عاهة
منذ فقدانه إحدى ساقيه و هو يفكر،
كيف يستكمل إنسان جسده بالمعدن
إذ راحت تهاجمه الوساوس
فترتفع حرارة جسده
و يفقد صوابه
كلما وقعت عيناه على أشياء صدئة
كما ضرب حصارا حول انفعالاته
بعد أن فوجئ بنفسه يصرخ ذات مرة:
..... أنا من لحم و دم ......
صار نومه جريا في صحراء معادية ينكشف فيها المدى عن وجه عملاق يطلق شظايا تعيد أرواحا إلى الرب و تستنبت في أخرى جراحات و عاهات و شهيقا لا يهتدي إلى الرئتين إلا بصحوه على مشهد ساق وحيدة ترفس الفراش و تملأ ظلام الغرفة بآلاف الصور لوجه طبيب الجراحة الودود الذي أخضع جسده شهورا طويلة لمشارط و عقاقير و لمسات مهنية تسوطه عبر نفق من ضباب كثيف إلى حياة سابقة يرى فيها طبيب الجراحة عشيقا لزوجته بوعي يؤلمه فلاش التساؤل: أي اسم لحوائط نمت بيني و بينك سوى الخيانة؟
قانون المصادفات الخفي عرض - بعد مصادفة الشظية السيئة - مصالحاته؛ قرأ أن الإنسان صانع لوجوده فأعاد فتح ملفات الماضي مدققا في سيناريوهات من نوع:
أي الساقين كانت الأسرع في الطريق إلى العاهرات؟
أي الساقين كانت الأبطأ في الطريق إلى المساجد؟
حتى انتهى به الأمر إلى أي الساقين خانت: من توارت عند الخطر أم من رحلت تاركة الأخرى لنكد الانتماء إلى ذي عاهة؟
وهكذا صارت الخيانة فلكا لتأملات تزداد سخونة في الأعياد القومية دافعة إياه إلى التفكير في نصره الشخصي الوحيد هناك حين يحدث نقصان جثته ارتباكا في صفوف الدود الذي يمتلك ذاكرة لم تقو على الاحتفاظ بمذاق قديم لساق متبلة بالبارود و رائحة تعقيم يدي طبيب الجراحة..
في مديح الجاز
متحدا مع الليل و أضواء الملهى الثقيلة و آلام المرتادين
يدخل العازف الأسود بإرث من العبودية
يضمن له رصيدا لا ينفد من النفخ...
الطويلة الهادئة تنفث حنينا للغابات
العالية المتلاحقة
أمواج تقلنا إلى العالم الجديد
و القصيرة الحاسمة
إلى نهاية الخلق و يوم يبعثون.
وبينما الشاعر مأخوذ برؤاه حول علب يعجن فيها اللحم البشري بالدموع و العرق و بخارآهات يتكاثف معاودا السقوط من سماء الساكسفون ، يطل الله من فرجة في السماء مشهدا ملائكته بفرح طاغ:
انظروا صنعتي.
الإسكندرية