تابعت الأسبوع الماضي خبر quot;طرد الحكومة المغربية لخمسة مبشرينquot; فتبين من المصادر الإخبارية العالمية الموثوق بها أن الأمر لا يتعلق بمبشرين رجال و إنما بأربعة نساء اسبانيات و امرأة ألمانية، و بدا لي هذا سهوا في بادئ الأمر. لكن بعد مزيد من المتابعة و التمحيص تبين أيضا أن الأمر لا يتعلق بمبشرات بل بمجرد مؤمنات مسيحيات إحداهن متزوجة بمغربي، و سبق لها أن زارت المغرب مع زوجها أكثر من مرة، تعرفت خلالها على مسيحيات مغربيات. و رأت أن تصطحب معها هذه المرة بعض صديقاتها اللاتي تشاركنها نفس الإيمان. و بطبيعة الحال يوجد فرق كبير بين هؤلاء و quot;المبشراتquot; أو quot;الراهباتquot; اللاتي تكرسن حياتهن للدعوة، تماما كما لا نطلق لقب quot;داعية إسلاميquot; على أي شخص مسلم متدين يغتنم فرصة لقائه مع غير المسلمين للتعريف بالإسلام.
مع اشتمام رائحة الكذب في الخبر، واصلت تحرياتي فتأكد أن الأمر يتعلق بلقاءات عائلية بين الزائرات الاسبانيات و مسيحيات مغربيات تربطهن روابط صداقة قديمة بزوجة المغربي الاسبانية المنوه لها أعلاه، أقلهن اعتنقت المسيحية منذ 11 عاما، مما يعني انه لا وجود لعملية تبشير أو تنصير من الأساس، إذ أن هذه العملية تتوجه لغير المسيحيين و لا معنى للتبشير لمن هو مسيحي أصلا.
في رد الناطق الرسمي للحكومة المغربية على الخبر، أكد أن حرية العقيدة مصانة في البلاد لكن لا يسمح للأجانب quot;بحرية التبشير و التنصيرquot;، و هنا مربط الفرص، إذ لا معنى للحرية الدينية إطلاقا ما لم تتوفر للجميع ndash;بما فيه الأجانب- حرية التعريف و الدعوة لما يؤمنون به، و قبول أو رفض المواطن الحر للأفكار المتأتية من الخارج قرار يرجع للمواطن نفسه دون غيره. بطرد الأجنبيات في هذه الحالة تكون الحكومة المغربية قد انتهكت لا فقط حقوقهن بل أيضا حقوق المضيفات المغربيات اللاتي حضرن اللقاءات بمحض إرادتهن. في الدول الأوروبية، على سبيل المثال، يوجد مئات الآلاف من المغاربة الذين لا يتوانون عن التعريف بالإسلام و الدعوة له في لقاءاتهم مع الأوروبيين، و لم نسمع عن ترحيل احدهم نتيجة القيام بذلك، و لو حصل ذلك نستبعد أن ترحب به الحكومة المغربية على اعتبار مبدأ quot;لا يحق للأجانب دعوة مواطني الدول التي يقيمون فيها لدينهمquot;.
مع افتضاح الأمر كان لا بد من إيجاد المبررات، من بينها الخبر الذي نشرته صحيفة الحدث المغربية عن أن احد المطرودين (في الحقيقة احد المطرودات) quot;كان يسلم مبلغا ماليا لكل من يعتنق المسيحيةquot; و هو خبر كذبه لنفس الصحيفة احد المعنيين، و حتى لو صح هذا الخبر فهو quot;عذر أقبح من ذنب.quot;. الم تغدق الدول الشيوعية السابقة بالأموال و الإقامة في دولها للرفاق الشيوعيين؟ ألا تقوم الهيئات الدعوية الإسلامية بإنفاق ملايين بل مليارات الدولارات في الدول الأوروبية و غيرها لتمويل المدارس و المراكز الإسلامية؟
من أغرب ما قيل للتستر على هذه الحادثة quot; إن الأمر يتعلق بزعزعة إيمان المسلمينquot;، و سؤالنا هنا ألا يهدف الدعاة المسلمون لزعزعة إيمان غير المسلمين؟ و إلا كيف يتم إدخالهم إلى الإسلام و إيمانهم بدياناتهم السابقة لم يتزعزع بعد؟
الاسوا في تقديري من كل ما سبق إن مثل هذه الإجراءات لم تعد تنفع اليوم في عهد الانترنت و الفضائيات، فالحادثة وفرت دعاية للمسيحيات الاسبانيات تفوق أضعاف ما كان متوفرا لهن خلال لقاءاتهن المحدودة في المغرب. و سوف يكون من المستحيل على دولة المغرب المنفتحة بطبيعتها على ملايين السياح الأوروبيين أن تحول دون قيام بعضهم بنشر الأفكار التي يؤمنون بها سواء كانت دينية أو غيرها. و أملنا أن تؤدي هذه الفضيحة إلى مراجعة الطرق المتبعة في المغرب و باقي الدول العربية و الإسلامية بالإقرار بحرية التعبير التي لا يمكن أن تستثني الدعوة للأديان. أما الدفاع عن الإسلام و حماية المسلمين من المعتقدات الأخرى فلا يتم إلا بالإقناع و مقارعة الحجة بالحجة. استعمال القوة و الترهيب لم يعد مجديا في عالم اليوم، المسالة أصبحت بهذه البساطة.
أبو خولة
[email protected]
التعليقات