حينما كنت أتابع (احتفالات) السلطة الرسمية بالعاصمة بغداد قبل أسابيع وهي تقيمها بمناسبة ما أطلقت عليه (عودة السيادة ) للعراق بعد أكثر من ست سنوات ثقيلة ومزرية على العراق والعراقيين منذ العدوان الأمريكي والدولي في 20/3/2003 وإنهاء الدولة الوطنية العراقية ولحد يومنا هذا، لا أدري لم تصدرفي واجهة في ذاكرتي الكتاب المعروف الذي ألفه ونشره الدكتور كنعان مكية في ثمانينات القرن الماضي وكان بعنوان (جمهورية الخوف) واعتمد مكية اسما مستعارا له ليضعه على الكتاب خشية من صدام حسين ونظامه ببغداد وكان ذلك الاسم هو (سمير الخليل) !!هذا في الوقت ذاته كان كنعان قد استقر في أمريكا وحصل على الجنسية الأمريكية عاملا في احدى جامعاتها كمدرس إضافة لإرتباطه في أكثر من معهد بحوث ودراسات ومعلومات وبالمختصر مما توفره أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية من غطاءآت وواجهات مقبولة وتوحي بالثقة لمن يتابع نشاطات أصحابها!!


لربما ربطت ذلك الكتاب (جمهورية الخوف) مع إمكانيات مكية الكتابية وراهنت مع نفسي بأنه قد ينوي اصدار كتاب أو مقالة وما شاكل عن حدث الإنسحاب الذي تم قبل أيام ليؤشر وب(أمانة ) المؤلف والكاتب (الرصين) عن وصف جورج بوش وعهده في الإدارة الأمريكية وكيف حولها في كل المقاييس والممارسات الى (جمهورية الكذب) وأكثر من هذا ليمتد ويؤسس في العراق وبإختياره وإدارته لزمرة من العتاة ويسلمهم سلطة الوضع الراهن ببغداد المحتلة،أن الذاكرة الشخصية والإنسانية لا زالت والحمد لله طرية وفعالة،حينما جرى احتفال مطنطن ببغداد يوم 28/6/2004 وبوجود الحاكم الأمريكي للعراق السييء الصيت (بول بريمر) وحينما سلم وبالتلفزيون ورقة لا ندري ما كانت محتوياتها الى أياد علاوي الذي اسموه رئيس وزراء تلك الفترة بعدها غادر بريمر العراق الى غير رجعة وقد اختار لعلاوي الوزراء لمجلسه ذاك وأجرى تعيينهم حالهم من حال رئيسهم!!

وسميت تلك الكذبة وقتها ب(عودة السيادة) للعراق والعراقيين لذا يحق لكل عراقي وطني يهمه العراق وشعبه بأن يسال سؤالا مشروعا ومباشرا فيما إذا كان ما حدث قبل أسابيع في يوم الثلاثاء 30/حزيران/2009 هو مثل أخيه السابق الذي حصل يوم الأثنين 28/حزيران/ 2004!!؟وقد يجيب أحدهم بأن (كل) المعطيات قد تبدلت وتغيرت من خلال السنوات الخمس الماضية سواء بإمكانات السلطة ببغداد أو تخلص البيت الأبيض في واشنطن من طاقم (جمهورية الكذب ) الذي غادر ذلك البيت مع خروج جورج بوش وطاقمه بعد فشلهم المدوي في الإنتخابات الأمريكية التي أوصلت الرئيس الحالي باراك أوباما للبيت الأبيض الأمريكي..


ولكي يعرف المرء موضوعيا ما حل بالعراق وأهله خلال تلك السنوات حيث ما زال خط التردي والتراجعات والإنهيارات متواصل فليذهب الى أي مركز بحثي أو إحصائي محترم في أمريكا أو أوربا الغربية ويحصل على الأرقام الإحصائية مما تتناول الشأن العراقي في أي نشاط إنساني ثقافي تعليمي أم خدمي ويبحث من خلالها الهدر والسرقات التي تتعرض لها الأموال العراقية على أيدي عصابات المافيا المحلية من أحزاب السلطة العميلة المركبة بثلاثية أمريكا إسرائيل وإيران !! أم على أيدي العصابات الأمريكية والأجنبية الأخرى التي وفدت الى العراق مع الغزاة المحتلين تحت مختلف الأغطية واللافتات والتي أبرزها هي لافتات الشركات الأمنية فسوف يستدل مباشرة على كذبة (التحرير ونعمه) التي جاءت مع الإحتلال البغيض الذي لا زال جاثما على صدر الأحرارمن أبناء الشعب العراقي المقاومين له بما يتيسر لهم من إمكانات مادية ومعنوية..وبنظرة مراجعة سريعة ومن خلال الوثائق والبيانات والإحصاءآت الدولية المحايدة تنفضح كذبة شريرة أخرى ركبت على رأس العراقيين ألا وهي كذبة (الديمقراطية) مع وجود عشرات الآلاف من العراقيين خلف القضبان لسجون الإحتلال في العراق وسجون الوضع العميل الراهن الرسمية منها والسرية ومن خلال الديمقراطية والإنفتاح جرت وتجري أكبر عمليات النهب الأسطوري للمال العام والثروة الوطنية بداية من النفط العراقي وليس إنتهاءا بالآثار العراقية الخالدة والى كل ما موجود على وفي أرض العراق وانعكس هذا على زمر المستفيدين الذين طفحت ثرواتهم وعقاراتهم خارج العراق سواء في لندن أو عمان أم إمارات ومشيخات الخليج العربي وحتى إيران!


هناك مفردتان بارزتان تاجر فيهما النظام الراهن ببغداد طيلة سنوات الإحتلال السوداء الست الماضية، هاتان المفردتان هما اعمار العراق والمصالحة الوطنية، بالنسية للأولى فقد عقدت مؤتمرات واسعة في العراق والمنطقة وأوربا شاركت فيها عشرات الدول عربية وأجنبية مع ذلك سمعنا كما يقول المثل الشائع (سمعنا طحنا ولم نر طحينا ) وها هو نوري المالكي يعلن من جديد أثناء زيارته الحالية للعاصمة الأمريكية واشنطن،عن مؤتمر آخر لإعمار العراق قال بأنه سيعقد في شهر تشرين الأول القادم،هذا في الوقت الذي تجري فيه عمليات السطو على ثروات العراق وخصوصا النفطية منها من خلال ما ينتهجه وزير النفط حسين الشهرستاني من سياسات مدمرة للنفط العراقي في حاضره ومستقبله وبشهادات مباشرة ومعلنة من خبراء نفطيين عراقيين وعلى مستوى دولي رفيع في هذا لمجال الحيوي.. ويجد الشهرستاني كامل الدعم والحماية من المالكي الذي يعرقل حتى استجواب الوزير من قبل برلمان العراق المحتل !!.وهناك من يقول ويؤكد بأن المدعو عبد الفلاح السوداني -وزير تجارة المالكي السابق ndash; والذي هرب من العراق وأرجع الى بغداد وهو في الجو بالطائرة بناء على أمر قضائي وأطلق المالكي سراحه بكفالة ومنع من السفر الى خارج العراق، قد شوهد مؤخرا في شوارع لندن طليقا يستمتع بحريته ويتنعم بما جادت عليه المقادير لبقية حياته (المؤمنة والزاهدة!!).


ومفردة المصالحة الوطنية التي تغنى ويتغنى النظام على أنغام عزفها، وهدفه المباشر تزوير الوقائع على الأرض وتحويلها للوجهات التي تخدم استمراره في حكم العراق تحت لافتة الديمقراطية المزيفة،نجد كيف أن نوري المالكي قد استفز وأدلى بإجابات منفعلة في المؤتمر الصحفي الذي عقد في واشنطن خلال زيارته الأخيرة رافضا ما سمي بالإجتماع الأمريكي مع بعض الفصائل العراقية المقاومة وبوساطة تركية متعللا بما يحلو له من تسمية (عدم التدخل بالشأن الداخلي العراقي).. من قبل الأمريكان المحتلين مع قواتهم الجاثمة على أرض العراق كاملة!! بما فيه منطقة الجيب الإنعزالي الكردي في قاطعي البرزاني والطالباني !!

والمالكي يدرك قبل غيره مدى خيبة الأمل التي تلف الأمريكان الآن بعد إنهائهم لوضع العراق السياسي والقانوني الدولي في 9/4/2003،وفرض بدائل غير حقيقية على الواقع العراقي على أساس تقسيمه العرقي والطائفي وقد تبين لهم وبالملموس المادي بأن تحالفهم مع المجموعات التي نصبوها في حكم العراق لم يضمن لهم الولاءآت التي كانوا يحلمون بها أو ينشدوها فالجيب الإنعزالي المغامر مشغول بما استحوذ عليه من مكاسب مشروعة وغير مشروعة على حساب الدولة العراقية ويسعى الى تفتيتها وشرذمتها طمعا في تثبيت احلامه الذاتية،ومن أرتضى العلاقات مع الجار الإيراني على مستوى التبعية والعمالة له منذ أيام الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي فهو لا زال مستمرا على ذلك النهج رغم جلوسه على سدة الحكم العراقي وبخوازيق أمريكية!!،لذا فأي حديث حقيقي عن المصالحة العراقية واستحقاقاتها وشروط نجاحها ودوامها لن يدخل في آجندة الحكم العميل ببغداد إلا بشرط واحد ألا وهو أن تكون جزءا وركنا في بناء هيكل الكذب والدجل الذي يلف العراق الحالي.

إسماعيل القادري

لنــدن

E mail: [email protected]