رغم وجود إتفاق مسبق بتداول رئاسة حكومة إقليم كردستان بين الحزبين الحاكمين في كردستان الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، ورغم تجديد الحزبين لتحالفهما الإٍستراتيجي،وما تسربت من أنباء داخل التركيبة القيادية للإتحاد الوطني بأن الحكومة الإقليمية القادمة سيقودها الإتحاد الوطني خلال السنوات الأربع المقبلة بعد تأكد فوز القائمة الكردستانية بأغلبية مقاعد البرلمان القادم، ولكن هناك شائعات تدور حول إبقاء رئاسة الحكومة القادمة بعهدة الديمقراطي الكردستاني.

وكان الحزبان قد وقعا إتفاقا عام 2005 يقضي بإنتقال رئاسة حكومة الإقليم الى الإتحاد الوطني قبل عامين، ولكن طالباني تكرم بإبقائها بعهدة نيجيرفان بارزاني بحجة أنه لم يستكمل برنامجه الحكومي، وأنه بحاجة الى المزيد من الوقت لإستكماله، لذلك فإن الإتحاد الوطني يتنازل عن هذا الإٍستحقاق لصالح الديمقراطي الكردستاني، ولكن رغم ذلك فقد عجز بارزاني عن إستكمال ذلك البرنامج، وبقي الكثير من إلتزاماته من دون تنفيذ، خصوصا لجهة محاربة الفساد وتشكيل هيئة النزاهة ومعالجة الأزمات الطاحنة التي واجهت المواطن الكردي من مشكلة الكهرباء والسكن والغلاء والوقود وغيرها من الأزمات المعيشية التي تحسنت بعضها ولكن لم تتم معالجتها بصورة جذرية لحد الآن.

ويعلل البعض من مروجي تلك الشائعات أسباب التراجع عن إتفاق تداول السلطة بين الحزبين الى النتائج التي تمخضت عنها الإنتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.

فهناك من يشير الى أن الديمقراطي يأخذ على حليفه الوطني قلة الأصوات التي حصلت عليها قائمتهما المشتركة في الإنتخابات البرلمانية في المعقل التقليدي للإتحاد الوطني وهو محافظة السليمانية، بل أن هناك من يتحدث عن النسب المتدنية للأصوات التي حصل عليها بارزاني كمرشح لرئاسة الإقليم في نفس تلك المحافظة، رغم أن طالباني قاد بنفسه الحملة الدعائية لصالح ترشيح بارزاني وكرس جل جهود حزبه لذلك، ويعلل هؤلاء أسباب تدني نسب التصويت لصالح بارزاني الى إمتناع أنصار ومؤيدي الإتحاد الوطني عن التصويت لصالحه، ودعم منافسه الرئيسي الدكتور كمال ميراودلي، وبناءا على ذلك هناك حديث بأن الديمقراطي الكردستاني وكرد فعل على ذلك ينوي الإستئثار بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية من حصة التحالف البالغة 59 مقعدا على حساب الإتحاد الوطني، رغم أن بارزاني أكد مرارا أثناء الحملة الإنتخابية أن تحالفه الإستراتيجي مع الإتحاد الوطني لن يتأثر بظهور قائمة التغيير حتى لو نجحت في إستقطاب نسبا من حصة الإتحاد الوطني، وأن الحزبان سيخوضان الإنتخابات البرلمانية بقائمة موحدة وسيتقاسمان المقاعد والمناصب بشكل متوازن.

قبل يومين من إنتهاء الحملة الدعائية للإنتخابات أعلن الرئيس طالباني أن رئاسة الحكومة الإقليمية القادمة ستنتقل الى الإتحاد الوطني، وأن المرشح لها هو برهم صالح..

ورغم أن اللجنة القيادية للإتحاد الوطني قد سبقت طالباني، وقررت قبل ذلك بوقت طويل في آخر إجتماعاتها ترشيح صالح لرئاسة الحكومة القادمة، ولكن إعلان طالباني عن ذلك كان بمثابة مصادقة رسمية لترشيح برهم الذي أصبح ملزما، بإعتبارطالباني الأمين العام للحزب هو أعلى مصدر للقرار داخل الإتحاد الوطني.

في مساء متأخر من يوم مصادقة طالباني على ترشيح برهم لرئاسة الحكومة كان لي لقاء بأحد قادة الإتحاد الوطني، فأبلغته بأن إعلان طالباني إنتقال الحكومة الإقليمية الى الإتحاد الوطني وترشيح برهم لرئاستها سيلزم الإتحاد الوطني بعدم التنازل عن رئاسة الحكومة القادمة تحت أي ظرف كان، لأنه تحول من مجرد إتفاق ثنائي بين حزبه والديمقراطي الكردستاني لتداول السلطة، الى تعهد إنتخابي. بمعنى أنه في حال عدم الإيفاء بهذا التعهد فسيكون الأمر مجرد دعاية إنتخابية ستنقلب بنتائجها الخطيرة على الإتحاد الوطني.


فالناخبون الذين سيتوجهون الى صناديق الإقتراع بعد يومين قد يكون بينهم من يصوت لأجل إنتقال السلطة من الديمقراطي الى الإتحاد الوطني، وقد يكون بينهم أيضا من سيصوت بوجه خاص لصالح القائمة الكردستانية على إعتبار أن برهم سيكون رئيسا للحكومة القادمة على أمل حدوث تغييرعلى مستوى حكومة الإقليم، وفي حال تنازل الإتحاد الوطني عن إستحقاقه في رئاسة الحكومة فإن ذلك سيكون بمثابة خداع للناخب، وإعطائه أملا مزيفا، مما سيزعزع من ثقة المواطن الكردي بالإتحاد الوطني.

والحال أن مسألة رئاسة الحكومة لم تحسم بعد على الرغم من الإتفاق المسبق بشأنها، ولكن هناك من يخشى من المفاجئات غير السارة، قد تكون مفاجئات اللحظة الأخيرة، خصوصا وأنه من غير المستبعد أن يلجأ بارزاني مرة أخرى الى عقد صفقة سياسية مع طالباني بشأن دعمه للحصول على ولاية ثانية لرئاسة العراق مقابل الإبقاء على حكومة الإقليم تحت يد حزبه، ولكني أعتقد جازما بأن الإتحاد الوطني في حال تنازله مرة أخرى عن رئاسة الحكومة الإقليمية سيضيع على نفسه آخر فرصة لإستعادة شعبيته المتزعزعة أساسا، وسأوجز هنا أسباب حاجة الإتحاد الوطني الى تسلم رئاسة الحكومة:

1- أن هناك حاجة ملحة للتغيير الذي أصبح مطلبا شعبيا خلال الإنتخابات الأخيرة، وأن إستمرار الديمقراطي الكردستاني في إدارة الحكومة منذ 12 عاما متواصلة أصاب الوضع السياسي بركود واضح، وأن التحالف الإٍستراتيجي بين الحزبين منذ عام 2005 ساهم في إغراق الإقليم بحالة فظيعة من الفساد في ظل غياب المعارضة والرقابة، وأصبحت هناك حاجة ملحة لتحريك الوضع السياسي، بعد ثبوت سوء إدارة الحكومة الإقليمية السابقة، وفشلها في تلبية المطالب الشعبية ومعالجة أزماتها الطاحنة وغرق الإقليم في الفسادين الإداري والمالي.

2- بالمقابل هناك ضغوطات هائلة من قواعد الإتحاد الوطني للتمسك بهذا الإستحقاق لرئاسة الحكومة، خصوصا وأن الديمقراطي الكردستاني يتعامل بفوقية واضحة مع قواعد وكوادر الإتحاد الوطني في المناطق الخاضعة لسيطرته، فحتى التعيينات في وظائف الحكومة والمناصب في تلك المناطق أصبحت محصورة بشكل أساس بأنصار الديمقراطي على حساب الحزب الحليف له.

3- أهملت إدارة الإتحاد الوطني السابقة في حكومة الإقليم مدينة السليمانية بشكل كامل، وإستفردت تلك الإدارة الفاسدة بالميزانية المخصصة لمنطقة نفوذ الإتحاد الوطني على حساب المشاريع الخدمية والإنمائية،ولم تقدم شيئا للمحافظة مقارنة بالتقدم العمراني في مناطق نفوذ الديمقراطي خصوصا مدينة أربيل، ما أدى الى ذلك الغضب الشعبي المنفلت في الإنتخابات الأخيرة وأذهبت أصوات ناخبي المحافظة وجلهم من أنصار ومؤيدي الإتحاد الوطني الى القوى المعارضة الناشئة، ولكي يستعيد الإتحاد الوطني ثقة جماهير السليمانية به، فهو بحاجة الى تدارك وضعه من خلال قيادة حملة حكومية واسعة لتعويض المحافظة عن سنوات الحرمان، وهذه الحملة لن تتحقق في ظل وجود الديمقراطي الكردستاني على رأس السلطة في كردستان، فقد أظهرت السنوات الماضية الفرق الشاسع لمشاريع الإعمار والتنمية في مناطق نفوذ الحزبين، وكما هو معروف فأن الحزب الحاكم عادة يعمل من أجل مصلحته الشخصية أكثر من مصلحة الجماهير.

4- إن العملية الديمقراطية لن تستقيم في ظل إحتكار السلطة من قبل لون واحد، وأن تلك العملية بحاجة الى تغيير حقيقي أصبح كما قلت آنفا مطلبا شعبيا واسعا وملحا،وأن إبقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي الى نفور أكبر من سلطة الحزبين، وسيعظم بالتالي من الدعم الجماهيري لصالح قوى التغيير التي ظهرت مؤخرا، عندها سيصعب على الحزبين في الإنتخابات المقبلة وما أكثرها من الحصول مجددا على دعم وتعاطف الناخب الكردي مما سيجعل التغيير عندها أمرا حتميا رغم أنف الحزبين الحاكمين، فهل سيصر الحزبان على مواقفهما في إهمال المطالب الشعبية الملحة، أم أنهما سيمسكان بزمام المبادرة لإجراء التغيير المنشود، ذلك ما ستنبئنا به الأيام القادمة، فلننتظر إذن.

شيرزاد شيخاني

[email protected]