حوار مع الشاعر الإماراتي شهاب غانم:
quot;الترجمة تنوير وتغيير... والشاعر الحقيقي مدافع عن القيم الإنسانية السامية كالحق والعدلquot;

حاورته مروة كريدية من دبي: بين الشِّعر والترجمةِ بناءٌ فَنِّي جماليّ وحوار ثقافيّ ممتع لوجدان القارئ ، وحين يجتمع في المرء حسّ الشاعِر المرهف وإتقَان المترجم المبدع فإننا نشهد ولادة نصوصٍ جميلة منها تُُطلُّ حضارةٍ بعيون حضارةٍ أخرى على شعوبٍ لها جمالياتها الابداعية المميزة.
وقد شَكَّلت قضية الترجمة وأهميتها في البناء الثقافي ودورها كوسيلة للتواصل والنقل المعرفي والحضاري محورًا مهمًّا في لقاءات العديد من الكتاب والنقّاد، فمنذ انطلاق quot;بيت الحكمة quot; ووصولا الى عصرنا الحالي اهتم quot;المثقف النخبويquot; في كلّ عصر بمواكبة الترجمات، وخلال ملتقى الحوار الثقافي العربي الألماني الذي عُقد مؤخرا في دبي تم استعراض الدور الذي لعبته الترجمة قديماً وحديثاً والإسهام التنويري الذي قدمته في المشهد الثقافي العربي قديماً، والمجالات التي يجب التركيز عليها في الترجمة لتفعيل أثرها كوسيلة للتنمية الثقافية مستقبلا.
الكاتبة مروة كريدية حاورت الشاعر شهاب غانم خلال المنتدى، كونه شاعراً ومترجماَ في آن معًا، و تجربته الشخصية في ترجمة الشعر ممتدة طيلة 20 سنة، جعلته يحتل مكانة متميزة على الساحة الشعرية في الإمارت ومنطقة الخليج العربي، وقد مكنته حتى الان من نشر 16 مجموعة شعرية، تسع مجموعات منها مترجمة من العربية الى الانجليزية وسبع هي ترجمات شعرية من الانجليزية ومن لغات اجنبية اخرى الى اللغة العربية، كما أنّ مجموعتين من هذه الاعمال المترجمة نالت جائزة معرض الكتاب في الشارقة عامي 2002 و2007.
شهاب غانم له تسعة دواوين شعرية، لكنه أرّخ ايضًا لمسيرة الشعراء ففي كتابه ''شعراء من الإمارات'' يبتعد عن قصائده ودواوينه الخاصة، ويذهب بنا في جولة بين أروقة الشعر في بلده ، مستعرضًا عدداً من الأعمال الشعرية لمجموعة من الشعراء.
بداية سؤالي من وحي الملتقى ؛ بطبيعة الحال لا أحد ينكر أهمية الترجمة ودورها في تطوّر الشعوب؟ لكن كيف ترى أنت هذا الدور؟
دور الترجمة يكمن تحقيق التقارب الثقافي ، وإذا ما أردنا أن نتعرف على شعب فعلينا أن نتعرف على آدابه وإنتاجه الفكري وكيف يفكر حتى قبل أن نعرف سياساته.

الترجمة من وجهة نظرك وسيلة للتنوير في حياة الشعوب أم وسيلة للتغيير الثقافي؟
الترجمة في العصر العباسي كانت وسيلة تنوير وتطوير، أما في زمننا فهي وسيلة تنوير وتغيير ، فقد تخلفنا عن ركب الحضارة في مختلف مجالات العلوم النظرية والتطبيقية وفي البحث العلمي والابتكار وفي التنظيم والأدارة ومؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والتفكير الحر.
عرفناك أديبًا ومترجمًا أيضًا، اي المجالات تحب ترجمتها؟
هناك مجال قريب إلى قلبي وهو الشعر، وانا أعتقد أن علينا أن نترجم أهم ما في شعر الآخرين إلى العربية كما أن علينا أن نترجم أهم ما في شعرنا العظيم القديم والمعاصر إلى اللغات الأخرى ونحن في حاجة إلى أن تتضافر جهودنا وجهود الآخرين لفعل ذلك وبعد أن ترجمت أكثر من 16 مجلدًّا من الشعر العربي إلى الإنكليزية أو من الشعر الأجنبي إلى العربية بواسطة الإنكليزية.
وأعتقد أن مثل تلك الترجمات يمكن أن تكون أفضل لو تعاون شاعران من اللغتين لمثل ذلك العمل.
لماذا الشعر تحديدا؟ ألأنَّك شاعر نجدك منحازًا لترجمة الشعر؟؟
انا ارى أن الشعر هو روح الأمة ويمكننا أن نفهم الأمم باقرب طريق إذا قرأنا شعر تلك الأمم. وقد آمنت أن ترجمة الشعر قد تكون ممكنة في بعض الاحوال، خلافا لرأي الجاحظ الذي أرى فيه مبالغة. فمنذ قرأت ترجمة فتزجرالد لرباعيات الخيام في المدرسة الثانوية، وأنا أعتقد أن الشعر - وهو أهم فنون العرب- قابل للترجمة في بعض الأحيان، ويمكن أن يعرّف الآخرين بمشاعرنا وآلامنا وآمالنا بشكل فعال عندما تترجم بعض النصوص المختارة منه. ولولا خوفي من الإطالة لرويت نماذج من تجاربي الشخصية في ردود الأفعال الإيجابية عند الآخرين على بعض ما ترجمت.
العلاقة الجدلية بين السياسة والشعر معقدة ، منذ فجر التاريخ وربما المتنبي وكافور خير شاهد عليها في تاريخنا العربي ، فهل الشعر رسول السياسة؟ ام ان السياسي يستعمل الشعراء كأدوات؟
هذا سؤال مهم وفي الحوار العربي الألماني دار نقاش حول المثقف وعلاقته بالسياسة والأيدلوجيا. ومثل ذلك الحوار يمكن أن ينسحب إلى حد كبير أيضا على الشعر. الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا إذا لم يكن متمكنا من فنه وأدواته وتقنيات الإبداع وهو لذلك يجب أن يمتلك الموهبة ويعمل بجد كبير على صقلها وتطويرها.
لكن لكل إنسان وجهة نظر سياسية واجتماعية وله موقف ورأي فلا بأس إذا عبر عن هذا الموقف من خلال اقتناع والتزام شخصي وليس لأن جهة أخرى مثل حزب أو جماعة أو سلطة سياسية ألزمته بالتعبير عن وجهة نظرها التي لم يقتنع بها كاملة.
والشاعر الحقيقي على كل حال مدافع عن القيم الإنسانية السامية كالحق والعدل والحب والفن والجمال. وما يسمى الشعر الصافي غير المسيس لا يمكن أن يكون بعيدا عن مثل تلك القيم بل كثيرا ما يكون الشاعر من أهم المعبرين عنها والرافعين لواءها وكثيرا ما يبقى مثل ذلك الشعر عبر الأزمان أكثر من الشعر المسيس.
أخيرا ، لا توجد أجوبة يقينية ربما تحسم أسئلة الجمال، وربما تكون الاجوبة فلسفية أحيانًا، الى أي مدى ترى ان ايديولوجيا الشعراء تتدخل في فنونهم؟ وهل يمكن تحييد الأدلجة عن الترجمة؟
كما ذكرت في الرد السابق لا بأس أن يعبر الشاعر عن أيديولوجيته طالما أن ما يكتبه يتحلى بالشاعرية. لقد وجدت من خلال التجربة الطويلة أن أفضل ترجمات قمت بها كانت لقصائد تفاعلت معها بقوة بل ترجمت بعضها شعرا موزونا. وأهم شيء في الترجمة هو اختيار النصوص الدالة وقد يبحث المترجم بين عشرات القصائد ليعثر على نص يحبه ويتفاعل معه فيترجمه. وأنا في العادة لا أترجم قصائد تناقض القيم التي اؤمن بها. فعلى سبيل المثال لا أترجم نصا يشيد بالصهيونية والعنصرية حتى ولو كان الشاعر متمكنا من تقنيات القصيدة.
إيلاف
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com