باريس: ورغم أنّ (المثلية الجنسيّة) كانت ظاهرةً خفيّةً, ومُستترة، إلاّ أنها ليست جانباً جديداً في السينما، فقد قدّم الإنتاج الهوليووديّ من الثلاثينيّات، وحتى الخمسينيّات الكثير من الأمثلة.
كما اجتازت السينما في السبعينيّات عتبةً جديدة نحو العلانيّة، وبينما سمحت الستينيّات للمخرجين بإظهار أثداء المرأة عاريةً على الشاشة، كشفت السينما في السبعينيّات عن الحبّ الجسديّ بكلّ أشكاله .
واليوم، لا تخلو مئات المهرجانات السينمائية من فيلمٍ يتطرّق للمثلية الجنسية، وبعضها في : باريس ، هامبورغ، دوبلين، لندن، تورينو، بولونا،....تخصصّ تماماً بهذا الموضوع .
وخلال الفترة الأخيرة، تسنّى لي مشاهدة (172) فيلماً روائياً طويلاً، تطرّق (34) منها - من قريبٍ, أو بعيدٍ- للمثليّة الجنسية، الرجالية, أو النسائية، بحيث كانت موضوعاً أساسيّاً لها، أو أظهرت شخصياتٍ فاعلة في تطوّر أحداثها، ومقتضيات السرد الفيلميّ.
ويُشير ذلك - بشكلٍ ما- إلى أنّ هذا الموضوع يُشكّل (20)% تقريباً من مجموع عيّنات الأفلام التي شاهدتها (عشوائيّاً).
ومن المُفيد هنا، التعرّف قليلاً إلى طبيعة المُعالجة السينمائية للمثليّة الجنسية، وفهم الاقترابات المُقترحة لشخصياتٍ وجدت في حياتها (اختلافاً)، فجسّدته سلوكاً, وممارسةً، وحطمت محرّماتٍ اجتماعية، أخلاقية، دينية، ونفسية.
المثلية الجنسية في السينما الأميركيّة
(قبل الليلAvant La Nuit/)2000، لمخرجه (جوليان شنابيل) يُظهر التزمت الأخلاقيّ للنظام الشيوعيّ في كوبا، حيث تقترب معاناة الشخصية الرئيسة فيه مما تعرّض له المخرج الأرمينيّ (بارادجانوف).
يُلخص الفيلم حياة الكاتب المثليّ (رينالدو أريناس) الذي وُلد في كوبا عام (1943)، هجره والده صغيراً، فالتحق في صباه بمجموعات ثوار كاسترو للإطاحة بنظام باتيستا، وفيما بعد، بأوساط المثقفين، و(المثلييّن) في العاصمة هافانا، قبل أن يكتب، وعمره عشرون عاماً، روايته الأولى، ولكن، تتغير مُجريات الأمور، ويصبح (أريناس) - من وجهة نظر النظام- (منحرفاً)، تزداد مضايقات السلطة له، ويفكر بالهجرة إلى فرنسا، ويسرّب إليها - بمساعدة آخرين- روايته (عالم هذيانيّ)، تُعتبر بياناً ضدّ كاسترو، في عام (1973) يتم توقيفه، وفي عام (1980) يهاجر إلى نيويورك، هناك يُصاب بمرض فقدان المناعة، وقبل أن تنتهي حياته، يُسارع لإنهاء روايته الأخيرة (قبل الليل).
خلال تحقيق معه, يُظهر له شرطيّ أحد كتبه الذي طُبع بسريةٍ في فرنسا، يقول (أريناس) :
ـ لقد كان هذا الكتاب الإثبات الوحيد بأنني على قيد الحياة.
في (نوفمبر الرائع)/2001، لمخرجه (بات أوكنير)، يكتنف شخصية (سارة) بعض العبث، والتهوّر، تلتقي (نيلسون)، المهووس بعمله في مجال الدعاية, والإعلان، تتحدّى نفسها بأن تكشف له الجوانب الجيدة للوجود .
ولكننا نكتشف سرّ إقبالها على الحياة، وتمسكها بها، إنها تنتظر أيامها الأخيرة، وخلال هذه الفترة، قررت أن تعيش ما تبقى لها من العمر مع رجلٍ مختلفٍ كلّ شهر، وترغب في أن يكون (نيلسون) هو الأخير في حياتها، بدوره، يكتشف - مع المتفرج- بأنها مصابةٌ بمرض السرطان، يتعلق بها أكثر فأكثر، مهملاً زوجته، وعمله، ولكنّ (سارة) تنطفئ بهدوء، روحاً, وجسداً، بعيداً عن أنظار (نيلسون)، لأنها تريد أن تختفي من حياته في أبهى صورةٍ لها .
في هذه الفترة كلها، يعتني بها الجاران المثليّان، (المُتحولان) بتعبيرٍ أدق، ويقفان بجانبها حتى اللحظات الأخيرة من حياتها .
(شيفرة الوقت)quot;Time Codequot;/2001 لمخرجه (مايك فيجيس)، ساعةٌ و53 دقيقة، هي الوقت الحقيقيّ لأربع شخصياتٍ تلتقي، تتحاب، تراقب، وتشعر بالغيرة، (إمّا) وزوجها منتج أفلامٍ خفيفة, ورديئة، ممثلةٌ طموحةٌ، وصديقتها الغيورة بشكلٍ مرضي،..
وتتدرّج الأحداث المُتقاطعة على أربع شاشاتٍ، لتُظهر العلاقة المثلية بين امرأة ثرية جداً، وممثلة شابّة لا تتهاون بمُقايضة جسدها مقابل دورٍ في أحد الأفلام، وهنا نتذكر أحداث الفيلم الفرنسيّ(البروفة) لمخرجته (كاترين كورسيني)، والفيلم الأميركيّ (طريق مولهولاند) لمخرجه (دافيد لينش)، ونفهم بأن الحبّ بين امرأتين، يُضاهي في زخمه العلاقة بين رجلٍ, وامرأة .
(كويني عاشقة)/2001، لمخرجه (آموس كولاك)، هي فتاةٌ من عائلةٍ ثرية، اختارت أن تعيش حياةً بسيطة تنضح بالكرم, والفانتازيا، وهي تفضل السكن في مانهاتن الشعبية، ومساعدة الأطفال الذين يصادفون صعوبات حياتية بالاندماج في المجتمع، وتحلم بأن تصبح ممثلة، إنها حتى قادرة بأن تُعيد طعم الحياة لشرطيٍّ عجوز مُحبط، ومحكومٌ عليه بالموت لإصابته بمرض السرطان .
لا تخفي (كويني) رغباتها الاستعراضية، ولا تبخل عن تحقيقها من دون عقدٍ، تعبيراً عن تركيبتها النفسية، وفي الوقت الذي كانت على استعدادٍ بأن تمنح نفسها للشرطيّ العجوز، الذي فقد أيّ شهية للحياة، لا تتورّع عن تقبيل صديقتها في الشارع أمام مجموعة من السائحين الأسيويين، الذين يتبارون بالتقاط صوراً تذكارية متوالية لهذا المشهد العشقيّ العابر ....
وفي (رائعةٌ، ولكنها خطرةDivine mais dangereuse /One Night at McCool's /) 2000، لمخرجه (هارالد زوارت)، امرأةٌ شابّةٌ, وجميلة، لا تنقصها الميول نحو اللصوصيّة, والإجرام، تُوقع في فخّها ثلاثة رجالٍ مختلفين تماماً : عازبٌ يعمل في مقهى، محامٍ متزوج، وشرطيٌّ أرمل .
تتجسد أحداث الفيلم من خلال قصصٍ متداخلة، وكلّ واحدٍ منهم يحكي على طريقته لقاءه مع (جويل) المدهشة، وإذ لا تشير الاعترافات، من بعيدٍ, أو قريبٍ، إلى أيّ اتجاهاتٍ مثليّة للشخصيات، إلاّ أنها تُستخدم في نهاية الفيلم لإثارة الضحك، في مشهد سوء فهمٍ يجمع بين المحامي المازوخيّ, والشرطيّ، وهما ينتظران المرأة اللعوب في منزلها، ويتعاركان بطريقةٍ توحي بأوضاعٍ مثليّة، في مفارقاتٍ جسدية, ومظهرية، بين المحامي النحيل بملابسه الجلدية المُوحيّة، والشرطيّ البدين بملابسه الرسمية .
ويقتفي (أزرق)/2001 لمخرجه (تيد ديمّ) أثر تنظيم العصابات في كولومبيا خلال سنوات السبعينيّات، عندما وجد الكوكايين أكثر فأكثر نجاحاً عند الأميركيين.
في الطرف الغربيّ من سواحل الولايات المتحدة، يحلم (جورج يونغ) بمستقبلٍ ورديّ بعيداً عن الحياة القاسية التي عاشها والداه بالعمل من دون توقفٍ لكسب القليل من المال، فينخرط في تجارة الحشيش، وسُرعان ما يؤسّس الشبكة الأولى في كاليفورنيا، وخلال إقامته في السجن، يكتشف وجود الكوكايين، ومن ثمّ، شيئاً فشيئاً، يصبح صلة الوصل مع (بابلو إسكوبار) رئيس إحدى العصابات الكبيرة .
في وسط هذه الأحداث، كان الاتصال الأول مع مزيّنٍ للنساء، (مثليٌّ) يتخفى خلف إدارته لصالون حلاقة للسيدات، ويعمل كنقطة اتصالٍ ما بين تجار الحشيش الكبار، وبائعي التجزئة، بعد اللقاء الأول لـ(جورج) معه، سرعان ما يصبح شريكه، ومن ثم منافسه، وتستخدم (المثليّة الجنسية) هنا، الحقيقية, أو المُصطنعة، غطاءً لمُمارسة تجارةٍ غير مشروعة، ولكنّها مزدهرة .
(أودفيغ، والقليل من الغضب Hedwig and the Angry Inch/) 2001 لمخرجه (جون كاميرون ميتشيل) يلخص الحياة المهنية المجنونة لمغني الروك (أودفيغ)، متحولٌ جنسيٌّ من ألمانيا الشرقية السابقة.
إنّه دراما عائلية، اجتماعية، سياسية، نفسية، بدأت بعلاقةٍ جنسية محرّمة بين الأب والولد الصغير، الذي أظهر ميلاً مُبكراً لموسيقى الروك، وبدأ تحوّله الجنسيّ بعد اللقاء مع أحد الجنود الأميركيين، الزواج منه، والذهاب معه إلى الولايات المتحدة، هناك يهتمّ أكثر فأكثر بالموسيقى بصحبة ابن الجندي الذي يتعلّق بزوجة أبيه، ومع الأيام، يصبح نجماً مُعتبراً، بينما يبقى (أُودفيغ) يغني في المطاعم الشعبية المُتموقعة في قاعات المراكز التجارية، حتى اليوم الذي يكتشف حقيقة علاقته مع نجم الروك، ويبدأ بشقّ طريقه في عالم النجومية، يكتشف (جنسيته) الخاصّة، ويخلع عن جسده ثياب, وزينة المرأة التي صاحبته لسنواتٍ كثيرة .
يضعنا (Mulholland Drive)/2001- لمخرجه (دافيد لينش) في أجواءٍ تشويقية بارعة، يزداد فيها، لقطةً بعد أخرى، جرعات فضول الكشف عن غموض (ريتا) التي تعرّضت لحادثةٍ على طريق (مولهولاند)، فقدت الذاكرة، وساقتها الصدفة المُحكمة للدخول إلى أحد البيوت الفخمة، حيث تتعرّف إلى (بيتي) شابةٌ جميلةٌ جاءت من أونتاريو إلى لوس أنجلوس للعمل في أفلام هوليوود، مليئة بالأحلام, والآمال، والتي تكتشف (ريتا) التي لجأت لبيت عمتها، ونعرف في المشاهد الأخيرة المُتسارعة علاقة الحبّ التي كانت تربط بينهما، وبأنّ الأولى كان اسمها (كاميلا)، وهي ممثلةٌ ناشئة، وعلى الرغم من العلاقة التي جمعتهما، نفهم بأنّ كراهيةً مُضمرة تفرقهما أيضاً .
هنا، لم يكمل الحبّ بين امرأتين طريقه حتى النهاية، ومن أجل النجاح, والشهرة كان على أحدهما أن تدّمر الأخرى.
تلتقي المرأتان، وتنجذب الواحدة نحو الأخرى، تتحابان قليلاً، قبل أن تكتشفا بأنهما متورطتان في قصة فيلم، حيث يُفرض على المخرج الشاب (آدام) ممثلةً لا يريدها...
في الفيلم، سوف تتبادل الشقراء, والسمراء هويتهما، في مشاهد تكريمية لفيلم Vertigo للمخرج (هيتشكوك).
وعلى الرغم من المنافسة الحاميّة في (صبيان, وبنات) لمخرجه (لاري كلارك) بين مراهقين, ومراهقات في استعراض مغامراتهم العاطفية، التي تتوخى غالباً (الفتوحات الجنسية)، تقودنا الأحداث مرتين لـ(المثلية الجنسية) .
الأولى، عندما تجمّع الأصدقاء، صبياناً, وبنات، في إحدى الحدائق، لقضاء الوقت بالثرثرة، وبعض الإدمان، ولكنّ مرور شابين (مثليين) يثير عند الصبيان نوازع ذكورية، تتجسّد صراخاتٍ مُستنكرة، وشتائم، يقابلها بعض اللامبالاة من طرف (المثليين)، وفيما بعد، يتضح رفض الأخر(المُختلف) بشكلٍ أقوى، عندما يتحرّش واحد منهم بشابٍ أفريقيّ، ومن ثمّ الاعتداء عليه من قبل دزينة المراهقين، ولكن، فجأةً، وبعد لقطاتٍ معدودة، يظهر وجهٌ جديدٌ من وجوه الرفض، والاستعلاء الذكوريّ، عندما تذهب مجموعة منهم إلى أحد المسابح المغلقة، لمُمارسة لهوهم، واغواءاتهم، وفي نشوة الاغراءات, والمُمانعات، تُقبّل إحدى الفتيات صديقتها، أمام ذهول, وفضول الأولاد، الذين يتهمونهما بـ(المثليّة)، ويطلبون مشاهدتهما من جديدٍ في وضعٍ يستنكرونه ظاهرياً.
تنفي الصديقتان (مثليّتهما)، وتؤكدان أنها قبلات (صداقة) لا أكثر، لكنّ المتفرج يفهم بأنّ هذه الحالة الحميمة، هي أولى الخطوات العملية نحو (المثليّة)، ربماتتوقف في مرحلة النضج، أو تستمر إلى سنواتٍ أبعد بكثير.
في quot;BULLYquot;/2001- لمخرجه (لاري كلارك) أيضاً، كبر مراهقون, ومراهقات (صبيان، وبنات)، وأصبحوا على أعتاب الشباب، ويبدو بأنّ حالاتهم النفسية، وتوجهاتهم الحياتية، لم تتحسن كثيراً، فبعد أن أُصيبت واحدة منهم بمرض فقدان المناعة، ونقلته إلى أحد أفراد المجموعة، وسوف نتوقع المزيد،....
هانحن نتعرّف في BULLY إلى آخرين، يمكن اعتبارهم امتداداً عمريّاً لمن سبقهم، وأمام خمولهم، ولا مبالاتهم بكلّ ما يحدث حولهم، والخواء النفسي الذي يعيشونه في مجتمعٍ لا يبالي بهم أيضاً، يبقى المهرب الوحيد بالنسبة لهم، الجنس, والمخدرات، ومع أن الحياة قد منحتهم أوضاعاً اجتماعية، ومادية جيدة، ومناسبة، وكلّ ما يحلمون به من حرياتٍ اجتماعية, وجنسية، إلاّ أنهم، مع ذلك، يتواطؤون جميعاً في ارتكاب جريمة قتل أحد أصدقائهم، وينسجون معاً أسبابها, ودوافعها الواهية، ومن ثمّ ينفذونها بجبنٍ, وقذارة، ليضعوا أنفسهم، وعائلاتهم، في مواقف لا يُحسدون عليها أبداً..
هذه المرة، فإنّ (المُلامسات الجنسية) التي شاهدناها في (صبيان, وبنات)، قد تحولت إلى علاقاتٍ (مثلية) واضحة, وصريحة، بجانبيها، النسائيّ, والذكوريّ، بالإضافة إلى كل الانفلات الجنسيّ في ما بينهم .
الإشكالية التي تهمّنا هنا، بأنّ (المثلية الجنسية) لم تكن خياراً محدداً لرغبات (مختلفة) لكلّ واحدٍ منهم، ولكنها، كانت جزءاً من انفلاتٍ, وممارساتٍ تعكس إفراغ النشاط الجنسيّ من محتواه، ومعناه، وكما حال (صبيان, وبنات)، يبدو بأن (المثليّة النسائية) أكثر قبولاً بين أفراد المجموعة عن (المثليّة الذكورية) المُستهجنة .....قليلاً.
يقودنا (أشباح كوكب مارسGhosts of Mars/)/2001- لمخرجه (جون كاربنتير)، إلى عام (2176) حيث حوّل سكان الأرض من كوكب مارس المُستعمرة الأكثر عتمةً، وأصبحوا ضحايا قوة غريبة، تحولهم إلى مخلوقاتٍ بشرية بدائية، وسوف تضطرّ شرطية, ومجرم للتعاون بينهما، بهدف البقاء على قيد الحياة .
وعلى سطح الكوكب، تنتشر إشاعة بأنّ مادةً ما تتسرّب منذ قرونٍ في الوديان، وتزرع الموت, والخراب، تنتظم قوى الشرطة للقضاء على شرٍّ لا يعرفون شكله....
الشرطية السمراء، رئيسة الفرقة التي سوف تصارع الأشباح، هي بدورها (مثليّة)، لا تخفي مشاعرها, وتعلّقها بالشرطية الشقراء التي سوف تبقى وحيدةً بصحبة أحد اللصوص (من أصولٍ إسبانية)، وترفض مبادلة زميلتها اغواءاتها، ويبقى (نشاطها الجنسيّ) غامضاَ، هل تحمل في داخلها (مثليةً) دفينة؟ أم أنها بدون (نوازع جنسية)، ولكنها على الأغلب، ترفض عن عمدٍ هذا النشاط، لأنّ أيّ علاقةٍ، مهما كانت طبيعتها، سوف تعطلها عن مهمتها، وتأخذ منها وقتاً ضرورياً للقضاء على الأشباح، والأهمّ من ذلك، فإنها قمعت رغباتها- رُبما- لتستأثر بالبطولة لوحدها، كحال زميلتها (لارا كروفت) في الفيلم الذي يحمل اسم بطلته.
في السينما الكندية
يقدم (Hey, Happy)/2000 لمخرجه (نوّام غونيك) رؤية (تكنو) عن القيامة، ويخلق المخرج عالماً شاذاً, وغريباً، مستعيراً من الحكاية, والسحر.
في منطقةٍ صناعية منعزلة يعيش سكانها في حالةٍ ممزوجة بالهلع, والملل، وبينهم (سابو) تقنيّ موسيقى, وصوت، يقوده شبقه الجنسيّ لانتهاز الفرصة لتحقيق مشروعه الروحانيّ بمُمارسة الجنس مع (2000) شابّ قبل الطوفان السنويّ للنهر الأحمر، ينتهي بالشاب (هابيّ)، فتحه الأخير، جذابٌ, وأحمق، يستلم رسائل من مخلوقاتٍ فضائية، وعدته بإعادته للحياة من جديدٍ في طفل عشيقه، تقود (سابو) إلى حملٍ مراهق غير منتظر.
ولسوء الحظ، ينتظره (سبانكي)، مزينٌ عديم الذمّة، عدوانيٌّ، ميالٌ للأذى، يمنح نفسه لقب (أقذر مومس على وجه الأرض)، يكشف عن خصومة، وقد وعد نفسه بأن يُعيق مهمة (سابو)، ويضع (هابي) السيئ الحظ تحت طاعته .
يحاول (نوّام غونيك) بأن يدفع (الهوية المثليّة) بعيداً، ويقود المتفرج إلى مكانٍ لم يعرفه أبداً، ولم يتواجد فيه مسبقاً، ولكن، قبل كلّ شيء، هذا الفيلم الذي تدور أحداثه ما بين سلسلةٍ من حفلات (التكنو) الصاخبة في بقعةٍ جغرافية سحرية, وغريبة، يتوجه لأشخاصٍ لا تعنيهم معاني (مثليّ), أو (عاديّ)، ولا يعيرون أهميةً للفوارق بينهما.
في السينما الأفريقيّة
بدأت السينما الأفريقية - وهي في معظمها أفلامٌ مشتركة مع دولٍ أوروبية - تتصالح بحياءٍ مع المثليّة الجنسية.
يُعتبر (Dakan) لمخرجه محمد كامارا(فرنسا- غينيا/1997) أحد الأفلام الأفريقية النادرة التي تطرّقت بوضوحٍ, وصراحة لقضية حسّاسة في أفريقيا، إنه قدر (مانغا) و(سوري)، شابان بعمر العشرين عاماً، يتحابان، وعليهما مواجهة الأحكام المُسبقة لعائلتيهما، والمجتمع الذي لا يقبل علاقتهما، ولا يفهمها، حيث ترسل والدة (مانغا) ابنها إلى الغابة لعلاجه عند أحدّ السحرة .
ولكن ضغط المجتمع، الممنوعات، والمحرّمات تبقى الأكثر قوة، وتجبرهما على الانفصال، وعليهما أن يتبعا حياةً أكثر توافقاً مع العادات, والتقاليد المُترسّخة، يجد كل منهما زوجةً، ويحاولان تكوين أسرة، لكن الطبيعة وحبهما أكثر قوةً،....
ويأتي كارمن(فرنسا/السنغال/كندا/2001) لمخرجه (جوزيف غاي راماكا) ليقدم المثليّة الجنسية النسائية في قالبٍ كوميديٍّ غنائيّ، و(كارمن) ابنة العم الأفريقية لبطلة (بروسبير ميريميه), و (جورج بيزيه) تُعجب الرجال, والنساء على السواء، يتقرّبون منها مسحورين بجمالها، ورقتها، ولكنّها تبقى دائماً بعيدة المنال .
تتوله بها مديرة السجن المثليّة، تُقايض معها ليلة حبّ، مقابل ترتيب هروبها، ولكنّ هذه المديرة القوية, والمُسيطرة، تصبح ضعيفة تماماً عندما تفهم بأنّ (كارمن) قد خدعتها، وهجرتها بعد علاقةٍ عابرة معها، ويدفعها الحبّ, والرغبة للانتحار، بينما تُكمل (كارمن) مغامراتها، غير مبالية بعشاقها من الرجال, والنساء، لأنها، ببساطة، اختارت من تحبّ، وتعشق.
في السينما الأسيويّة
وهناك، كم الساعة الآن؟(تايوان/2001) لمخرجه (تسايّ مينغ ليانغ)، (هاسيّو كانغ) شابٌ يبيع الساعات في شوارع (تايبه)، توفي والده للتوّ، فغاصت أمّه في شكلٍ من أشكال الجنون الخفيف، تستدعي الأرواح البوذية لكي يرجع زوجها من العالم الآخر، بينما (هسيّاو كانغ) غير المؤمن، يشعر بعجزه، ويتضايق من تصرفات والدته، فيلجأ إلى عالمه الخاصّ، يفكر دائماً بفتاةٍ شابّة باعها مرةً ساعته الخاصّة، هي بدورها تقضي بعض الوقت في باريس، و(هسيّاو) يطوّر هوساً يتعلق بالاختلاف التوقيتيّ ما بين تايوان, وباريس .
نجد هنا العالم الخاصّ جداً للمخرج (تسايّ مينغ ليانغ) معتمداً على تجاور الشخصيات في الزمان, والمكان، يؤطرها في لقطاتٍ طويلة، يسيطر عليها بجدارة، تتخللها لمسات من الهزل العبثيّ، مرئيةً أكثر مع مرجعياتٍ لسينما (تروفو) من خلال بطله المُفضّل (جان بيّير ليّو) .
في الأيام التي تقضيها الفتاة في باريس صامتةً، متأملةً، حزينةً، ومحبطة، تتعرّف بالصدفة إلى شابةٍ أخرى من (هونغ كونغ)، تتقاربان بسرعة، ليكون اللقاء المثليّ بينهما متردداً، حائراً، ومُبتسراً، في الصباح، تبحث في السرير عن ساعة يدها، وكأنها تبحث عن ثيابها الداخلية، وتترك غرفة الفندق، تجرّ وراءها حقيبةً كبيرة، وتجلس هائمةً في إحدى الحدائق الباريسية، تنتظر ......
غموض الشخصية النسائية هنا، وتعلّقها بزمانين مختلفين، وهي تعيش بعض الأيام في باريس, يرتبط بغموض علاقتها المثليّة المُفاجئة, والمُجهضة، وإذ يمنح الفيلم هذا اللقاء فرصةً للتواصل, والدفء الإنسانيّين، إلآّ أن المثلية الجنسية فيه ليست أكثر من حدثٍ عابر، لا يقف المخرج عنده طويلاً في مواجهة الأجواء التي يقدمها، وعلاقة الفرد بالزمان الذي يمضي متدفقاً، أو رتيباً.
بدون العودة إلى تاريخ (المثليّة) في السينما، وبدون التذكير بأفلامٍ من جنسياتٍ أخرى شاهدتُها في مناسباتٍ سابقة، وهذا ما يُفسّر غياب أمثلةٍ من السينما العربية، الهندية، الدول الاشتراكية السابقة، وأميركا اللاتينية، ويعني أيضاً، بأنّ هذه القراءة اعتمدت على أفلامٍ أوروبية، أميركية، كندية، أسيوية/أوروبية، وأفريقية/أوروبية .
ومن خلال سردٍ مُقتضبٍ للفكرة الرئيسة لهذه الأفلام، مُلخص الحكاية، وبعض التفاصيل المُتموقعة، أو المُتشعبّة، فإنّه من السهل استخلاص نتائج عامّة - وتقريبيّة- تعكس واقع (المثليّة الجنسيّة) في البلدان المُنتجة للأفلام المُقترحة كأمثلةٍ, وعينات .
وقد كانت النسبة الغالبة من انتاجات الأعوام الأخيرة (1999-2000-2001)، ماعدا فيلميّ (هيتشكوك)، وهما من إنتاج (1948و1951) .
كما يُفسر التركيز على انتاجاتٍ أوروبية (غربية)، بأنّ السينما المُنتجة في بلدانٍ أوروبية أخرى لا تمتلك مكاناً كبيراً في برمجة شركات التوزيع الكبرى، ويشير العدد الوافر من الأفلام الأميركية التي تطرّقت للموضوع، بأنّ (السينما الأميركية) تحظى بالمرتبة الأولى في قائمة الأفلام المُدرجة في قاعات السينما .
وإذ لا أهدف هنا الحصول على إحصاءاتٍ دقيقة لعدد الأفلام التي تطرّقت للمثلية الجنسية في إطار الإنتاج السنويّ لبلد الإنتاج .
ولكن، ما أصبح حقيقةً مؤكّدة في المشهد السينمائي العالميّ - بحيث تحوّل الموضوع إلى ظاهرة - هي النسبة الكبيرة لهذه الأفلام من مجموع الانتاجات العالمية، كما يؤكدّ أنّ هذا الموضوع لم يعدّ من الممنوعات، أو المحرّمات، بل أصبح جزءاً من النشاط العاطفيّ, والجنسيّ للمجتمعات التي نعيشها .
إذاً، فقد اتضّحت المثلية الجنسية وُفق الأرقام التالية :
* (الرجالية) في (16) فيلماً من مجموع (34) فيلماً.
* (النسائية) في (10) أفلامٍ من مجموع (34) فيلماً.
* (الرجالية, والنسائية) في (4) أفلامٍ من مجموع (34) فيلماً.
* (التحوّل الجنسيّ من رجلٍ إلى امرأة) في (3) أفلام من مجموع (34) فيلماً.
* كلّ أشكال (المثلية الجنسية) في فيلمٍ واحدٍ من مجموع (34) فيلماً.
* في السينما الأوروبية : هناك (18) فيلماً من مجموع (34) فيلماً.
* في السينما الأمريكية : هناك (12) فيلماً من مجموع (34) فيلماً.
* في السينما الكندية : هناك (فيلمٌ واحدٌ) من مجموع (34) فيلماً.
* في السينما الأفريقية/الأوروبية : هناك (فيلمان) من مجموع (34) فيلماً.
* في السينما الآسيوية/الأوروبية : هناك (فيلمٌ واحدٌ) من مجموع (34) فيلما.ً
*يمكن العودة الى مقال ذات صلة بموضوع المثلية الجنسية في الأعمال الفنية
http://www.elaph.com/Web/RadioTv/2009/4/431782.htm
التعليقات