الياس توما:
لم يكن المصور الكوبي البيرتو كوردا يعرف في اللحظة التي ضغط فيها على زر تشغيل الكاميرا التي بين يديه في عام 1960 بأنه سيدخل بها عالم التصوير الصحفي باعتبارها من أكثر الصور نجاحا وابلغها تأثيرا على الشباب لأنه التقط فيها صورة رجل أصبح فيما بعد أيقونة للثورات اليسارية ورمزا للحركات التي تريد التغيير نحو الأفضل بعزيمة قوية.
صورة تشي غيفارا التي يضعها الكثير من الشباب على صورهم رمزا لانتماءاتهم اليسارية شهدت حالة غريبة فالصحافة quot; الثورية الكوبية رفضت نشرها لسبعة أعوام فيما اكتشفها صاحب دار نشر إيطالي وحقق من خلال نشرها الملايين.
ولكن ما حكاية هذه الصورة وما هي ملابسات التقاطها وكيف وصلت إلى هذا المستوى العالي من الشهرة عالميا؟.
كان عمر تشي غيفارا آنذاك أقل من 32 عاما عندما سار في الخامس من آذار مارس من عام 1960 كوزير للصناعة الكوبي في مسيرة بشارع مالكيكون في هافانا باتجاه الشارع 23 إلى جانب فيديل كاسترو.
كان هدف المسيرة إحياء ذكرى مقتل عشرات العمال والجنود والبحارة الذين سقطوا قبل ذلك بيوم في ميناء هافانا أثناء انفجار سفينة الشحن quot; لا كوبريquot; التي أتت من ميناء بلجيكي ولا تزال إلى اليوم تثار تكهنات فيما إذا كان الانفجار الذي وقع فيها كان من تدبير المخابرات الأمريكية أم نتيجة لقلة الانتباه أثناء التعامل مع حمولة السفينة.
لقد حاول تشي غيفارا إنقاذ العديد منهم بعد وقوع الانفجار باعتباره كان طبيبا درس الطب في بلده الأصلي الأرجنتين ثم مارسه كطبيب في العديد من المناطق الفقيرة في أمريكا الجنوبية لعدة أعوام قبل أن يتعرف على فيديل كاسترو في المكسيك ثم انضم إلى حركة 26 يوليو التي كان كاسترو قد أسسها.
وقد عمل تشي غيفارا فيها في البداية كطبيب في وحدات الفدائيين ثم أصبح اليد اليمنى لكاسترو في النضال ضد نظام الرئيس باتيستا.
بعد إسقاط هذا النظام عين حاكما للبنك الوطني ثم وزيرا للصناعة وكان يتحرك دائما إلى جوار كاسترو وكان معه آنذاك في ذلك الصباح من عام 1960 والى جانبهما كان مصور اسمه البيرتو كوردا الذي كان يصور كل شيء، بدءا من المسيرة في الشوارع و حزن الكوبيين وغضب المحتجين ثم وفي لحظة من اللحظات ركز كاميرته على وجه تشي غيفارا والتقط صورتين له.
المصور كوردا يتذكر ما التقطه من صورة لا تمحى لغيفارا بالقول بأنه لم تلعب المعرفة أو التقنية أي دور في هذا المجال فقد كان الأمر حسب قوله مجرد صدفة وحسن حظ كبيرين فقد شاهد بريق حزم وفي نفس الوقت الألم والغضب يشعان من عيني غيفارا ولذلك التقط الصورتين.
لقد عرف كوردا كما قــال لاحقا بأنه التقـــط صورة استثنائية غير أن إدارة صحيفــة quot; ريفولسيون quot; الكوبية رأت ذلك بشكل مخالف له حيث نشرت الصحيفة صورا لكاسترو وسارتر ودي بوفوار الذين شاركوا في المسيرة فيما تم إهمال صورة تشي غيفارا.
وعلى خلاف الكوبيين فقد اهتم الصحفي والناشر الإيطالي غيغانغياكومو فيلتيرنيلي بصور غيفارا بعد اغتيال الجيش البوليفي له في 19 أكتوبر من 1967 وقد أدرك عند مشاهدته الصورة قوتها كصورة quot; لثوري quot; من الطراز الأول ولذلك استثمرها تجاريا بالشكل الأفضل فدرت عليه الملايين.

البيرتو كوردا في سطور:

ــ المصور الكوبي من مواليد 1928 عمل في البداية في شركة السكك الحديدية. كان من أنصار أفكار تشي غيفارا وقد سمح بنشر صوره مجانا لأنه تمنى أن ينتشر الوعي حول الثوار الكوبيين في العالم ولهذا سمح لفيلتيرني بالتصرف بأشهر صورة له وهي صورة غيفارا كما يحلو له وكان ينتظر بسعادة أن تصبح الصورة أيقونة رغم عدم منفعته المادية منها.
ــ أراد فقط مرة واحدة سحب صورة غيفارا من التداول عندما تقدم بشكوى على شركة سميرنوف في الثمانينيات بسبب استخدامها وجه غيغارا في الترويج لمشروب الفودكا.
وقد برر الشكوى بالقول : إن غيفارا لم يروج أبدا للكحول ولذلك لم يتبق لي سوى أن ارفع دعوى قضائية أمام المحكمة وقد ربح هذه الدعوى واعترفت له المحكمة بمبلغ قدره 50 ألف دولار.
ــ ترك كوردا لاحقا كوبا وهاجر إلى فرنسا حيث توفي فيها في عام 2001.