غزة: المشاكسة والمضطربة دوما، مثلما أثارت العالم بحروبها الدائمة، وفوضى مدينتها، فهي من باطن الأرض تصنع هذه الأيام حياة، وبالمقابل تدفن حياة أخرى فيها، هذا التناقض الغريب تنفرد به دون مدن العالم، الذي يراها وجه عابس وغاضب، يتيمة فقيرة، تأكلها العتمة، ولكن حين نقترب منها نلمس الحياة الحقيقة دون زخرفة ونجدها تشبه مدن أخرى في التمسك بإرادة الحياة، وصناعتها، حتى لو كان الثمن عبر جسر يصل للموت أحيانا كثيرة .
تلك فلسفة كثيرون ممن زاروا قطاع غزة وشكلوا آراء مسبقة عن القطاع ليكتشفوا أن الإعلام قال نصف الحقيقة وان العين هي التي يمكنها أن ترى وحدها كل الحقيقة.
المخرج الأميركي موريس جاكبسون لم يكتف بما رآه في وسائل الإعلام بشأن الموت والحصار والفقر بغزة، بل آثر أن يزور غزة حتى يطلع عن قرب على أوضاع الفلسطينيين الذين يسدل ستار الإعلام على صورهم، وهم يعيشون حاضر ممزق وذاكرة محزونة، ويتناولون فنجان قهوتهم الصباحية على وقع أعداد قتلاهم وصخب صراعهم المرير.
ويقول جاكبسون الذي يزور قطاع غزة منذ نوفمبر الماضي:quot; قبل حضوري إلى قطاع غزة، كانت لدي آراء مسبقة عن الحياة هناك، بأن المواطنين هناك غاضبون محبطون، والكل يعيش في ظروف فقيرة، ولا يعيشون تفاصيل الحياة العادية كأي مواطن في العالمquot; ، ويستدرك بالقول :quot; نظرتي تغيرت تماما عندما عايشت الواقع الفلسطيني على الأرض في القطاعquot; ويضيف quot;تبدو لي غزة الآن كأي مدينة في أميركا بنفس الايجابيات والسلبيات، و الاختلافات الأساسية بينهما حول الحرب، وكونها تتعرض لهذا الحصار الظالم منتقدهما بقوة :quot; لا سبب حقيقي يمكن أن يبرر أو يفسر هذا العدوان الظالم الذي تعرضت له غزة وكذلك الحصار غير المبرر على الإطلاقquot;.
ويزور جاكبسون قطاع غزة للاطلاع على أوضاع الفلسطينيين وظروفهم الحياتية هناك، فضلا عن انجاز مشروع فيلم quot;غزة 24 quot;وهو فيلم يجسد معاناة قطاع غزة يشارك فيه 24 مخرجاً وصحفياً من جميع أنحاء العالم, ويعد احد أجزاء الثلاثية الفلسطينية وهي quot; الاسم الذي أطلقه جاكبسون على مشاريعه الثلاث ومشروع quot;غزة 24quot; أحدها، والثاني quot; مشروع quot;شريتquot; وهو استجلاب عدد من المهندسين المعماريين والمصممين لبناء بيوت لإيواء المشردين نتيجة الحرب الأخيرة على غزة ومنع دخول مواد البناء, والمشروع الثالث هو عمل quot;حفلات موسيقيةquot; بواسطة فرقة فلسطينية تجوب كافة أنحاء العالم لجلب المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية.
و عن ماهية مشروع فيلم quot; غزة 24 quot;، أوضح جاكبسون أن هذا المشروع سيقوم بناء على سرد quot;24 قصة quot; قصيرة مسجلة بالصوت ومصورة بالصورة لأشخاص تأثروا مباشرة بالصراع، وتتراوح مدة القصة الواحدة ما بين 4 إلى 8 دقائق.
وتتناول القصص روايات لمواطنين من غزة ،وآخرون عاملون في قطاع المساعدات الدولية ، وممثلون عن الدول المانحة ، وأصحاب المصالح السياسية في الصراع، وفق ما أوضحه خلال لقائه برئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني المخرج السينمائي سعود مهنا و أمين سر الملتقى محمد أبو قوطة، وذلك في إطار التحضيرات النهائية لمهرجان القدس السينمائي الدولي الأول الذي تقيمه جامعة فلسطين بالتعاون مع ملتقى الفيلم الفلسطيني ويعد جاكسبون عضو لجان التحكيم في المهرجان، وأيضا ما يتوفر من معلومات مفصلة عن quot;مشروع غزة24 quot; من الموقع الرسمي للمشروع على الشبكة العنكبوتية
http://gaza24.com .
وعن مشاركته في لجان التحكيم بالمهرجان يقول :quot; إن الناس في غزة تفاجئه كثيرا بأنهم ايجابيون في التعاطي مع حياتهم، بالرغم من كل أشكال المعاناة اليومية التي يتعرضون لها جراء آثار العدوان الإسرائيلي الأخير، بل ويدهشونه بتعدد اهتماماتهم وتنوع مشاركاتهم في مختلف مناحي الحياة العملية و خاصة الثقافية و ما يثير إعجابه إقامة مهرجان القدس السينمائي الدولي الأول من قلب الحصار، برغم كل الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، و يشرح جاكبسون عن مشروعهquot; كل قصة من مشروع quot; غزة 24quot; ستكون مصحوبة بشرح تفصيلي بالنص المكتوب أو التصوير المناسب و الخرائط و مؤثرات الجرافيك ، وبالتزامن سترافقه إعلانات خاصة و تبادل اللقطات الحية.
وبالتوازي تتنقل القصص ما بين أشخاص من داخل قطاع غزة و آخرون من حملة مسيرة غزة للحرية التي تتضمن ألف متضامن من أميركا و كندا و أوروبا الغربية و اليابانquot; و التي من المقرر أن تصل غزة في الفترة من 27 ديسمبر الحالي إلى 9 يناير القادم ، للتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، خاصة في الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
وعن السبب الحقيقي الكامن وراء اهتمام المخرج الأميركي جاكبسون بالقضية الفلسطينية أكد جاكبسون أن القضية الفلسطينية هي quot;قضية حقوق مدنية عادلةquot;، لافتا انه كصانع للأفلام الوثائقية شعر بالغضب الشديد من العدوان الإسرائيلي الظالم الذي تعرض له البشر و الحجر في غزة المحاصرة، مؤكدا على ضرورة توثيق ما حدث بعد الحرب، خاصة أنهم كإعلام غربي حرموا من تغطية الحدث أثناء الحرب و من هنا نشأت فكرته quot;غزة 24quot;.
ودعا كل إنسان حر في كل مكان في العالم، أن يضطلع بمسئولياته، و يأتي ليقوم بواجبه لكسر و إنهاء هذا الحصار المقيت على حد قوله، مشيرا انه عانى أكثر من ستة أسابيع بانتظار فتح المعبر ليصل إلى القطاع.