ربما سيجعل الحادث الذي أكتب عنه، آخرين يؤمنون مثلي ؛أن التاريخ سيغيّر مجراه الإنترنت!.

في لحظة شعور بالغبن وقف مجموعة من الشباب الفرنسي الغاضب موقفاً حازماً أمام قضية اعتقدوا أنها ستسيء إلى فرنسا رمز الديموقراطية والحرية في أوربا،حيث أعلن في باريس عن ترشيح جان ابن الرئيس الفرنسي ساركوزي لتولي منصب المدير العام للمركز الاقتصادي والمالي لحي (لاديفانس) ؛وهو أكبر مجمع مالي واقتصادي أوربي يضم 2500 مؤسسة مالية، ويعمل به نحو 150 ألف شخص،وبسقف مالي يفوق المليار والنصف يورو. ساركوزي الابن قرّر الانسحاب بعد أن أثار الشباب الغاضب حملة إعلامية قالوا فيها إن الابن( الأمير كما أسموه اعتراضا) لا يحمل مؤهلات تمنحه الحق في الترشيح.

الرأي العام الإلكتروني

جان ساركوزي انسحب بعد الحملة الإعلامية الكبرى التي باتت تعرف ب(الرأي العام الإلكتروني)،حيث أكد بعض القائمين عليها دخولهم كل بيت فرنسي عبر الإنترنت،بل الأكثر من هذا ؛إن الحملة تعدّت حدود القارة الأوربية إلى ما وراء البحار، لتصل من يعنيهم أمر هذا الترشيح،ومن يعنيهم أمر الديموقراطية في المعمورة.حتى وجد الرئيس نفسه في حصار مرير وحيرة تضيع معها الكلمات في كل لقاء صحفي،ليعلن في النهاية صرخة تشبه صرخة يعقوب الأب على ولده يوسف، قائلاً:(لقد ألقي أبني جان وسط الذئاب!). ولا ندري أي الذئاب يعني الأب في مقولته تلك،هل هم من دفعوا به إلى بئر التوريث؟..أم (ذئاب) الإعلام الحرّ الفاضح لكلّ شائنة؟.

ورغم ما يريد له الرئيس الفرنسي من معنى يحتمل ألف تأويل،فإن الديموقراطية الفرنسية لا ترضى بحكم مؤسساتها العريقة ذلك الاحتكار السياسي ومناهجه في فرض آلية يخشى منها التوريث.وهي من أشد الحانقين والمستاءين لما يجري شرقاً.حتى أصبحت القضية تحمل بعدا آخر لن ينتهي عند ترشيح أبن الرئيس لنفسه ثم انسحابه،بل ثمة أصوات ربما ستبقى تنادي بمقاضاته لأنه استغل القضية لصالح الظهور الإعلامي سعياً للشهرة عبر وسائل إعلامية مقربة من قصر الإليزية.

من يدركنا نحن؟..

من يدركنا وقد ألقينا وسط ذئاب التوريث والمحسوبية؟..

سؤال ليتني أعرف كتابته باللغة الفرنسية،وليت من يوصله إلى فتية آمنوا بديموقراطية فرنسا وزادهم هذا الحدث هدى..ليتهم يقفوا معنا في محنة توريثنا المتواصل منذ قرون طويلة،ليكون التغيير على الطريقة الفرنسية،من توريث ديكتاتوري وآخر طائفي وسلسلة طويلة من التعيينات الوراثية العشوائية،والمحسوبية التي تضج بها أركان ما نسميه جزافاً؛ مؤسسات دولة..دول بتركات وأعباء تحتاج بعمر التوارث فيها إلى حملات وحملات..

توريثٌ وتحكّم ٌعائلي، صارت فيه العائلة المتحكمة بالمصائر والخبز لا تتسلط في أرجاء الدولة فحسب،بل تعدّتها إلى مؤسسات الرأي والفكر،وصولاً بالإنسان المحتسب إلى مشارف يأس طبقي(متوارث) ربما لا تشفع معه آمال التحرير القادم على أظهر الدبابات..أقول قولي هذا رغم قناعة شخصية تستحق أن أصرخ مهلّلاً ومستبشراً بأي محتل فرنسي!..أناديه بصوت الشاعر (الممزق العبدي) وهو يقول:

فإن كنت مأكـولاً فكن خير آكــلِ و إلا فـــأدركنــي ولمّـا أمـــزق