في إيران و حسب مبدأ نظام الملالي فان الأمور كلها قائمة على اللعب السياسية حيث اثبت هذا النظام طوال العقود الثلاثة من عمر جمهوريته المسماة جزافاً بالإسلامية lsquo; و من خلال المنهج والممارسةlsquo; ان السياسة فوق الدين بل انه كل ما في إيران من قيم اجتماعية ودينية قد تم تجيريها لمصلحة اللعب السياسية lsquo; وذلك وفق كلمة الخميني المعروفة quot; ديننا عين سياستنا و سياستنا عين ديننا quot; والذي قلد فيها كلمة المرجع الشيعي العراقي الراحل محمد حسين كاشف الغطاء (1294 ـ 1373هـ( صاحب الكلمة المشهورة quot; نحن قوم عبادتنا سياسة وسياستنا عبادة quot;lsquo; حيث أكد الخميني ان السياسة عنده مقدمة على جميع العبادات lsquo; وقد أورد ذلك صراحة في معرض شرحه لنظرية ولاية الفقيه من أن quot; تأسيس الحكومة و إدارتها واحدة من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية بما فيها أحكام الصلاة والصوم والحج quot;lsquo;. إلا ان أسلوب الدعاية الإعلامية للنظام الايراني lsquo;و الذي اعتمد فيها نظرية أقرانه النازيون في استخدام الإعلام كوسيلة لاستغفال الرأي العام وتلميع المظهر lsquo; قد غيب عن أنظار المتأثرين بالدعاية الإيرانية حقائق كثيرة حيث لم يكلف هؤلاء المغفلون أنفسهم عناء التحقق من مصداقية الشعارات الدعائية للنظام الايراني والتدقيق في الجمل التي تتردد في شعاراته وبياناته الثورية التي أدمن على أطلقها.


فعلى سبيل المثال نجد ان النظام الايراني الذي ينعت إسلامه المزعوم بالإسلام quot; المحمديquot; يصف صلاة الجمعة بأنها quot; عملاً سياسياً quot; وليس شأناً عباديا ً وجوبيا ً وذلك كون العقيدة الصّفوية لا تعتبر إقامة الجمعة فرضا واجباً lsquo; فعلى سبيل المثال أيضاlsquo; نجد ان مرجع الشيعة الأعلى quot; علي السيستاني quot; يرى ان حضور صلاة الجمعة واجب تخييري لايتعين على المكلف الحضور فيهاlsquo; ويقول ان الوجوب التعيني لابد ان يكون المنادي فيه الإمام المعصوم أو نائبه الخاص، مخالف بذلك الآية الكريمة quot; إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر اللهquot;lsquo; و ذلك مثل رأيه أيضا في صلاة العيدين والذي يرى فيه lsquo;quot; أن في العصر الحاضر صلاة العيدين ليست واجبة بل هي مستحبةً وهي واجبة في زمان الحضورquot;lsquo; أي حضور الإمام المهدي الغائب. ولهذا فقد عرّفت النظام الايراني إقامة صلاة الجمعة بأنها عمل سياسي وجعلها بمثابة مظاهرة أسبوعية تلقى فيها الخطب والشعارات التي تصب في خدمة مبدأ ولاية الفقيه ونظام الملالي.


وعلى الرغم من تركيز النظام الإيراني ظاهرياً على صلاة الجمعة وأقامتها في حرم جامعة طهران كأسلوب دعائي كما أسلفنا lsquo;إلا انه من جانب آخر قد أهمل الاعتناء بالمساجد التي أصبح الكثير منها شبه مهجورة بعد ما كانت قبل عهد الثورة أبوابها مفتوحة على مدار الساعة و كان المسجد أشبه بخلية نحل لا يخلو من العبّاد ابدأ lsquo; وكانت المساجد مراكز لانطلاق المظاهرات المعارضة لنظام الشاه. غير أنه و بعد ثلاثين عاما من قيام نظام الجمهورية الإسلامية فان اغلب المساجد لا تقام فيها الصلاة وذلك بسبب عزوف نسبة كبيرة من المجتمع الإيراني عن الدين. وهذا ما كان قد أكده الشيخ محسن كديور lsquo; ابرز رجال الدين المثقفين في إيران و أحد قادة التيار الوطني ndash; الدينيlsquo; قبل عامين تقريبا في خطبة له عن أوضاع المساجد في إيران lsquo; حيث أكد أن الأرقام الرسمية قد أظهرت أن سبعين في المائة من المساجد في طهران لا تفتح أبوابها لصلاة الصبح، و ان الكثير من المساجد أيضاء لاتقام فيها الصلوات الأخرى بشكل منتظم. مضيفا ان المساجد تحولت إلى شعب وفروع لمكتب مرشد الثورة علي خامنئي بحيث أصبح من العسير على من هو ليس في الخط الرسمي لتوجهات النظام أن يحصل على مسجد ليقيم فيه صلاة الجماعة أو العيد. مقارناً الأوضاع الحالية للمساجد في إيران بمرحلة ما قبل الثورة و التي على الرغم من الاضطهاد والاختناق الديني والسياسي الذي كان سائدا فيها فقد كانت المساجد عامرة وكان من السهل الحصول على جامع مستقل عن سياسة وهيمنة الحكومةlsquo;أما اليوم فأن ذلك من المستحيل حيث لا يمكن العثور على مسجد واحد يقع خارج هيمنة السلطة. ويمضي كديور متسائلا lsquo; هل الصلاة توجب الإخلال في نظام الدولة حتى تغلق الجوامع بوجه المصلين و لا يتم فتحها إلا بأمر من مكتب المرشد؟.


وقد جاء كلام الشيخ كديور داعما للتقارير والدراسات التي أظهرت مستوى انحطاط الحالة الاجتماعية والقيمية التي أصبحت عليها إيران بعد ثلاثين عاما من حكم الملالي الثيوقراطي حيث بلغ الانحطاط الأخلاقي درجة لم تعهدها إيران من قبل ولا يمكن مقارنتها بالأوضاع الاجتماعية والقيمية لأي دولة من دول الشرق أوسط lsquo; وذلك وفق ما جاء في التقارير التي تقدمها مراكز الدراسات الاجتماعية في إيران من خلال الأفلام الوثائقية والدراسات الميدانية عن حالات الإدمان على المخدرات و جرائم اللواط والزنا وجرائم القتل والسرقة lsquo; ناهيك عن حالة الأطفال المشردين في إيران lsquo;وان عدد الذين يعيشون بدون مأوى في شوارع طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أمريكا اللاتينية الأشد فقراlsquo; وعن كيفية استغلالهم من قبل عصابات المافيا التي يديرها أبناء ومقربين من كبار رجال السلطة. و يجري ذلك كله بسبب نفور المجتمع الإيراني من الدين الذي حوله نظام الملالي الى مجرد أداة للقهر والإذلال وسلب الحريات الشخصية وليس منهجا تربويا أخلاقيا يحمي المجتمع من التفكك الخلقي وينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق عهد مكتوب ( دستور ) يرتضيه الطرفان.


هذه الأوضاع المأسوية lsquo; التي حاول قادة نظام ملالي طهران التغطية عليها بالشعارات الثورية الحماسية التي تطرب المؤيدين له في خارج إيران و أكثرهم من المغفلين الذين يعيش اغلبهم حالة من اليأس و العقد النفسية و بعضهم الآخر ينطلق في دفاعه عن نظام طهران من اجل مصالح مادية lsquo; لا يمكن معالجتها عن طريق الشعارات أو الاستخدام السياسي للدين. فأي نظام إسلامي هذا الذي لم يستطع خلال ثلاثة عقود من الهيمنة المطلقة على السلطة من الحفاظ على القيم والتقاليد الأخلاقية لمجتمعه التي كانت سائدة قبل توليه الحكم في إيران lsquo; ناهيك عن عدم استطاعته بناء جيل واحد يتبنى القيم الإسلامية ويعمل على نشرها في بلاده دون ان يسيسها. فان دل هذا على شيء إنما يدل على ان النظام الإيراني ليس مؤمن بضرورة تطبيق القيم الإسلامية في المجتمع وذلك لتعارض الإسلام والقيم الدينية عامة مع نهجه وممارساته اللااخلاقية التي جعلت من الدين وسيلة سياسية عبّر الخميني عنها بصراحة عندما قال quot;ان دينا عين سياستنا quot; lsquo;فالسياسة الإيرانية كما هو معروف سياسة تجارية لا ثبات فيها وهي تكمن عندهم في المصلحة. وهل الدين مصلحة تجارية؟.

سؤال نوجهه للمتأسلمين على طريقة النظام الإيراني.


صباح الموسوي
كاتب احوازي