لا تحتاج الفنانة القديرة يسرا الى تقديم، فأعمالها السينمائية ومسلسلاتها التلفزيونية تشهد على حجم الزخم الإبداعي الذي تتوفر عليه. فخلال تجربتها الفنية التي تمتد منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، وحتى الآن اشتركت يسرا في عدد كبير من الأفلام والمسلسلات المهمة التي بقيت راسخة في ذاكرة جمهورها العربي العريض نذكر منها quot;طيور الظلام، حدّوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان، عمارة يعقوبيانquot; وغيرها من التحف الفنية. ولا بد من الاشارة الى أبرز مسلسلاتها مثل quot;أين قلبي، لحظات حرجة وفي أيدٍ أمينةquot;. وفي الآتي نص الحوار المثير.
القاهرة: الحوار مع يسرا ممتع ولكنه شاق. ممتع لأنك تجلس إلى جوار نجمة إختارت لغة البساطة، والعفوية، فهي لا تعرف كيفيّة تزييف الحقائق، ولا الخداع. وشاق لأنها قبل أن تمنحك ما في قلبها لا بدّ منان تثق بك أولاً! لذلك لم أندهش عندما التقت بي يسرا من دون ماكياج، فكل لقاءاتي معها كانت على الدرجة نفسها من البساطة. يسرا تمنح السعادة لجمهورها، فيما تتعذب هي.. تكتوي بألسنة نيران النقد القاسية، وتتألم من وقع سياط الشائعات والأكاذيب،حاولت أن أكون معها طبيبًا نفسانيًّا، يسمع كثيرًا، ويعلق قليلاً، يلقي لها بمفاتيح الكلام، ثم يتركها تفرغ ما في قلبها. دعونا نبادرها بالسؤال التالي:
عتاب
*من خلال متابعتي لك عن قرب، أشعر أن هناك نبرة ألم، ومسحة حزن، تكسو ملامحك.. على الرغم من النجاح وحب الناس الذي حصدته من رصيدك لدى جمهورك؟
-بعد شهيق وزفير عميقين قالت: هي ليست مرارة ولم تصل إلى حد الألم، ولكنه إن شئت quot;عتابquot; تجاه ناس كنت أحبهم، ومن تحبه يكون له عندك حق العتاب، لكن هناك ناسًا أخرى، رأيهم لا يفرق معي!.
عقد الفُل
*هل تقصدين النقاد؟ وهل زادت نبرة النقد عن حدودها؟
-نعم، ولكن هذا لم يحدث إلا من فئة محدودة ومعروفة، ومعروف لمصلحة من تكتب وتتكلم، لكن ما زالت الغالبية معي، ممن أحترمهم، وأحترمك حيادهم، وشفافيتهم. مثلاً فرحت بما كتبه ناقدنا الكبير رفيق الصبان، والناقد الكبير أحمد صالح، و الناقدة الجميلة إيريس نظمي، حتى وإن اختلفت معي في بعض الأمور، كذلك الأستاذ مجدي عبد العزيز. كل هؤلاء كلماتهم تطوق عنقي، مثل عِقد من الفُل المُعطر.. أريد أن أقول أنني لم أشق بالنقد، ولم أكفر بالنقاد، ولكن المشكلة تكمن في المدَّعين. فما يغضبني أن هناك من يحسبون على النقد، كل هدفهم التشويش على يسرا، وإفساد أي عمل تقوم به، فتبدأ سمومهم قبل أن يتابعوا العمل، ويفهموه، فإذا كان مسلسلاً لـ ..يسرا، هاجموه من الحلقة الأولى، وهم يركزون على صغائر الأمور، ويسعون لتجريحي، وتشويه صورتي أمام جمهوري.
أصول النقد
*عفوًا يسرا، هذا يحدث معك منذ سنوات، ولكنك كنت تلتزمين الصمت، ولم ألمحك يوماً تجهرين بالشكوى؟
-كنت ألتزم الصمت، لأني حسنة النية، وطالما قلت لنفسي، ربما يكون هذا التجريح من دون قصد، أو أنهم سيعودون إلى الحق، ولكن ما أراه الآن هوquot;شتائمquot;، تخرج عن أصول النقد، بل عن أصول الذوق واحترام جُهد فنانة أعطت عمرها لفنها. والريب أنهم يجادلون في حقائق مثبتة وموثقة، فمثلاً العام الماضي عندما قدمت مسلسلquot;في إيد أمينةquot; ، خرجوا ليقولوا للناس، أننا ليس عندنا إتجار بالشر، الآن هناك أحكام قضائية بالسجن 10 سنوات، على مجرمين اتجروا بالأطفال بعد سرقتهم من المستشفيات، هؤلاء يغالطون في الحقائق كيداً في يسرا! هم لم يفهموا أننا قصدنا في مسلسل quot;قضية رأي عامquot; أن يكون صادمًا، لأن موضوعه كان quot;تابلوهquot; لابد من تحطيمه، وما قلناه من الاغتصاب، فإن الحكم نفسه الذي صدر في المسلسل، قد حدث على أرض الواقع من قاض شريف تجاه مجرمين اغتصبوا سيدة من محافظة كفر الشيخ، في دلتا مصر، إذًا نحن لمسنا قضايا مهمة تهم المجتمع المصري والعربي، فتركوا هذه القضايا وتكلموا عن ملابسي!.
العنف ضد المرأة
*فوجئ المتابعون بأن قضية أطفال الشوارع التي تبنيتها في مسلسل quot;في إيدٍ أمينةquot;، تكررت بتشابه، في مسلسل زميلتك النجمة quot;ليلى علويquot;.
-إن شاء الله ينعاد 200 مرة، لكن سيتذكر الجميع، أنني أول من طرحته، وأخرجته من quot;القمقم، نحن فتحنا القضية، لنتحاشى وجودها كالسوس الذي ينخر في عظام المجتمع، وأهلاً بكل من يريد أن يساعد، ويمد يده، وقد ساعدني فيه المجلس القومي للأمومة والطفولة، الذي أمدنا بكل الوثائق التي نحتاج إليها من كل الزوايا: من الاتجار بالبشر، إلى عمالة الأطفال، إلى تجارة الأعضاء، إلى زواج الفتاة القاصر، والعنف ضد المرأة.
*هل تشعرين أن هناك مؤامرةquot; ضد يسرا؟
-لا .. أستبعد وصف مؤامرة، لا لشئ، إلا لكون خصوميquot;أصغرquot; من أن يحيكوا مؤامرة ضدي.. هم جالسون على مقاعد أكبر من حجمهم، وكل ما أزعجني هو هذا الكم من الشر الذي يضمرونه ضدي.
لست ضعيفة
*هل تجاوزت الحملة فن يسرا، واتجهت صوب quot;شخصهاquot;؟
-بالنفي القاطع أجابت، وقالت: إنني لم أعطِ أحدًا الفرصة، لتعكير صفوي، والتأثير على معنوياتي، أكون قد منحتهم الفرصة لإفساد حياتي.. وهذا لن يحدث، لأنني لست بالضعيفة في مواجهة من يمسني بسوء، وإن كنت كثيرًا ما أتسامح، و quot;أعمل نفسي مش واخدة بالي علشان الحياة تمشىquot; ، ولكن على من يتصور أنني ضعيفة أقول له: إنت غلطانquot;.
*هل هذا الكلام ينطبق على ما كتب، حول فيلم quot;بوبوسquot; المعروض حاليًا، وأنك قمت بدور لا يناسب عمرك؟
-ولماذا لم يقل أحد ذلك لـ quot;كلينت ستودquot; و quot;ماريل ستريبquot; ، لماذا لا يشاهدون سينما هوليوود، أيضًا هم يطالبوننا دومًا بأن نغير من جلودنا، وعندما نغير، يبدأ الهجوم! مثلاً كثيرًا ما كتبوا أنني أسعى للأدوار المثالية، طيب هنا أنا نصابة.
فريق متجانس
*هناك من يتهم يسرا بالدكتاتورية، وسيطرتها على مجريات الأمور، بدءًا من quot;الورقquot; وانتهاء بـ quot;الكاستquot; أو فريق العمل؟
-لابد من أن اختار الورق الذي يناسبني، ويحمل المضمون الذي أحب أن أناقشه، والذي أقدم من خلاله شيئًا مختلف عن سابقيه، وأيضا أحب أن أعمل مع فريق متجانس، مريح، فإذا كان ذلك ديكتاتورية، فأهلاً بها. ولكن إذا كنت شخصًا منصفًا، وتتمتع بمصداقية، فأسأل من أعمل معهم، ليخبروك كم أنا متفهمة، وأستمع إلى كل وجهات النظر.
*وما هو أجمل رد فعل تلقيتيه، على مسلسلك quot; خاص جدًاquot;؟
-ثلاثة أرباع النساء اللاتي قابلتهن، قلن لي إن جزءًا مما قدمته في المسلسل قد وقع لهم، وجميعهم أجمعن على جملة quot; الفينالةquot; التي تقول إن أجمل حب هو ما لم يأتِ بعد، وأن أروع أيامنا هى التي لم نعشها بعد. أردنا أن نقدم لهن الأمل في الغد، وأن الحب ليس له عمر محدد، ولا توقيت.
*ومَنْ أفضل من كتب عن يسرا؟
-كثيرون جدًا، وأنحني أمام كلماتهم، وقاماتهم، هناك رفيق الصبان، خيري شلبي، أحمد صالح، مجدي عبد العزيز، أنيس منصور، أحمد بهجت، أحمد رجب، صلاح جاهين.. لقد أشاد بي أعظم النقاد والكتاب، وهم لهم فضل عظيم في وجودي حتى اليوم، وهم لهم فضل تكوين شخصيتي الفنية والفكرية.
مشاعر ملونة
*لمن تدينين بالفضل في نجاحك؟
-ليس هناك شخص واحد، عملت معه، لم يفدني، سواء أكان مخرجًا ، مصورًا، زميلاً، زميلة، أستاذة تكبرني بالخبرة، لم أتعلم منهم شيئًا، وإلا كنت ناقصة العقل والذكاء. لن أنسى أبدًا نصائح العمالقة: يوسف شاهين، صلاح جاهين، سامي السلاموني، كمال الملاخ، مدير التصوير عبد الحليم نصر، على بدرخان، هنري بكرات، حلمي رفلة.. هؤلاء quot; نحتوا شخصيتي وعقلي. الناقدة حُسن شاه قالت: ابتسامة واحدة من يسرا لا تكفي، أنيس منصور قال: الوجه العالمي يسرا، الناقد والكاتب الكبير أحمد بهجت كتب يقول: إن صوت يسرا جذبني، ولما انتبهت وجدته صوتًا بإحساس بأداء بمشاعر ملونة وحزن صادق فياض أجبرتني على متابعتها، أيضًا هناك عشرات من عبارات الاستحسان من الكاتب الكبير مفيد فوزي.
عباءة عادل إمام
*قلت أن عادل إمام quot; شايل السينما المصرية منذ 40 عامًا حتى الآنquot;.. هل كنت تبعثين برسالة إلى أحد؟
(ما أن نطقت اسم عادل إمام، حتى ظهر اسمه على شاشة هاتف يسرا في صدفة غريبة ومثيرة).
-أنا لا أعتقد إن ما قلته عن عادل يغضب أحدًا، لأن جميع الموجودين على الساحة، خرجوا من عباءة عادل إمام، والجميع يحبه ويحترمه، وأكرر وأؤكد على مقولتي لما لهذا الفنان من مواقف تدعو لاحترامه، ومشواره غاية في الثراء. وأنت إذا سافرت أي بلد عربي، تجد أبناء هذا البلد من الأشقاء يقولون لك: سلم لي على عادل إمام، هو ظاهرة لن تتكرر.
quot;واحشين الناسquot;
*هل لما سبق وافقت على العمل في فيلم quot;بوبوسquot; من دون قراءة السيناريو؟
-لا، هذه شائعة سخيفة، بل قرأت الورق، ولكن يمكن أن أفعل هذا مع عادل تحديدًا، لأني أعلم أنه لن يرضى أن أعمل معه في فيلم غير مناسب، لأنه هو يختار من بين عشرات الأعمال، الأكثر جودة، وهو بنفسه قال لي: اقرئي وقولي لي ملاحظاتكquot;. هذا الفيلم سبب فرحتي به، هو رجوع ثنائي عادل ويسرا، لأننا كناquot; واحشين الناسquot;.
تقلص الموسم السينمائي
*هل أمامك مشروع سينمائي جديد؟
-هناك مشاريع، وليس مشروع واحد.. ولكن حتى الآن لم أستقر على العمل الذي أبدأ به، ولكن مشكلة السينما الآن أن الموسم السينمائي تقلص جدًا، فشهر رمضان بمسلسلاته الغزيرة، اخترقت الصيف، ثم هناك المدارس التي تلي شهر رمضان مباشرة، وهذا انسحب على المسرح أيضاً الذي يكاد أن يختفي!
*هل من بين مشاريعك عمل جديد مع عادل إمام؟
-أتمنى أن أكون كل يوم مع عادل.
*قلت لي في لقاء سابق أنك مشتاقة إلى المسرح.. ولكن لا شيء حتى الآن؟
-هو فين المسرح، المسرح الآن أصبح مكلف جدًا إنتاجيًا، ولذلك ارتفع سعر التذكرة، مما دعا الأسر المتوسطة إلى الإحجام عن ارتياد المسرح.
علاقة رائعة
*وقالوا أن خلافًا نشب بينك وبين شقيق زوجك النجم هشام سليم؟
-لم يحدث على الإطلاق، هذه تكهنات و quot;فبركةquot; صحافية، إذا عملنا معًا عمل فني، يقولون: يسرا فرضت هشام، وكأنه ليس له رأي ولا اختيار، وإذا لم نعمل معًا، قالوا إن هناك خلافًا.. لكني أقولها بوضوح: quot;ما ينفعش أختلف مع هشامquot;، فاحترامي له كبير، ولن ينجح أحد في إفساد العلاقة الرائعة فيما بيننا.
مُحارِبة شجاعة
*يسرا.. هل دفعتها الضغوط يومًا إلى زيارة العيادة النفسية؟
-نعم، حدث هذا لمرة واحدة، فقد حدث منذ سنوات أن وجدت وزني نزل إلى 45 كيلوغرامًا، وquot;اتخضيتquot; وساورتني الشكوك حول وجود مرض بدني،وزرت طبيبًا متخصصًا، فنصحني بزيارة طبيبة نفسية حددها لي، وهي في إحدى الولايات المتحدة الأميركية، كان ذلك في عام 1982 في ولاية هيوستن، وقالت لي أنني أحتاج إلى جلسة معرفية مدتها ساعة، لأحكي لها كل ما أحب أن أحكيه، فوجدتني أستغرق نحو 4 ساعات من دون انقطاع. قلت كل شيء، وكان تعليقها لي أن قالت: أنت محاربة شجاعة، لأنك تتحملين مالا يتحمله البشر، أنت الآن لا تحتاجين علاجًا، فقط كنت تحتاجين إلى إفراغ ما في ذاكرتك من آلام.
*هل قلت لها ذكرياتك مع والدك الذي كان يعاملك بمنتهى القسوة، حتى أنه كان يمزق شهادات تفوقك المدرسية، نكاية في والدتك؟
-رحمه الله، لقد قلت للطبيبة النفسية كل تاريخي، وبكيت كثيرًا، ومع ذلك قالت لي أنت من أقوى الشخصيات التي قابلتها في حياتي، ورفضت أن تعطيني أي أدوية. قائلة لي أنت محاربة، وتستطيعين مواجهة الصعاب ومن ثم تجاوزها.
لن أعلن إعتزالي
*متى يأخذ الفنان قرارًا بالاعتزال؟
-إذا اكتشفت أنني لا أستطيع أن أظهر بالشكل الذي يرضي الناس ويرضيني، فلن أعلن اعتزالي، ولكني سأنسحب بهدوء، ستجدني هنا في بيتي مع زوجي، وإذا سُألت عن عمل جديد، سوف أقول إنني أقرأ أعمالاً وأختار من بينها.. أنني أكره من ينسحبون في ضجيج، فهذه ليست مناسبة للبروباغاندا الإعلامية، لذلك إطمئن، لن أعطي الفرصة لمن يستعدون بما نشيت صحافي يقول: اعتزال يسرا!
التعليقات