محمد موسى:بالرغم من الاهتمام العربي الرسمي بالسينما في السنتين الاخريتين ، والذي تمثل ، في دعم مهرجانات سينمائية ، والمشاركة في انتاج افلام، مثلما حصل في الجزائر او تونس، الا إن هذا الاهتمام بقى بعيدا ، عن مشاريع اقامة صالات عروض سينمائية فنية ، تقوم بعرض سينما عربية واجنبية مختلفة عما هو سائد في السينما العربية او الهوليوودية التجارية. فهذه الصالات الفنية ، والتي تكتسب اهمية كبيرة في اوربا وفي دول اخرى ، غائبة بشكل شبه كامل عن المدن العربية ، باستثناء مدينة عربية او مدينتين ، يملكان صالات فنية ، ببرامج فنية ضعيفة ، ودعاية اضعف.
ولا يبدو ان احد من وزارات الثقافة العربية ، او المؤسسات التجارية ، يرغب من الاستفادة من التجارب الاوربية مع الصالات الفنية ، فهذه الصالات ، والتي بدات كمشاريع تتلقى دعم حكومي ، لاهمية ما تقدمه من سينما ، تحولت في السنوات العشر الاخيرة ، وفي العديد من الدول الاوربية الى مشاريع تجارية مستقلة ، بجمهورها الثابت ، وبرامجها الفنية المتنوعة ، والتي تشمل احيانا عروض بمواضيع معينة ، او تشمل العودة الى بعض كلاسيكيات السينما.
هذا يعني ان اي بداية لمشاريع مماثلة في العالم العربي ، يحتاج الى بعض الدعم الحكومي ، او دعم شركات الانتاج السينمائية ، والتي تصرف احيانا الملايين في انتاج افلام تجارية تفشل في جني اي ارباح في صالات السينما. وعودة مرة اخرى الى التجارب الاوربية ، فمن الممكن ان يتم التفكير في تحويل جزء من ابنية الصالات الفنية ، الى مقاهي او محلات ، قادرة على المساعدة ،في المحافظة على الهوية الفنية البحتة لخيارات العروض السينمائية.
واذا كانت الافلام الفنية ، وخاصة الاوربية ، تواجه المشاكل مع الرقابة العربية ، بسبب مواضيعها ، وتقديمها احيانا للجنس، وهو الامر الذي يسبب مشاكل مع توزيعها بالدول العربية ، اصبح في الامكان الآن وبسبب العدد الكبير من الافلام المنتجة كل عام ، اختيار افلام معينة ، تخلو من المشاهد او المواضيع التي تثير الرقابات العربية. كذلك يمكن التغلب على مشاكل التوزيع بالعالم العربي ، بتطوير اتفاقيات خاصة مع شركات الانتاج ، تتضمن عروض للافلام بدون هيمنة شركات التوزيع السينمائية المكرسة.
اشكالية الربح والفن ، اشكالية ازلية ، لكن يمكن الآن ومع بعض الابتكار ، النجاح في اقامة مشروع فني بدون ان يتحمل اصحابه خسارات مالية كبيرة ، فبناية صغيرة تضم صالتين او ثلاث صالات سينمائية ، بمقاعد لا تتجاوز الخمسين لكل صالة ، لا بد ان تنجح في مدينة يسكنها على الاقل ثلاث ملايين من البشر مثلا . خاصة ان اذا تم الترويج لهذه الصالات ، ولما تقدمه من سينما مختلفة ، تكتسب اليوم اهمية كبيرة ، كجزء من الثقافة الجادة والتي تتلاشي تدريجيا من حياتنا ومدننا.
التعليقات