يُعدّ مهرجان دبي السينمائي الدولي ظاهرة فنيّة مهمة على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. فهو من جهة معني بتأسيس قاعدة سينمائية في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما يسعى من جهة أخرى لتوسيع هذه القاعدة لتشمل دول الإقليم الخليجي كافة. تكمن أهمية هذا المهرجان في تنوعه وتعدد محاوره التي تغطي مساحة واسعة من العالم تتجاوز حدود القارتين الآسيوية والأفريقية. ولعل المحاور الأخرى التي تتناول سينما العالم وبرنامج التكريمات تؤكد صحة ما نذهب إليه. يركز هذا المقال على فعالية الإفتتاح ومحور quot;أصوات خليجيةquot; لافتة للانتباه.


دبي: بحضور نخبة من مشاهير السينما العربية والعالمية انطلقت في مسرح إيرينا في التاسع من ديسمبر الجاري فعاليات الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي، حيث شارك في حفل الافتتاح النجم الهندي المعروف أميتاب باتشان الذي تهافتت عليه وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، إضافة الى كوكبة من نجوم السينما العالمية أمثال النجمة الأميركية ماندي مور وكريتسينا ريتشي وجايسون فليمينع وكريستوفر لامبرت. أما نجوم السينما العربية فكانت لهم حصة كبيرة في المرور على السجادة الحمراء من بينهم سمية الخشاب، مصطفى فهمي، رانيا فريد شوقي، هالة سرحان، سمير غانم، الهام شاهين، نيللي كريم، رجاء الجداوي، عمرو واكد. كما مشى السجادة الحمراء نجوم إماراتيون أبرزهم هدى الخطيب، زهرة عرفات، بلال عبدالله وآخرين.
ثم عُرض فيلم الافتتاح quot;تسعةquot; وهو من إخراج روب مارشال وبطولة داني داي لويس، جودي دينش، كايت هيدسون، ماريان كوتيار، نيكول كيدمان، بينيلوبي كروز، صوفيا لورين، وستاسي فيرغسون. الفيلم مقتبس عن مسرحية موسيقية تتمحور أحداثها عن مخرج يعاني من أزمة منتصف العمر حيث ينهمك في علاقات عاطفية وحسية متعددة تضطره لأن يوازن بين تسع نساء، بينما يصبح عاجزًا عن الابداع.

فعاليات اليوم الأول
عرض في اليوم الثاني من المهرجان quot;24quot; فيلمًا في quot;14quot; صالة عرض في مدينة أرينا وسوق المدينة إضافة الى quot;صالات مول الاماراتquot; الإثني عشر. ومن بين هذه الأفلام الأربع والعشرين نذكر quot;اصوات خليجيةquot; ، والفيلم الفرنسي quot;رسولquot; والايطالي quot;الرصاص المصبوبquot; والنرويجي quot;شمالquot;، والأميركي وود ستوك، والياباني quot;جري بلا هدف، والسينغالي quot;راماتاquot; والمغربي quot;اشلاءquot;، والمصري عصافير النيل، والفرنسي quot;رسولquot; وباقة آخرى من الأفلام المنتخبة من مختلف دول العالم.

أصوات خليجية
يعتبر محور quot;أصوات خليجيةquot; من المحاور المهمة في مهرجان دبي السينمائي الدولي. إذ يشترك هذا العام أحد عشر مخرجًا خليجيًا وهم نواف الجناحي، راوية عبدالله، محمد راشد بوعلي، الهام شرف وهند الحمادي، مقداد الكوت، علي العلي، عمر المعصب، بلال عبدالله، نايلة الخاجة، والمعتصم الشقصي.
تم عرض الجزء الأول من البرنامج يوم الخميس المصادف 10 ديسمبر الجاري في quot;مول الامارات 3quot;. أما الأفلام المشاركة في هذا المحور فهي خمسة أفلام عرضت على التوالي quot;غيمة أملquot; للمخرجة الاماراتية راوية عبدالله، quot;البشارةquot; للمخرج البحريني محمد راشد بوعلي، quot;موزquot; للمخرج الكويتي مقداد الكوت، quot;مجرد إنسانquot; للمخرج الكويتي أيضًا عمر المعصب، وquot;نصف قلبquot; للمخرج الامارتي بلال عبد الله.

رموز صريحة
لا بد من الاشادة أولاً بفيلم quot;موزquot; للمخرج الكويتي مقداد الكوت quot;مدته 25quot; دقيقة، وذلك لجرأته، ولغته الصريحة، وقوة الأداء لدى بطله مساعد خالد. ويمكن أن نختصر القصة بالشكل التالي:quot;يبحث أحمد عن علاقة عاطفية بديلة تنقذه من حياته الزوجية التي لم يعرف فيها طعمًا للسعادةquot;. وقد وجد أحمد ضالته في زواج المتعة، وهي الطريقة الوحيدة لتصريف همومه ورغباته وهواجسه الجنسية. المشاهد الجريئة التي أثارت الانتباه حتى وإن جاءت بشكل رمزي هي مسك القضيب الحديدي وتحسسه بطريقة توحي بأنه يمارس العادة السرية، ومشهد قذف السائل المنوي وما الى ذلك. الغريب أن بعض الحضور من النساء كن يسألن عن البعد الرمزي لـ quot;الموزquot; في الفيلم مع أن الدلالة صريحة وواضحة ولا تحتاج الى أي تأويل أو إحالة. وقد إدعى المخرج بأنه يحاول صدم المتلقي بهذه المشاهد الجريئة، وهو لا يناقش رأيه الصريح في موضوع quot;زواج المتعةquot;. كان أداء الشخصية الرئيسة معبرًا. وكانت فكرة الفيلم سلسة، الأمر الذي جعلنا كمتلقين نتابع سياق الأحداث الشيقة بزخمٍ عالٍ من الترقب لما سيمضي اليه هذا الفيلم الناجح فنيًا.
أما الفيلم الثاني اللافت للانتباه فهو quot;نصف قلبquot; للمخرج الاماراتي بلال عبدالله. إذ تبدو المعالجة غريبة وغير متوقعة من رجل عربي يكتشف أن إبنته قد ارتكبت quot;خطيئةquot; وحملت من رجل آخر قد يكون حبيبًا أو رجلاً طارئًا في حياتها. المشكلة أن قصة الفيلم لم تركز على طبيعة العلاقة العاطفية بين الفتاة والشاب الذي أخطأت معه لأن الهم الرئيس كان منصبًّا على فعل الخطيئة نفسه، والعار الذي ستجلبه على العائلة. وعلى الرغم من العلاقة الانسانية الحميمة بين الفتاة وإبنها الصغير إلا أن والدها قد عزم أمره في النهاية على أن يتخلص من هذا المولود الجديد عن طريق تسلميه الى ملجأ للأيام لإبعاد الشبهات التي ستتعرض لها العائلة حتمًا في مجتمع عربي معروف بعاداته وتقاليده البالية التي لا تعرف كيف تتعاطى مع مشكلة من هذا النوع. حاول مخرج الفيلم أن يركز على لحظة الانفصال بين الأم ومولودها الجديد الذي يعتبر quot;نصف قلبها، إن لم يكن قلبها كلهquot; فالطفل، كما هو معروف فلذة الكبد بالنسبة لأمه وأبيه. أسئلة الجمهور كانت ذكية واقعية كالعادة. فقد أعربت إحدى الحاضرات عن دهشتها للكيفية التي تعامل بها الأب مع إبنته التي ارتكبت خطيئة من هذا النوع. فمجرد الضرب حتى وإن كان مبرحًا، هو أقل بكثير من العقوبة البشعة التي يرتكبها الآباء المتخلفون بحق بناتهم اللواتي قد يقعن في مثل المحنة التي لا نعرف كيف نتعاطى معها من دون لغة السكين أو الطلقات النارية التي تنتهي غالبًا بكارثة إنسانية.
أما الأفلام الثلاثة الأخرى فهي quot;غيمة أملquot; للمخرجة الإماراتية راوية عبد الله. يركز هذا الفيلم على قصة الطفلة أمل التي تنتظر وسط quot;الحوشquot; وتصلي من أجل أن تمطر السماء كي تغسل هذا الحد الفاصل اللعين في بيتها، وهو حد رمزي ممكن أن يكون سببًا في تفريق الأسرة. الفيلم يعالج فكرة قصيرة خاطفة تتحقق بواسطتها رغبة هذه الصبية الصغيرة التي تتطلع الى مستقبل يخلو من الاشكالات.
يرصد فيلم quot;البشارةquot; جانبًا من الموروث الشعبي البحريني. فحينما يضع رب الاسرة quot;النشلquot; على عمود منتصب فوق سطح الدار يعلن عن فرح أهل البيت بعودة شخص عزيز بعد غياب طويل. الملاحظ أن طبيعة العلاقة بين الزوج وزوجته الراحلة عميقة وحميمة لذلك نرى هذا الزوج الوفي متيقنًا من عودة زوجته على الرغم من ثقة المحيطين به بأنها قد رحلت الى العالم الآخر.
أما فيلم quot;مجرد إنسانquot; للمخرج الكويتي عمر المعصب فأنا أعتبره من الأفلام التجريبية الجريئة التي تدقق في رحلة الانسان منذ ولادته، مرورًا بمختلف المراحل التي يمر بها، وحتى وصوله الى المطاف الأخير. يمتلك المخرج قدرة واضحة في الأفلام التحريكية وكنت أتمنى عليه أن يشذب بعض المواقف المكررة التي قد تبعث في المتلقي نوعًا من الملل والتذمر من متعة مشاهدة هذا الفيلم الناجح فنيًا.
نخلص الى القول إن محور quot;أصوات خليجيةquot; يبشر بولادة مواهب سينمائية خليجية جديدة سوف تتبنى في المستقبل القريب مهمة صناعة سينما خليجية تستجيب لتمنيات وأحلام المواطن العربي الخليجي.