تصاعدت في الاونة الاخير حملة عربية اعلامية نشم منها رائحـة الاحكام المتسرعة، معادية لايران، وكانها تضع الدولة الجارة في مصاف العدو الاول للعالم العربي والتحدي الرئيسي الذي يواجهها في بداية القرن العشرين. ان هذا التسرع المنفعل يتنافى ومصالح العالم العربي الامنية والاقتصادية وبالتالي الجيو ـ سياسية.فمن الخطر استعداء ايران وحشرها بزاوية. وعادة ما ينطلق الموقف ولشديد الاسف من تصورات مذهبية ضيقة وضغونات تاريخية مدفونة، متناسيا ان الانظمة زائلة والدول والشعوب باقية، وان ايران جارة ترتبط بالعالم العربي بتاريخ عريق وثقافة مشتركة وانها اليوم قوة اقليمية تحسب لها القوى الفاعلة على الساحة الدولية الحساب. وان المسألة تتطلب من الجانب العربي رسم استراتيجية واضحة في التعاطي مع الجارة المسلمة والعمل على احتواء التوجهات السلبية التي قد تتبناها وتطوير التوجهات الايجابية هناك وجعل طهران شريكة مستديمة تقوم العلاقات معها على اساس الاحترام المتبادل والمساواة والعمل المشترك من اجل التنمية والتطوير وتوفير الحياة الكريمة لشعوب المنطقة واحترام حقوق الانسان فيها والعمل على تطوير التعاون مع طهران في القضايا المشتركة واحتواء الجوانب السلبية بطرق سياسية وشفافية.
هناك من يرى ان ايران دولة طامعة وتطمح الى مد نفوذها في العالم العربي وبالتالي الهيمنة عليه. ولا يكسلون بالمجيء، لدعم وجهة نظهرهم، بالكثير من الشواهد والامثال على ذلك. فهناك التعامل غير العادل مع الاقلية العربية في الاهواز، والتدخل الفظ في العراق، ودعم الحركات المتشددة التي تسبب الحرج للخط العربي في تسوية النزاع بالشرق الاوسط وبالتالي محاولة القيام بغزو مذهبها ـ الشيعي للدول السنية تقليديا او حتى التخطيط لتكوين تحالف او جبهة شيعية في مواجهة الاغلبية الاسلامية التي تعتنق المذهب السني بمختلف تياراته.
وتنظر بعض الدول العربية بعين الشك لبرنامج ايران النووي او تطوير برنامجها الصاروخي. وتتخوف ايضا من بناء ايران محطة كهروذرية على الخليج قد يسبب عطبها او انفجار مفاعلها النووي ذات يوم بكارثة لا تقل فداحة عن كارثة محطة تشيرنوبيل التي انفجرت في الثمانينات في اوكرانيا ولا تزال تداعياتها حتى يومنا الحاضر قائمة. وتعكس كل هذه الهواجس التاريخ العربي ـ الفارسي الذي لم تسوده الا في فترات قصيره روح الود والصداقة، الى جانب قضية احتلال الجزر الامارتية الثلاث وعدم ابداء طهران اية مؤشرات لحلول ولو وسطية وبالتالي ما تردد عن قول احد المسؤولين الايرانيين ان البحرين جزء من ايران( وزير الخارجية الايراني متكي اكد لنظيره البحراني احترام طهران لسيادة البحرين ـ وكالات انباء). وكأن الماضي كما اشار احد العظام جاثم في وعي الحاضر.
ولكن كل تلك الهواجس تنعدم لدى القوى الدولية الاخرى الغربية والشرقية. فثمة حاجة لايران. واعلنت الادارة الامريكية الجديدة بانها بصدد انتهاج سياسة جديدة ازاء ايران تقوم على الحوار وتفهم المصالح.
ولم تتحمس الدول الغربية لدعوات الادارة الامريكية السابقة بفرض المقاطعة التامة على ايران، وظلت شركاتها تعمل هناك وتتجار مع ايران، وتخطط لتوظيف استثمارات هناك. دعك عن الصين التي لها حضور منقطع النظير بايران وحتى اليابان التي عادة ما تصغي للنصائح وتأخذ بجدية مصالح الولايات المتحدة بتحركاتها، لم تهمش ايران ضمن اولوياتها.
وضربت روسيا بعرض الحائط كل المخاوف وانسحبت من اتفاق غور ـ تشيرنوميردين الشهير لتستأنف صادرات السلاح لايران في عام 2000 ولحد يومنا هذا، وترفض تشديد العقوبات عليها، وتواصل التعاون معها في مجال الطاقة النووية الحساس، وتستعجل لاستكمال أول محطة نووية بايران وتجري مباحثات لتصدير انواع جدية من وسائل الدفاعات الجوية، ولا تكف عن الترديد بان ايران شريك استراتيجي لها وستوظف نفوذها لكي تصبح كاملة العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون مع كل ما تجره من افرازات اقليمية. فروسيا تدرك الثقل الاقليمي اليوم لايران، وتراقب امتداد نفوذها في جمهوريات اسيا الوسطى وارمينيا، وتضع بالحسبان ان الغرب يود خطف ايران منها ووضعها في دائرة نفوذه وعليها عدم السماح بذلك.وحينما وضعت نظريتها للامن الجماعي في منطقة الخليج المطروحة على دول المنطقة، فاتها افردت لايران فيها دورا مميزا.
ان هناك بعض القوى معنية بتخريب العلاقات العربية ـ الايرانية بمجملها وتغليب الخلافات الثانونية على المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى، لان التفاهم العربي الايراني سيقلب موازين القوى ليست الاقليمية وحسب بل ويمكن ان يخلق فضاء يمهد لتفعيل التطور الشامل الذاتي اذا ما تعززت الثقة المتبادلة وجرى احترام المصالح وفرز المشتركة منها. ولا يمكن ان يتناسى العالم العربي ان يدرك ايضا ان ايران غدت دولة اقليمية ذات ثقل، بيدها العديد من مفاتيح الحل للكثير من المشاكل والازمات، وان تحويلها الى طرف عدو لن يصب في المصالح العربية. ان حشر بعض العرب لإيران في الزاوية واستعداء الدول الكبيرة ضدها قد يخلق اجواء غير طبيعية تمهد الطريق لاصطفاف جديد للقوى تكون ايران ليس لجانب الصف العربي ولا لمصلحته.
ان التطورات برهنت على ان النسق الاعلى في النخبة الحاكمة الإيرانية غير متجانس بل واحيانا متناقض في مواقفه. لذلك يمكن التعامل مع القوى الاكثر اعتدالا ووعيا بمتطلبات العصر. اضافة الى ان على الدول العربية المعنية البحث عن المجالات التي يمكن التعاون مع ايران فيها، لاسيما في المجالات الاقتصادية وتنفيذ المشاريع المشتركة وزيادة توظيف الاستثمارات وتوسيع التبادل الانساني والثقافي وتفعيل الدبلوماسية الشعبية، ان كل هذا سيخلق من العلاقات ما يكفل للدول العربية لاحتواء التوجهات السلبية الخارجة من بعض المصادر والجهات الايراينة، عن طريق الحوار والتفاهم وشفافية العلاقات وصراحتها، وبعكس ذلك فان فقدان العرب لايران والتعاطي معها كقوة عدوة او دفعها نحو ذلك، لن يصب في المصالح العربية عموما. ويتطلب اقامة علاقات طبيعية وودية لا تفرط بمصالح الجانب العربي. وتُعقد الامال على ان ايران ستتفهم دورها البناء في المنطقة، وترسم سياسات واقعية وناضجة لتعزيز اواصر حسن الجوار والثقة وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار وحل المشكلات حصرا بالطرق السياسية والدبلوماسية.