخص.. يحملون لافتات.. quot;quot;سينتصر الإسلام في أوروباquot;quot; و أخرى quot;quot;لا لحرية التعبيرquot;quot; وquot;quot; نعم لأسلمة اوروباquot; وquot;quot;يجب تطبيق أحكام الشريعه في هولنده quot;quot;..

كلها مواقف مشابه لمظاهرات المسلمين السابقه حول الصور الكرتونيه المسيئه للنبي quot; سلام الله عليه quot;.. و كلها تصب في مصلحة ما يتفوه به امثال هؤلاء العنصريين..
وتؤكد مقولاتهم بنمو التطرف والخوف من المسلمين وتحول دون الثقه التي تحاول الحكومات الغربيه جاهده على تأكيدها لمواطنها الأصلي ولمواطنها القادم المعتدل..
اوروبا تخلصت من كل المواريث التقليديه سواء الدينيه أو الثقافيه ونجحت في فصل الدين عن الدوله... لينصهر مواطنها في قالب مصالحه الخاصه بالتعاون مع الدول المجاوره.. ثم مصلحته في وجود قادم جديد من دين مختلف وعرق مختلف يقاسمه بلده و عيشه.. بدأ بمن يأتي حاملا رؤوس أموال قد يستثمرها وتعود بالنفع عليه وعلى المواطن.. أو القادم الجديد الذي يسمح له الدخول تحت بنود حقوق الإنسان.. أو الهجره.. ولكن لا زال تصرف الأقليه من المواطنين المسلمين يؤكد خوف الدوله.. وخوف المجتمع من الإسلام والمسلمون. وتنامي عدم الثقه بين الأطراف.

بريطانيا وكل الغرب يخشى من تصاعد وتيرة العنصريه الدينيه في مجتمعاتها.. ويخشى في ذات الوقت من نجاح أي من هذه الأحزاب العنصريه في الوصول إلى الحكم.. فالقوميه الآن لا تقتصر على جنس ولا عرق ولا دين.. القوميه أصبحت جزءا من الواقع العالمي الذي يعيشون فيه.. والذي يعلمون أنه حتى حدود سيادة الدوله ستخضع عاجلا أم آجلا إما للأمن العالمي وإما لحروب جديده.. وأن الديمقراطيه هي الأمان الوحيد لهم من هذه الحروب.. ولن يتخلوا عنها أبدا..

وهنا يبقى الخيار للمواطنين الجدد من أديان وأعراق مختلفه. إما الإلتزام بهذه الديمقراطيه التي فصلت الدين عن الدوله.. و قدمت لهم ما عجزت عن تقديمه بلدانهم الأصليه من إحترام لكرامتهم الإنسانيه.. وضمان لحرية المعتقد.. وإما مساعدة الأحزاب العنصريه في الوصول إلى الحكم.. وقد تتبنى إلزامهم بالعودة إلى ربوع الحريات في دولهم... عندها فقط سيقدرون هذه الديمقراطيه وربما يستطيعوا التظاهر ضد الأنظمه التي أسست لعدم العداله وأقرت عدم المساواة وسحقت معدة إنسانها من الجوع بعد سحق قلبه من المراره على مايره في وطنه من تدهور على جميع الأصعده؟؟؟ عندها فقط قد يتظاهروا منادين بالديمقراطيه وفصل الدين عن الدوله....!!!!


باحثه وناشطه في حقوق الإنسان.