عبد الجبار العتابي من بغداد: صدرت للشاعر العراقي عبد الستار جبر الاسدي عن دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة العراقية، مجموعة شعرية تحمل عنوان (عصفور الصمت) تقع في (128) صفحة من الحجم الوسط، وتتضمن (36) نصا شعريا، نتاج سنوات عديدة من التسعينيات الى سنوات واقع العراق الاخيرة، والعنوان هو لنص داخل المجموعة،افتتح النصوص بمستهل كأنه يجيء خلاصة لكل ما فيها، او ان الشاعر وضعه متعمدا مثل لافتة تلفت النظر وتثير الاهتمام، كدلالة على ما تتضمنه المجموعة، وقد رسم حكمة اراد ان يقول عبرها ما تمخض في نفسه حيث اصبح الموت قريبا من راحة اليد، انه يقول في المستهل هذا:

(ما بين منفضة السجائر والحياة:
رماد بقايا تترسب في القعر
فلا فرق بين من يحترق
ومن يموت
فليس هناك
اكر موتا
من الحياة..)

وعلى الرغم من ملامح الصمت التي تبدو على سيماء المجموعة وذلك العصفور الصغير الذي يبدو انه ليس بمقدوره ان يطلق نبرة، الا ان ما في داخل المجموعة غير ذلك، فهناك صراخ يجعل من ساحة القلب ملعبا للتأوهات والزفرات والوخزات المؤلمة، وفي قراءة سريعة لعناوين النصوص نجد اغلبها عليها اثار مرارات وقلق وخوف وسلبية مثل: حائط الموتى، عقارب متآكلة، شارع الرماد، صلب على خريطة الهدوء، بوصلة الرحيل، كلمات من حجر، غبار القيامة، طفل من رماد، اوراق مصلوبة، ورقة تنتحر، صورة تتساقط، عميان يغنون، حروف الموت وتأبين اخر حلم)، وهي لا تأتي الا من خلال ما يختلج في نفس الشاعر التي تستعر بنيران متعددة المصادر، فيقول قوله وهو يصطخب وجعا:
(قف برهة
وانتظر:
قافلة الذين أتوا الان من القلب
يسيرون خلف جنازة الزمن
وفي التابوت كلمات متآكلة
بكت عليها العيون المرتقة بالرصاص،
اقطف من الالم باقات من الزهور
فالقبور تناسلت
وبوسع شفتيك ان ترتجفا من البرد
وتشاركا البحر في احتضاره)

ويمضي الشاعر في سرد اوجاعه على ارصفة الزمن وهو يتناولها من الواقع المعاش، لا يعرف كيف يتنصرف بالكلمات التي تهب دفعة واحدة في رئتيه فتكاد تحنقه، احيانا يقطرها واحيانا يفتح لها كل ابواب نفسه لتهرع مندفعة بصراخها وقسوتها جارفة اشياء كثيرة معها، ومع الصمت الذي رفعه الشاعر او تمناه، الا ان الصراخ يملأ الارجاء ويضج في المساحات كلها عويلا:
(ابكي وابكي
والمسافة تحكي
بأن الضياع هنا
في ازدحام الاطفال على الرغيف
اتمرغ في الوجوه
ابحث عن عينين دافئتين
لم تعرفا بعد طعم النوم على الرصيف).

باقة القصائد، كما اسماها الشاعر، لا يمكن اقتطاعها قراءة، دون الشعور بأحتراقات من هذا الواقع العراقي والانساني الذي يشم المرء فيه روائح الاسى ويرى تصحراته وهي تمتد على مساحات الاخضرار فلا يجد الا اشجار شاهقة من الوجع، ومن ثم لايجد غير البكاء عسى ان يستريح ولكن لا استراحة بعد:

(فلتذهب
طريقك شائك
وطريقي مصيبتي
استدين من العالم موتي
وافرغ جيوبي من الحياة
فما اريده يتخلى عني
وينساني على قارعة الطريق البعيد).

المجموعة.. مليئة بالقسوة وبالصورة التي تظهر على اطاراتها نتوءات كالاشواك ما ان يلامسها هم القلب حتى تشكه، ولا بد من صرخة وان كانت صامتة ولكن نبراتها لها صدى.