جهاد صالح: أريس في الشرق الجزائري حيث طفولة الروائية (فضيلة الفاروق) منحتها أكثر الأشياء مصداقية وشفافية لتقول الحقيقة المخجلة في نظر الأغلبية العظمى،وتحطم بجرأة الأنثى كل التابويات المحرّمة، وتزيل ورقة التوت عن آثامنا كرجال ونساء من الشرق بحق أنفسنا وبحق الحرية التي لايستطيع أي كائن أن يخبىء لوعته وشبقه إليها في كل لحظة حياتية.
هي تعيش ثورتها الإنثوية البيضاء في عالم يطغى عليه السلطة الأبوية والقبلية والذكورية الطافحة،لتلصق المرأة بقانون الغابة الذكورية داخل أعراف وتقاليد الحياة الشرقية،وتنصاع غصبا وقسرا لهذه السلطة المتوارثة جيل عن جيل،وتخشى الكثيرات أو الغالبية من خدش زجاجها الملوث خوفا من العار أو العهر وكل مرادفات ونعوت الخطيئة التي ستلصق بها.
كمخلوقة ضعيفة ومهمّشة وجدت كمادة استهلاكية للمتعة والفراش والمطبخ وإنجاب الأولاد وانتظار الموت تحت أقدام (سي السيد) حيث خلقت من ضلعه كقدر إلاهي.
الثورة التي أعلنتها الروائية الجزائرية كانت من بيروت الحرية، ثورة عبر الورق والحبر والثقافة،هي معركة دون حراب ودون سهام ودون ضحايا،فالضحايا بالملايين من حولنا داخل البيت ومن وراء الجدران وتحت الخيمة، وما يربطهن بالحياة نافذة وكوّة صغيرة. ووشاح يلازمها من الطفولة، هو الحجاب الذي يمنع عن عينيها نور الشمس ولغة الريح فهذا إثم كبير وخروج عن الإرث الشرقي.
ثورتها الوردية بدأت منذ طفولتها وعبرت مراهقتها حين كتبت \ لحظة لاختلاس الحب 1997\ كقصص تختلس الحب، ومن ثم\ مزاج مراهقة 1999\ التي احتوت في أعماقها حلم الفتاة المراهقة في الحرية والحب والأمل والثورية وحب الوطن، والتمرد على السلطات والرقابات وقذف الحجاب المقيد، لتتحول إلى امرأة ناضجة تتجرد من حيائها وخجلها وانكساراتها، وتبلغ الذروة في الشجاعة والتحدي في \ تاء الخجل 2003 \ لتجسّد معاناة الفتيات داخل وطنها الجزائر، حين كانت النساء تخطفن وتغتصبن تحت سطوة الأمير السلفي حيث الإصولية التكفيرية، والنهايات لهن هو عقاب الموت بيد الأهل لإشباع قانون ورغبات العرف في \غسل العار\.
استطاعت أن تجرّد الواقع النسائي داخل المحيط الشرقي، وتطورت إلى محورية أكثر جرأة وشفافية، فوضعت أصابعها على الجرح وكشفت النزيف ورفعت صوتها عاليا، لتمزق لوحة الخجل والصمت الإنثوي ليكون كل شيء أمامنا عاريا في \إكتشاف الشهوة\ التي تتقمصنا وتهرول في مجرى الشريان الذي نمارس عليه حق الكبت، حتى لاننعت بالفسق والجنون في مجتمع محرماته أكثر من حرياته. وهي تدرك رغم هذا إن الأصوات والقراءات ستكثر حول الرواية حين مشت في دروب المحرّمات(حسب التعبير المتوارث) من ثقافة المتعة والجنس ولغة الجسد في أدق تفاصيلها وتعبيراتها.لكن ما حوته الصفحات والأوراق والسردية اللغوية، هي أكثر من شهوة،وأكثر من حكاية، إنها حقيقة وواقع المرأة الشرقية تحت وطأة قانون الأب والأخ والزوج والعشيق،ضمن نمط ونموذج إجتماعي يكسر ويحطم المرأة ويقلل من انسانيتها وكرامتها.
تقمصت الروائية روح (باني) كرمز للمرأة الشرقية المظلومة الحالمة بالتحرر، التي تحاول أن تكون حلما للرغبة في الحياة كما تريد،لا كما يريد الأخرون، وتشاركها هذه الحياة شخوص من الرجال والنساء هم مرايا لواقع مؤسف ومؤلم،في زمن لاينتهي وأمكنة شاسعة جرى عليها اسقاطات جغرافية ولغوية، وليسلط الضوء على الحدث في قسنطينة وشارع شوفالييه وباريس التي هي جميلة كالمرأة في حلاوتها وحزنها وفرحها.
قسنطينة المدينة الجزائرية ذات الأزقة الحجرية الضيقة وأصوات العطارين العذبة والحزينة وجدران البيوت، كل هذه الأشياء هي التي كانت تستوعب الكاتبة، ويتحول إلى مونولوج وتخاطب وجداني وروحي وسحر مألوف. حين كتبت إكتشاف الشهوة أرادت أن توصل رسائلها عبر الريح الهادئة إلى الجميع، ذكورا وإناثا،ولم تحاول أن تخفي أي شيء في أعماقها،أو تدفن الممنوعات والخطايا في تربة الخجل،بل أزاحت الستارة عن المرأة بتلويناتها(الأم- الزوجة- الأخت- الجدة- المومس.......) ووظفت الجميل والقبيح تحت مصباح القلم والحبر لتحقق هدفها السامي في حرية المرأة وانصافها، لتتحدث عبر الأحداث والتفاصيل عن القرارات العائلية الجائرة بقصد الزواج من رجل ما دون رغبة المرأة وتحت طقوس مؤسسة الزواج التقليدي، لتبرز قضية معاناة المرأة في حياتها الزوجية، والتي تصل بأشكالها ورموزها إلى لوحة اغتصاب الزوج للزوجة في سبيل متعته واطفاء نيران الشهوة المتحكمة لديه، وهنا الإنتهاك للغة الجسد الذي هو بحاجة لمشاركة وتفاهم ما بين الرجل والمرأة، كلغز ورمز يحتاج لتعاونهما معا في فك شيفرته.\ مود\ هو الزوج الرجل الذي يمتلك لغة خاصة به،لغة تتحدث بنرجسية وأنانية ذكورية قبيحة بعيدة عن الإحترام والإحساس بالشريك الآخر المرهفة الشعور ألا وهي (الزوجة).
حقيقة إن الكتب والأوراق تستطيع أن تلفظ الحقائق، وكذلك الصفحات، لتعكس حياة النساء أو الإناث في مجتمعاتنا الشرقية التي تسير عكس الإتجاه وما زالت غارقة في مستنقعات وحلية ضحلة وأنماط حياتية تشوّه قدسية\ آدم وحواء \كشريكين متساويين منذ الأزل.
في هذه الأوراق التي بين أيدينا التي تتحدث عن نساء داخل أقفاص ومن وراء الجدران، عالم (نساء الشقوق) حين تكن مسجونات في البيت وتغلق عليهن الأبواب وتوصد النوافذ، لكن تأتي فضيلة الفاروق في مغامرة خطيرة لتحطم الموانع وتجوب في شوارع قسنطينة وباريس عن الحريم وحكايات تنزف وتنزف الأنثى وتبكيها، وتبكي هي أيضا واقعها، ومسألة العنوسة حين تكبر الفتاة في العمر فيسابقها الزمن والموضة والحياة، وتشعر بأنها أصبحت أسيرة الغبار والصدأ الحياتي، وتجد نفسها فجأة مهملة على الرفوف المنسية،فالمجتمعات من حولنا تنهي حياة المرأة حين تبلغ الثلاثين، إضافة إلى الرقابة الأبوية والأسرية التي هي مشكلة كبيرة تثير الخوف في قلب المرأة، وتعيش تحت هواجسه وكأنها في سجن لاتستطيع فيه حتى أن تحلم أو تفكر بالحب، وتتحول إلى فأرة صغيرة في قفص ينتهي بها إلى كره لكل ما يصنف \ ذكرا\.
صرخة أنثى تمسك بالجرح في العراء وتبدي إحتجاجها واحتياجها للجلوس إلى كل نساء العالم، لتفهمهم ويفهونها، وكيف تمارسن حياتهن وتعشنها دون اكتراث للمنغصات المحيطة من ثقافة (النظام الأبوي) والقضبان الحديدية لقانون القبيلة والعائلة والعشيرة وكل الثقافات الذكورية التي تمارس بجبن تحت أجنحة (الشرف).
طقوس في الخيانة الزوجية حيث عالم آخر هو في كينونته هروب من زوج أو زوجة، تحت ظلال المتعة والجنوح العاطفي وإيقاعات الشهوة المجنونة، حين تكون النار سيدة للنفس وتضطرم في بيادر الجسد الجائع، وتلفظ الأنفاس أبجدية موّحدة هي (لغة الشهوة) التي تقيد الذكر والأنثى بسلاسلها الذهبية الحمراء، ليصبحا آتونا للإثم، وحطبا لجمر الجوع والظمىء الجنسي.
هي تسير في مجتمعات معتمة، حاملة شعلة المؤنثة الباحثة عن التحرر وتحرير المرأة من كل القيود الداخلية والبيئية، حتى لو إنتهى المصير إلى \ الطلاق\ وما يحمله الطلاق من نظرة اجتماعية مريبة للمرأة المطلقة، التي ستسير وفق منظور الجميع في طريق الخطيئة..امرأة مستباحة للذكور... عنوان للعهر في الدفتر الشرقي؟؟؟؟؟؟
إلى جانب قضية المرأة وآلامها، لم تخفي الكاتبة ارتباطها الزمني والمكاني والروحي مع قسنطينة وهواجس الشوق إليها وإلى ذكرياتها هناك، فتعود من جديد لتنكش التكفيريين تفضح جرمهم،هؤلاء فقهاء الظلام وصنّاع الموت، حين يغتالون الإنسان لأتفه الأسباب، في خطاب ثوري ضد الفكر الإصولي السلفي الذي يعصف بوطنها.
برعت حين غمست أنفاسها في (الجنس) دون أن تكترث بالهمس من حولها في كل شارع ورصيف،وتناولته كثقافة عصرية وحاجة ضرورية ضمن احتياجاتنا اليومية، كما الماء والخبز والهواء، وما على الرجل والمرأة سوى احترام الممارسة الفنية وطقوسه، ضمن دواعي الرغبة والواجب والشراكة في صناعة المتعة،وكشفت الغطاء عن المثقفين العرب الذين يعتبرون المرأة خيمة مستباحة للمتعة والشهوة، وكل نضالاتهم هي لأجل الحرية الجنسية، أكثر من العمل على تحرير المرأة من واقعها الأسود والمأساوي.
الحبّ ينساب من تحت ايقاعاتها رومانسيا جميلا، على أنغام الموسيقا والأفلام السينمائية الخصبة الخيال،فالحبّ في روضتها مطعّم بالشهوة والجنون والرغبة الجامحة في صناعة العشق والإنغماس في عوالمه، حين يشعر الإنسان أنه بحاجة لأن يتكسر ويتحطم في لعبة العواطف وخدعها، ونجدها تستنجد ب \ باولو كويلو\ : (الجنس بلا عاطفة عنف نمارسه على أنفسنا). فالأنثى مخلوقة جميلة تحتاج إلى لغة خاصة وإيقاعية عذبة، لغة قصائدية تتوافق مع إطلالة الفجر والنهار وسكون الليل، فهي المرأة التي تقدس تاء التأنيث في خرائطها الأدبية، تبحث عن حلم تائه، والشاطر من يستطيع أن يفك الشيفرة الوراثية لديها، ففي عمق كل امرأة أماكن كثيرة تشبه الغابات والأدغال والأرض الخصبة،يجهلها الرجل،لذلك يتعب من حياته، مرة لأنه لا يعرف المرأة، ومرة لأنه لايحاول أن يعرفها.
رغم الرقابات والقيود الإجتماعية البالية على حياة النساء الشرقيات، نجدهن يمارسن حرية صغيرة داخل البيئة الشعبية الإنثوية (الحمّام النسائي) حين تتعرى من ثيابها لتستحم من كبتها وخجلها وعصي الرقابات، ولتتحدث كل واحدة عن همومها وأحزانها والجنس والشهوة والحلم،وفتح أبواب الأسرار مشرعة للريح ولنون النسوة.ففي المجتمع الشرقي بالنسبة إلى المرأة كل شيء ممنوع وتتكاثر الخطوط والمحرمات الإسمنتية، حيث الحبّ شبهة وجريمة، فمثلا من المعيب أن نسأل المرأة المتزوجة \ هل تحبّ زوجها\ لأن الإعتراف بالحبّ هو كالزنى،كالخطايا، كالكبائر، أو كالقتل.. وهذا بعض من كثير مما يحصل من انتهاكات فاحشة تحصل في عالم الحريم والنساء؟
المرأة حين تحلم بشمس الحرية والإحترام والعدالة مع الرجل، سواء في صناعة القرار أو العمل وكل ما يتعلق بالعقد الإجتماعي، كذكر وأنثى يشكلان معا مفهوم الحياة والأسرة، فهو تجاوز للواقع المتوارث وعيب، وتمرّد على الأعراف، وخطيئة بحق الدين، تبلور إلى كفر لأن \ الرجال قوّامون على النساء\. لهذا نجد الرواية في نهاياتها تنهي حلم المرأة في الحياة الكريمة والمتساوية، لتخمد تحت الرماد كل الآمال الأنثوية مع (باني) التي كانت تعيش في غيبوبة، وكل ما حدث كان سرابا وحلما تبخر بمجرد استيقاظها،وأضحت طقوسا للذاكرة وللشهوة المستباحة في عالم اللاشعور.
في \إكتشاف الشهوة\ نكتشف أكثر من حقيقة ووقائع داخل أعماق المرأة، وما يجري لها تحت السقوف ومن وراء الأبواب،قد يكون التعبير عن ذلك خروجا عن المألوف والعادة، وفاحشة كبرى نتجنبها،في كل مرّة يرفع الرادع الإجتماعي صوته في وجهنا، والإنطوائية التي تخدّر ذاكرتنا وأبصارنا، لدى كل من الرجل والمرأة في عالم الشرق، حين البحث عن الشهوة والمتعة، والحرية الشخصية، لتصبح الرغبة مدفونة تحت أوراق الشجر،وفي سرية وداخل الأزقة الممنوعة والمجهولة،وينتهي كل شيء على شواطىء عويل الحرية والتحررية والإستقلالية الوجدانية والجسدية والروحانية المسافرة مع صهيل الأنثى التاريخي.
إذا هي فضيلة الفاروق الأديبة التي يمكن اعتبارها من القليلات في شرقنا تصرخ بأعلى صوتها،وتطرح قضية المرأة ومعاناتها، وتسلط الضوء على كهوفها المظلمة والمالحة بشفافية صلبة وجبارة، وجرأة إنثوية حطمت صمت الخجل، وليكون صدى صوتها يحلّق نحو المجتمعات،ونحو النساء اللاتي عليهن أن تستيقظن من سباتهن والوهم المرير المحيط بهن، فمن الصعب تحويل الخيال والحلم إلى حقيقة في ظل مجتمعات نسائه صامتات وتضيع أصواتهن في عادات عائلية تافهة، لأجل فرح عابر ونقاشات جامدة وزيجات تقليدية تنتهي بالفشل ونهاية حزينة للمرأة. كل ما يحصل هو في أسبابه ناجم عن ثقافة القمع بحق الشعوب المسكينة، التي هي بحاجة إلى ثورة عارمة تطهّر وجه الحياة الشرقية من البثور والشوائب، وتزيل نظام السجون والرقابات والموانع والأنماط المعيشية المقرفة التي تكاد لاتنتهي ولا تتغير، حتى فضيلة الفاروق احتمت كأنثى في ظلال القصيدة التي احتضنت حلمها ولغزها على ظهر الورق وفي جوانح الرواية، لتغني الكلمات معها حلم كل أنثى وامرأة :
كوني طليقة كالغزالة
كوني فوق كل الرجال
حرري حنّاء ظفائرك
وارتدي فستانا من الزهور
\باني\ أيا امرأة تحطم جدران العبودية
جدائلك حكايات وعصافير تهمس حرّية
لنكتشف الشهوة وما ورائها
لن نخجل من صوتنا الإنثوي الآثم؟!
لنقل الحقيقة
فظلالنا لن تنسلخ عنا
ليس إثما...
بل كل هذا عمل إلهي.
ndash; بيروت تموز 2008
هي تعيش ثورتها الإنثوية البيضاء في عالم يطغى عليه السلطة الأبوية والقبلية والذكورية الطافحة،لتلصق المرأة بقانون الغابة الذكورية داخل أعراف وتقاليد الحياة الشرقية،وتنصاع غصبا وقسرا لهذه السلطة المتوارثة جيل عن جيل،وتخشى الكثيرات أو الغالبية من خدش زجاجها الملوث خوفا من العار أو العهر وكل مرادفات ونعوت الخطيئة التي ستلصق بها.
كمخلوقة ضعيفة ومهمّشة وجدت كمادة استهلاكية للمتعة والفراش والمطبخ وإنجاب الأولاد وانتظار الموت تحت أقدام (سي السيد) حيث خلقت من ضلعه كقدر إلاهي.
الثورة التي أعلنتها الروائية الجزائرية كانت من بيروت الحرية، ثورة عبر الورق والحبر والثقافة،هي معركة دون حراب ودون سهام ودون ضحايا،فالضحايا بالملايين من حولنا داخل البيت ومن وراء الجدران وتحت الخيمة، وما يربطهن بالحياة نافذة وكوّة صغيرة. ووشاح يلازمها من الطفولة، هو الحجاب الذي يمنع عن عينيها نور الشمس ولغة الريح فهذا إثم كبير وخروج عن الإرث الشرقي.
ثورتها الوردية بدأت منذ طفولتها وعبرت مراهقتها حين كتبت \ لحظة لاختلاس الحب 1997\ كقصص تختلس الحب، ومن ثم\ مزاج مراهقة 1999\ التي احتوت في أعماقها حلم الفتاة المراهقة في الحرية والحب والأمل والثورية وحب الوطن، والتمرد على السلطات والرقابات وقذف الحجاب المقيد، لتتحول إلى امرأة ناضجة تتجرد من حيائها وخجلها وانكساراتها، وتبلغ الذروة في الشجاعة والتحدي في \ تاء الخجل 2003 \ لتجسّد معاناة الفتيات داخل وطنها الجزائر، حين كانت النساء تخطفن وتغتصبن تحت سطوة الأمير السلفي حيث الإصولية التكفيرية، والنهايات لهن هو عقاب الموت بيد الأهل لإشباع قانون ورغبات العرف في \غسل العار\.
استطاعت أن تجرّد الواقع النسائي داخل المحيط الشرقي، وتطورت إلى محورية أكثر جرأة وشفافية، فوضعت أصابعها على الجرح وكشفت النزيف ورفعت صوتها عاليا، لتمزق لوحة الخجل والصمت الإنثوي ليكون كل شيء أمامنا عاريا في \إكتشاف الشهوة\ التي تتقمصنا وتهرول في مجرى الشريان الذي نمارس عليه حق الكبت، حتى لاننعت بالفسق والجنون في مجتمع محرماته أكثر من حرياته. وهي تدرك رغم هذا إن الأصوات والقراءات ستكثر حول الرواية حين مشت في دروب المحرّمات(حسب التعبير المتوارث) من ثقافة المتعة والجنس ولغة الجسد في أدق تفاصيلها وتعبيراتها.لكن ما حوته الصفحات والأوراق والسردية اللغوية، هي أكثر من شهوة،وأكثر من حكاية، إنها حقيقة وواقع المرأة الشرقية تحت وطأة قانون الأب والأخ والزوج والعشيق،ضمن نمط ونموذج إجتماعي يكسر ويحطم المرأة ويقلل من انسانيتها وكرامتها.
تقمصت الروائية روح (باني) كرمز للمرأة الشرقية المظلومة الحالمة بالتحرر، التي تحاول أن تكون حلما للرغبة في الحياة كما تريد،لا كما يريد الأخرون، وتشاركها هذه الحياة شخوص من الرجال والنساء هم مرايا لواقع مؤسف ومؤلم،في زمن لاينتهي وأمكنة شاسعة جرى عليها اسقاطات جغرافية ولغوية، وليسلط الضوء على الحدث في قسنطينة وشارع شوفالييه وباريس التي هي جميلة كالمرأة في حلاوتها وحزنها وفرحها.
قسنطينة المدينة الجزائرية ذات الأزقة الحجرية الضيقة وأصوات العطارين العذبة والحزينة وجدران البيوت، كل هذه الأشياء هي التي كانت تستوعب الكاتبة، ويتحول إلى مونولوج وتخاطب وجداني وروحي وسحر مألوف. حين كتبت إكتشاف الشهوة أرادت أن توصل رسائلها عبر الريح الهادئة إلى الجميع، ذكورا وإناثا،ولم تحاول أن تخفي أي شيء في أعماقها،أو تدفن الممنوعات والخطايا في تربة الخجل،بل أزاحت الستارة عن المرأة بتلويناتها(الأم- الزوجة- الأخت- الجدة- المومس.......) ووظفت الجميل والقبيح تحت مصباح القلم والحبر لتحقق هدفها السامي في حرية المرأة وانصافها، لتتحدث عبر الأحداث والتفاصيل عن القرارات العائلية الجائرة بقصد الزواج من رجل ما دون رغبة المرأة وتحت طقوس مؤسسة الزواج التقليدي، لتبرز قضية معاناة المرأة في حياتها الزوجية، والتي تصل بأشكالها ورموزها إلى لوحة اغتصاب الزوج للزوجة في سبيل متعته واطفاء نيران الشهوة المتحكمة لديه، وهنا الإنتهاك للغة الجسد الذي هو بحاجة لمشاركة وتفاهم ما بين الرجل والمرأة، كلغز ورمز يحتاج لتعاونهما معا في فك شيفرته.\ مود\ هو الزوج الرجل الذي يمتلك لغة خاصة به،لغة تتحدث بنرجسية وأنانية ذكورية قبيحة بعيدة عن الإحترام والإحساس بالشريك الآخر المرهفة الشعور ألا وهي (الزوجة).
حقيقة إن الكتب والأوراق تستطيع أن تلفظ الحقائق، وكذلك الصفحات، لتعكس حياة النساء أو الإناث في مجتمعاتنا الشرقية التي تسير عكس الإتجاه وما زالت غارقة في مستنقعات وحلية ضحلة وأنماط حياتية تشوّه قدسية\ آدم وحواء \كشريكين متساويين منذ الأزل.
في هذه الأوراق التي بين أيدينا التي تتحدث عن نساء داخل أقفاص ومن وراء الجدران، عالم (نساء الشقوق) حين تكن مسجونات في البيت وتغلق عليهن الأبواب وتوصد النوافذ، لكن تأتي فضيلة الفاروق في مغامرة خطيرة لتحطم الموانع وتجوب في شوارع قسنطينة وباريس عن الحريم وحكايات تنزف وتنزف الأنثى وتبكيها، وتبكي هي أيضا واقعها، ومسألة العنوسة حين تكبر الفتاة في العمر فيسابقها الزمن والموضة والحياة، وتشعر بأنها أصبحت أسيرة الغبار والصدأ الحياتي، وتجد نفسها فجأة مهملة على الرفوف المنسية،فالمجتمعات من حولنا تنهي حياة المرأة حين تبلغ الثلاثين، إضافة إلى الرقابة الأبوية والأسرية التي هي مشكلة كبيرة تثير الخوف في قلب المرأة، وتعيش تحت هواجسه وكأنها في سجن لاتستطيع فيه حتى أن تحلم أو تفكر بالحب، وتتحول إلى فأرة صغيرة في قفص ينتهي بها إلى كره لكل ما يصنف \ ذكرا\.
صرخة أنثى تمسك بالجرح في العراء وتبدي إحتجاجها واحتياجها للجلوس إلى كل نساء العالم، لتفهمهم ويفهونها، وكيف تمارسن حياتهن وتعشنها دون اكتراث للمنغصات المحيطة من ثقافة (النظام الأبوي) والقضبان الحديدية لقانون القبيلة والعائلة والعشيرة وكل الثقافات الذكورية التي تمارس بجبن تحت أجنحة (الشرف).
طقوس في الخيانة الزوجية حيث عالم آخر هو في كينونته هروب من زوج أو زوجة، تحت ظلال المتعة والجنوح العاطفي وإيقاعات الشهوة المجنونة، حين تكون النار سيدة للنفس وتضطرم في بيادر الجسد الجائع، وتلفظ الأنفاس أبجدية موّحدة هي (لغة الشهوة) التي تقيد الذكر والأنثى بسلاسلها الذهبية الحمراء، ليصبحا آتونا للإثم، وحطبا لجمر الجوع والظمىء الجنسي.
هي تسير في مجتمعات معتمة، حاملة شعلة المؤنثة الباحثة عن التحرر وتحرير المرأة من كل القيود الداخلية والبيئية، حتى لو إنتهى المصير إلى \ الطلاق\ وما يحمله الطلاق من نظرة اجتماعية مريبة للمرأة المطلقة، التي ستسير وفق منظور الجميع في طريق الخطيئة..امرأة مستباحة للذكور... عنوان للعهر في الدفتر الشرقي؟؟؟؟؟؟
إلى جانب قضية المرأة وآلامها، لم تخفي الكاتبة ارتباطها الزمني والمكاني والروحي مع قسنطينة وهواجس الشوق إليها وإلى ذكرياتها هناك، فتعود من جديد لتنكش التكفيريين تفضح جرمهم،هؤلاء فقهاء الظلام وصنّاع الموت، حين يغتالون الإنسان لأتفه الأسباب، في خطاب ثوري ضد الفكر الإصولي السلفي الذي يعصف بوطنها.
برعت حين غمست أنفاسها في (الجنس) دون أن تكترث بالهمس من حولها في كل شارع ورصيف،وتناولته كثقافة عصرية وحاجة ضرورية ضمن احتياجاتنا اليومية، كما الماء والخبز والهواء، وما على الرجل والمرأة سوى احترام الممارسة الفنية وطقوسه، ضمن دواعي الرغبة والواجب والشراكة في صناعة المتعة،وكشفت الغطاء عن المثقفين العرب الذين يعتبرون المرأة خيمة مستباحة للمتعة والشهوة، وكل نضالاتهم هي لأجل الحرية الجنسية، أكثر من العمل على تحرير المرأة من واقعها الأسود والمأساوي.
الحبّ ينساب من تحت ايقاعاتها رومانسيا جميلا، على أنغام الموسيقا والأفلام السينمائية الخصبة الخيال،فالحبّ في روضتها مطعّم بالشهوة والجنون والرغبة الجامحة في صناعة العشق والإنغماس في عوالمه، حين يشعر الإنسان أنه بحاجة لأن يتكسر ويتحطم في لعبة العواطف وخدعها، ونجدها تستنجد ب \ باولو كويلو\ : (الجنس بلا عاطفة عنف نمارسه على أنفسنا). فالأنثى مخلوقة جميلة تحتاج إلى لغة خاصة وإيقاعية عذبة، لغة قصائدية تتوافق مع إطلالة الفجر والنهار وسكون الليل، فهي المرأة التي تقدس تاء التأنيث في خرائطها الأدبية، تبحث عن حلم تائه، والشاطر من يستطيع أن يفك الشيفرة الوراثية لديها، ففي عمق كل امرأة أماكن كثيرة تشبه الغابات والأدغال والأرض الخصبة،يجهلها الرجل،لذلك يتعب من حياته، مرة لأنه لا يعرف المرأة، ومرة لأنه لايحاول أن يعرفها.
رغم الرقابات والقيود الإجتماعية البالية على حياة النساء الشرقيات، نجدهن يمارسن حرية صغيرة داخل البيئة الشعبية الإنثوية (الحمّام النسائي) حين تتعرى من ثيابها لتستحم من كبتها وخجلها وعصي الرقابات، ولتتحدث كل واحدة عن همومها وأحزانها والجنس والشهوة والحلم،وفتح أبواب الأسرار مشرعة للريح ولنون النسوة.ففي المجتمع الشرقي بالنسبة إلى المرأة كل شيء ممنوع وتتكاثر الخطوط والمحرمات الإسمنتية، حيث الحبّ شبهة وجريمة، فمثلا من المعيب أن نسأل المرأة المتزوجة \ هل تحبّ زوجها\ لأن الإعتراف بالحبّ هو كالزنى،كالخطايا، كالكبائر، أو كالقتل.. وهذا بعض من كثير مما يحصل من انتهاكات فاحشة تحصل في عالم الحريم والنساء؟
المرأة حين تحلم بشمس الحرية والإحترام والعدالة مع الرجل، سواء في صناعة القرار أو العمل وكل ما يتعلق بالعقد الإجتماعي، كذكر وأنثى يشكلان معا مفهوم الحياة والأسرة، فهو تجاوز للواقع المتوارث وعيب، وتمرّد على الأعراف، وخطيئة بحق الدين، تبلور إلى كفر لأن \ الرجال قوّامون على النساء\. لهذا نجد الرواية في نهاياتها تنهي حلم المرأة في الحياة الكريمة والمتساوية، لتخمد تحت الرماد كل الآمال الأنثوية مع (باني) التي كانت تعيش في غيبوبة، وكل ما حدث كان سرابا وحلما تبخر بمجرد استيقاظها،وأضحت طقوسا للذاكرة وللشهوة المستباحة في عالم اللاشعور.
في \إكتشاف الشهوة\ نكتشف أكثر من حقيقة ووقائع داخل أعماق المرأة، وما يجري لها تحت السقوف ومن وراء الأبواب،قد يكون التعبير عن ذلك خروجا عن المألوف والعادة، وفاحشة كبرى نتجنبها،في كل مرّة يرفع الرادع الإجتماعي صوته في وجهنا، والإنطوائية التي تخدّر ذاكرتنا وأبصارنا، لدى كل من الرجل والمرأة في عالم الشرق، حين البحث عن الشهوة والمتعة، والحرية الشخصية، لتصبح الرغبة مدفونة تحت أوراق الشجر،وفي سرية وداخل الأزقة الممنوعة والمجهولة،وينتهي كل شيء على شواطىء عويل الحرية والتحررية والإستقلالية الوجدانية والجسدية والروحانية المسافرة مع صهيل الأنثى التاريخي.
إذا هي فضيلة الفاروق الأديبة التي يمكن اعتبارها من القليلات في شرقنا تصرخ بأعلى صوتها،وتطرح قضية المرأة ومعاناتها، وتسلط الضوء على كهوفها المظلمة والمالحة بشفافية صلبة وجبارة، وجرأة إنثوية حطمت صمت الخجل، وليكون صدى صوتها يحلّق نحو المجتمعات،ونحو النساء اللاتي عليهن أن تستيقظن من سباتهن والوهم المرير المحيط بهن، فمن الصعب تحويل الخيال والحلم إلى حقيقة في ظل مجتمعات نسائه صامتات وتضيع أصواتهن في عادات عائلية تافهة، لأجل فرح عابر ونقاشات جامدة وزيجات تقليدية تنتهي بالفشل ونهاية حزينة للمرأة. كل ما يحصل هو في أسبابه ناجم عن ثقافة القمع بحق الشعوب المسكينة، التي هي بحاجة إلى ثورة عارمة تطهّر وجه الحياة الشرقية من البثور والشوائب، وتزيل نظام السجون والرقابات والموانع والأنماط المعيشية المقرفة التي تكاد لاتنتهي ولا تتغير، حتى فضيلة الفاروق احتمت كأنثى في ظلال القصيدة التي احتضنت حلمها ولغزها على ظهر الورق وفي جوانح الرواية، لتغني الكلمات معها حلم كل أنثى وامرأة :
كوني طليقة كالغزالة
كوني فوق كل الرجال
حرري حنّاء ظفائرك
وارتدي فستانا من الزهور
\باني\ أيا امرأة تحطم جدران العبودية
جدائلك حكايات وعصافير تهمس حرّية
لنكتشف الشهوة وما ورائها
لن نخجل من صوتنا الإنثوي الآثم؟!
لنقل الحقيقة
فظلالنا لن تنسلخ عنا
ليس إثما...
بل كل هذا عمل إلهي.
ndash; بيروت تموز 2008
التعليقات