في كتابه quot;مدخل في الموسيقىquot;
محمد قابيل: موسيقا إسرائيل من كل فيلم أغنية
محمد الحمامصي: منذ فجر الإنسانية تشكل الموسيقى جوهرا أساسيا في التركيبة الإنسانية، عرفها الإنسان البدائي في الكهوف ثم طورتها الحضارات حضارة تلو الأخرى، حتى الديانات السماوية احتفت بالموسيقى وطالبت أتباعها بترتيل وتجويد وتحسين تلاوة النصوص الدينية المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم، لما في ذلك من أثر كبير على النفس البشرية التي جبلت على حسن استقبال الأصوات الجميلة سواء البشرية أو تلك التى تصدر عن الطيور، وسجل لنا التاريخ حفاوة بالغة أصحاب الأصوات الجميلة والآلات الموسيقية البدائية الأولى، وأخذ يتتبع الإنسان في شغفه بهذا العالم الروحاني فظهرت الكثير من الكتب التي دونت المحاولات الأولى لصياغة نغم أو أصوات متجانسة على الجدران في مختلف الحضارات، وتعد الموسيقي في الحضارة الفرعونية القديمة علما مهما تطور على يد المصريين الأوائل فقدموا فيه تجليات رائعة سجلتها البرديات والحفائر في المعابد الكبرى، لقد عرف المصريون القدماء السلم الموسيقي ذا السبع درجات وربطوها بالأجرام السماوية، وكان عدد الكواكب خمسة هي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل ولما زاد عددها إلي سبعة بإضافة الشمس والقمر استقر السلم الموسيقي على سبع درجات، وهذا يدل على أن الموسيقى عند قدماء المصريين كانت فنا ربانيا من العلوم المقدسة مثل الدين والفلك والطب والفلسفة، أما مخترع الموسيقى فكانوا يلقبونه بـquot;ابن الأبديةquot;، وهذا الكتاب quot;مدخل في الموسيقىquot; للمؤرخ الفني محمد قابيل يضع أيدينا علي جوانب هامة في هذا العالم بادئا بالموسيقى الأوروبية متتبعا نشأتها الأولى التي كان للمعجزة اليونانية الموسيقية دورا بارزا في تأسيسها، فقد استفادت أوروبا من فن الشرق الأدنى مهبط الديانات ومن اليونان مهبط الحكمة، ليدخل بعد ذلك العصر المسيحي، ويفرد العديد من الصفحات لأشهر المؤلفين في الموسيقى الأوروبية بدءا من القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين، كاشفا عن تاريخ ودور هذا الموسيقار ومسجلا أهم إضافاته وروائعه.
أما الموسيقى الشرق عربية كما يطلق عليها فيبدأ معها من الحضارة الفرعونية دون إغفال لحضارات أخرى في الشرق الأوسط، ويتوقف عند الكنيسة القبطية ودروها باعتبارها مملوءة بالكنوز الطقسية والألحان، وكل ترنيمة هي نص من الشعر والنثر واللحن الذي ترتل به يعبر عن معانيها. مشيرا إلي أن الموسيقي القبطية نشأت من وقت كانت اللغة الرسمية للمصالح الإدارية والطقوس الكنسية هي اليونانية.
وحين يأتي محمد قابيل إلي العرب في العصر الجاهلي يرى أنه لم يكن يخلو بيت من بيوت الأشراف والحضر من ظاهرة القيان العجم والروم ومصر بآلاتهم الموسيقية، ويقول : غناء الشعر على إيقاع الجمل النغمة الواحدة التي تعيشها كل الصحراء، كان الحداء مقصورا على الرجال أما المرأة فقد تخصصت في غناء المراثي والنواح، وذلك لتحريض القبيلة والتعبير عن الحزن والأسى.
لقد لبست الموسيقى في صدر الإسلام ثوبا دينيا ناصعا يوم سرت تلاوة القرآن بالصوت الجميل في الناس سريان العافية في الجسم السليم، ومن المعروف أن النظم الموسيقي الرائع أحد سمات بل إعجاز القرآن الكريم، كانت الألحان مقصورة على الترتيل القرآني والأذان وصلاة العدين والتكبيرات ثم إنشاد الشعر.
ويتتبع قابيل رحلة الموسيقي في بلاد العرب من صدر الإسلام إلي عصور الأمويين والعباسيين والأندلسيين والفاطميين والمماليك، ثم يتوقف عند القرنين التاسع عشر والعشرين ليرصد موسيقى كل بلد على حدة وأهم روادها وما قدموه من تطور لهذا الفن السامي، حتى إذا وصل إلي الحجاز/ المملكة العربية السعودية رأى أنه في عصر الملك عبد العزيز آل سعود تم تحريم الموسيقى باعتبار أن احترافها وتشجيعها مخالفة صريحة للدين، حتى أصبحت الحجاز تكاد تكون خالية من الناحية الفنية إلا من الطبول المفردة التي تدق أمام صفوف الجيش.
وفيما يتعلق بإسرائيل يقول محمد قابيل : وإسرائيل من دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، بل أن بعض البد في العالم يرون أنها هي quot;الشرق الأوسط نفسهquot; أما موسيقاها فهي من كل فيلم أغنية، أو هي متعددة بعدد عناصر الدولة اليهودية التي جاء شعبها من دول العالم كله، ولكل موسيقاه وثقافته.
وتحت عنوان الأغنية المصرية ديوان الحياة يرى قابيل أن الأغنية المصرية رصدت كل الأحداث الاجتماعية والوطنية والتاريخية التي مرت بها البلاد في العصر الحديث، سجلت إنجازات المصريين وعبرت عن انكساراتهم، بالإضافة إلي دورها العظيم في توحيد الصفوف وراء أهداف قومية طرحتها الظروف في سنوات القرن العشرين، وقد بلغت الأغنية على يد سيد درويش درجة كبيرة من الوعي وأسهمت في تزكية الروح الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي ووقفت في الصفوف الأولى للثورة الوطنية عام 1919، ولما قامت ثورة يوليو 1952 أبلت بلاء حسنا ووصلت لقمة التأثير الشعبي واتخذت لها مكانا بارزا في تاريخ الغناء بصفة عامة، ثارت مع الثوار وتحركت مع كل تحركت الثورة فأصبحت ديوانا لها، واكتسبت مذاقا جميلا حيث طارت على جناح الصدق والاقتناع فابتسمت وتفاءلت وأشرقت وإن أسرفت على نفسها في بعض الأحيان بالمبالغة في مدح قائد الثورة، في حين بخلت بذلك على رموز البلد الأخرى مثل الراية المصرية.
ويفرد قابيل فصلا كاملا عن الآلات والأدوات الموسيقية ونشأتها وتطورها ثم يتوقف مع الآلات الأوروبية فالآلات الشرق عربية في مختلف البلدان العربية، وهكذا يفعل في فصل آخر مع الصيغ والقوالب الموسيقية.
الكتاب: مدخل في الموسيقى
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة
المؤلف: محمد قابيل
الطبعة الأولى: rlm;2009rlm;rlm;
عدد الصفحات: 165