حوار مع الشاعرة العراقية نضال القاضي:
- قلة الاصوات النسائية المبدعة سببها قوة العرف العشائري
- القصيدة ليست مشروعا لتقلقني
- اشعر ان الرجال يخافون من سطوتي وهذا ليس غرورا!!
- الاعلام لدينا في العراق للاسف غير مهتم بالاديب العراقي
- اقيم في البرازيل ولكن.. لا استطيع العيش من دون العراق
- الشعر جانب كبير منه هو خط ميتافيزيقي، وهو بالضبط نوع من انواع السحر
- الكتابة كالحب تأتي بلا سبب!!، اما لماذا وكيف ولعل.. لاادري!!
- اختراق التابوات لغرض اختراقها فقط.. نوع من الابتذال

عبد الجبار العتابي من بغداد: تعد الشاعرة والروائية العراقية نضال القاضي من الاصوات التي حققت حضورا طيبا على الساحة الثقافية، حيث يبدو الاجتهاد عليها واضحا والحرص في ان تقدم نتاجا ادبيا ينتبه اليه النقاد والادباء سواء كان ذلك شعرا ام قصة ام رواية، ومن خلال الحوار الذي اجريناه معها لمناسبة صدور روايتها التي نحمل عنوان (سيرة ظل) وجدنا انها تمتلك اراء صريحة ولم تحاول ان تختبيء خلف ظلال معينة او ان تكون جريئة من اجل ابداء الجرأة فقط، قكانت اراؤها واضحة ومعبرة.

* هلا حدثتينا عن روايتك الجديدة؟
- الرواية بدأت بكتابتها عام 2002، كتبت منها عدة فصول ثم تركت المخطوطة، وبعد احداث 2003 دخل على الرواية خط جديد فتناغمت الاحداث وكأنني كنت اهيء عجينة لذلك، الرواية تتألف من سبعة فصول، بالنسبة لي اهم فصل هو (الطمة) الذي هو مكان واقعي موجود وهو عبارة عن مكان خرب ومسيج ومطموم وعمره طويل، احداث الرواية في العراق ولكن عندما تكاد تنتهي من قراءتها تكتشف انها في مدينتي التي ولدت فيها (الحلة) والمحيطة بها بغداد والمناطق الاثرية القريبة من الكوفة، والعنوان (سيرة ظل) الظل هذا رجل وهو ظل لرجل اخر، فجأة هذا الرجل يكتشف ان ظله اختفى فتبدأ الثيمة جزء من عملية الاختفاء والنسيان، والفصل المهم عندي هو (الطمة) ما تطم به الاشياء، ما هو مسكوت عنه،ما تشعر بالخشية منه.

* في الاشارة الى مكان كتابة الرواية ذكر اسم البرازيل لماذا؟
- اكملتها في البرازيل لانني مقيمة فيها، عائلتي هناك منذ عام 2007، وانا اجيء الى بغداد بين الحين والاخر وابقى نحو ستة اشهر ثم اسافر ولا ابقى هناك اكثر من شهرين.

* ما السر في هذا؟
- انا لا استطيع العيش من دون العراق، ان العراقي ما ان يخرج حتى يصاب بـ (الهومسك) انا كاتبة أجد نفسي هنا، اشعر بحنين غير طبيعي، هناك الكثير من القضايا المعلقة عندي على صعيد الكتابة، هناك رواية لديّ مكانها شارع الرشيد، اين اجد الرشيد في البرازيل؟.

* عرفناك شاعرة، ولكن الان نعرفك روائية، فأيهما بدأت اولا؟
- بدأت مع الشعر طبعا، بدأت كتابته بسن مبكرة جدا، اذكر ان ان اول نص كتبته كنت في الخامس الابتدائي وهذا الشيء اغبط والدي جدا في وقتها، وهو من دعمني فوالدي كان مكتبتي الاساسية في البيت، بعد ذلك انتبهت مدرسات اللغة العربية لقراءتي وكانوا يثنون على تلفظي لمخارج الحروف وانا صغيرة في العمر، فأحتفن بي، انا لا اريد هنا ان اميز بين التدريس اليوم والتدريس سابقا ولكنني اشعر ان مدرسة اللغة العربية قديما كانت افضل بكثير، اما القصة فقد بدأتها عام 1985 وانا أوثق قضية شخصية فكانت قصة قصيرة ونشرت في مجلة (كل العرب) وفي وقتها اثارت حفيظة بعض الكتاب العراقيين المرموقين، لان (كل العرب) ما كانت تنشر لاي كان وانا كنت وقتها صغيرة بالسن، فهذا كان بالنسلة لهم غير مقبول.

* لماذا الشعر والقصة والرواية معا وليس جنسا ادبيا واحدا؟
- اعتقد ان التناول هنا هو الذي يحدد، اي كيفية التحكم بالتناول، لديك لغة ولديك موضوع ولديك ثقافة وقابلية على على البحث وعندك فضول القاص، وعندما تتوفر هذه العوامل ما المانع اذا خطرت لك ودونتها، في كل الاحوال الكتابة هي الهم الرئيسي سواء كانت شعرا ام قصة ام فيما بعد رواية.

* هل ثمة عقبات اعترضت طريقك في الانتشار؟
- نعم، الاولى : انا اكملت الهندسة وعملت في قطاع هندسة الاتصالات وهذا كان بعيدا الى حد ما عن المجال الذي يفترض ان اكون موجودة فيه وهو الاعلام، ثانيا : ربما نحن جميعا انتبهنا الى هذه المسألة وعشناها وعانينا منها في الثمانينيات والتسعينيات، ان الثقافة العراقية كانت عبارة عن (اقطاع)، هناك رؤوس معينة هي التي تسيّر العملية الثقافية، وكان النشر محكوما بشروط، انا لم اكن اخضع لهذه الشروط، فهذا كان وراء قلة النشر عندي وبالتالي قلة الانتشار، مضاف الى ان الاعلام لدينا في العراق للاسف غير مهتم، وهذه مسألة حساسا جدا بما يتعلق بالاديب العراقي، في الخارج انا انتبهت في الدول العربية تحديدا وليست الاجنبية، مصر مثلا : تكتشف هناك شاعرة صغيرة بالسن او قاصة فتلاحظ ان بيوت الثقافة تتناولها والمجلات، ولكن للاسف ما يحدث لدينا ان هناك تعتيما في الوقت الذي فيه الكتابة هي في العراق والكتاب والكاتبات في العراق، لانني شخصيا اطلعت على ادب عربي واجنبي، ثق.. ان هناك اسماء لامعة عالميا، ولكن لدينا ما تجاوزها بسنوات، نحن لدينا أعلام كبار ولكن للاسف الاعلام العراقي ضعيف، ولا اعرف السبب في هذا ان هنالك راقصة مشهورة اكثر من اديبة، أليست هذه مفارقة.

* هل ثمة صعوبات عانيت منها في الامساك بأدواتك الشعرية او القصصية؟
- لا..، انا في بداية حديثي ذكرت ان والدي هو من وقف ورائي بقوة وكان مكتبتي، يعني انا في الاول المتوسط قرأت الشريف الرضي ومجموعة الجواهري الكاملة وهذا لا يتوفر لمن في سني في ذلك الوقت، مضافا الى ان لدينا تقليدا في البيت هي قراءة القرآن الكريم، هذه مهمة جدا لغويا بالدرجة الاساس وايمانيا طبعا.

* ما اكثر ما يقلقك في تكوين قصيدة؟
- القصيدة ليست مشروعا لتقلقني، القصبدة تأتي وحدها،وانا لست من النوع الذي يمسك بالورقة والقلم مباشرة، لا..، وانما تختمر في رأسي لايام واسابيع ومن ثم ابقى محتفظة بها في ذاكرتي لاشهر حتى اصبها على الورقة،تماما كما يفعل النحات.

* متى تهربين من القصيدة الى القصة وبالعكس؟
- انا لا اهرب، عوامل الجذب هي العوامل الموضوعية التي تتوفر، فعندما اعثر على ثيمة معينة تلفت انتباهي اسعى وراءها، وانا احب الدهشة واحب الغرابة، الشعر جانب كبير منه هو خط ميتافيزيقي، وهو بالضبط نوع من انواع السحر، فبالتالي الكتابة ايضا، فحتى في الرواية او القصة ما أوظفه في الكتابة لا يخرج من هذا العالم الغرائبي والعجائبي فعندما تتوفر اسعى وراءها، وعندما اسعى وراءها تسرقني الى حد ما من الشعر.

* لماذا تحولتي من القصة الى الرواية ومؤخرا بالتحديد؟
- انا اعتقد ان الكتابة كالحب بلا سبب!!، اما لماذا وكيف ولعل لاادري، القضية وما فيها ان الموضوعة التي كتبتها كرواية لم تعد تصلح كقصة لان القصة فن محدود، فن المخنزل، ولكن الرواية شخوص ومراحل تاريخية وغير ذلك، وضخامة الموضوع هي التي جعلتني اكتب الرواية، فمثلا روايتي (سيرة ظل) تتناول حياة عائلة عراقية لمدة 200 عام، وهذا يعني مقطعا طويلا وعريضا من التاريخ العراقي فهذا اعتقد لاتستوعبه قصة.

* هل تأثرت بشخصية ادبية معينة في بداياتك؟
- لا..، لانني كتبت في سن مبكرة، انا كتبت اول نص من دون ان اقرأ لأحد، كلمات رتبتها في دماغي وصورا، أدهشت الوالد وهو الذي اكتشف انها شعر، ولم اكن انا اعلم ذلك، ولكن فيما بعد القراءات من المؤكد ان لها تأثيرا، مثل الشاعر سعدي يوسف ومحمود درويش ومحمد الماغوط.

* ألم تخشي سطوة الشعراء الرجال؟
- عمري ما كنت خائفة منهم، على العكس انا اشعر انهم يخافون من سطوتي وهذا ليس غرورا حقيقة، ولكن في مجال الاعلام والنشر هذا ممكن ان اتهيب، يعني اشعر انني قد اصادف من هذا النوع من يقف عقبة.

* ما المواضيع التي يتناولها شعرك على الاغلب؟
- لا اعتقد ان القصيدة الحديثة تصنف بأغراض السابق، ان هذا شعر غزل وهذا حرب وهذا سياسة، انا اعتقد ان الكتابة الحديثة هي الكتابة الشاملة وهذا ليس في الشعر فقط، حتى وانت تكتب قصة حب لابد ان تكون مطعمة بموقف سياسي او بوضعية معينة تحيلك الى حالة اجتماعية او نفسية او سياسية، فبالتالي هي شاملة لكل هذا؟

* لماذا يعاب على المرأة الشاعرة انها ليست جريئة؟
- من المؤكد ان هذا عيب كبير لان الشعراء تحديدا هم دائما في المعارضة، الشاعر الموهوب والحقيقي والذي يمتلك موقفا من العالم ومن الحياة هو دائما يقف في المعارضة، وغالبا من الانظمة وليس شرطا من نظام الكتابة كشكل فني، هذا الموقف المعارض بحد ذاته يحتاج الى جرأة، فأن كانت المراة لا تمتلك جرأة ان تكون معارضة كيف لجملتها ان تأخذ حيزها كيف؟.

* لكن المرأة الشاعرة لا تستطيع اختراق (التابوات) المعروفة؟
- انا ممكن ان اخترق التابو اذا كان الموضوع له وظيفة في العمل، اما ان اخترق التابوات لغرض اختراقها فقط.. فأنا اسفة جدا، فهذا نوع من الابتذال، انا شخصيا اعتبره، وهناك نماذج عامية اليوم لا اريد ان اذكرها تكتب بهذا الصدد لغرض اختراق التابوات، وهذه ليست جرأة بل هذه وقاحة، لكن ان تخترق التابو لانك توظفه في مجال معين او ثيمة معينة هذا ممتاز، اما لماذا المرأة لا تستطيع.. فربما نحن في مجتمع محافظ والتربية البيتية صارمة وبالتالي فالشارع صارم وعقلية الرجل صارمة مهما ادعى انه متفتح الى اخره، لا.. انه سوف سيحاسبها.

* هل حدث ان صرختي بأعلى صوتك في قصيدة ما اعلانا للحب؟
- حقيقة انا لم اعش قصة حب تستحق ان اعلنها هذا الاعلان، ولكن لو احببت فعلا من الممكن ان افعل هذا.

* ما زال البعض يتهم المرأة بعدم القدرة على الكتابة ودائما يقال لها : من يكتب لك؟ ما رأيك؟
- اعتقد ان هذا جزء من احتيال الرجل على المرأة، وسواء الرجل او الامرأة اذا كان احدهما مبدعا فغالبا ماتكون هنالك غيرة من الطرف الاخر، فمن يكتب لك؟ ان هناك نظرة دونية لأدب النساء على الرغم من انني يعز عليّ ان استخدم مفردة (ادب النساء) انا ضد هذا التصنيف : ادب نسوي وادب ذكوري،لان هناك عملا مهما والجميع يعيشون تحت نفس السقف، فبالتالي العمل المهم هو الذي يفرض نفسه لكن النظرة الدونية الى كتابة المرأة، وهي جزء من النظرة الدونية العامة للمرأة، واعتقد ان المرأة لها يد في هذا لان هناك احيانا لغة رخوة، لغة خانعة، لغة خاضعة، وهذه من الممكن ان تحيل الاخر الى عمد استساغتها، ويمكن ان ما يتوفر للرجل لا يتوفر للمرأة اجتماعيا لانه بالاساس الكتابة هي ثمرة نشاط اجتماعية، فأين نشاطنا الاجتماعي في العراق؟ الى اليوم هل رأينا عائلة تحضر في اتحاد الادباء؟ انا لم ار كاتبا او شاعرا تحضر عائلته الا ما ندر وفي المناسبات، او هل هناك اندية ومرافق التي عادة ما يلتقون فيها ويحدث تلاقح فكري وتبادل اراء وكل هذا من شأنه ان ينتهض بالعملية الثقافية لان الثقافة بالاصل علم اجتماع.

* هل يلعب جمال الشاعرة دورا في انتشارها؟
- الى حد ما.. في المرحلة الاولى، ولكن عندما تظهر نصوصها ضعيفة اعتقد لن يشفع لها جمالها، واعتقد انها حالة خاصة، تبقى في حدود العلاقات الخاصة لان المجتمع الادبي مثله مثل اي مجتمع فيه نزوات وعلاقات خاصة وعامة، فأنا اتصور ان هذا يرجع الى الناقد نفسه وشخصيته واحترامه لوظيفته كناقد، لان الناقد عليه ان يكون موضوعيا من المادة، اما عندما يجعل سببا لوظيفته كناقد فقد انتفى النقد هنا.

* ما السر وراء قلة الاصوات النسائية المبدعة؟
- اعتقد ان النظام الاجتماعي، نحن بلد جغرافيته مغلقة وتحيط به دول كانت في يوم من الايام وراء كل تخلف حدث في العراق، التربية الاجتماعية الصارمة وقوة العرف العشائري، فالرجل وان كنت تحس انه قاريء ومثقف ولكن تحس (شيزوفرينيا) ما بين كونه بدويا وما بين كونه ابن مدينة، هو يجمع بين الاثنين، هو ايضا ضحية هذا النظام الاجتماعي، لذلك انا قلت اننا نحتاج الى ثورة اجتماعية تؤيد منظومة القيم حتى يأخذ كل ذي استحقاق استحقاقه.

* ما الطموحات في داخلك ولا يمكن التصريح بها؟
- انا لم اسأل نفسي اذا ما سأتحدث بهذا الطموح ام لا، لكن جل ما اتمناه ان احتفظ بذاكرتي، انا اخاف من مرض (الزهايمر) لانه مرض العصر واسبابه غير معروفة، ومن الصعب ان تكتشف انك لا تتذكر شيئا والكتابة ذاكرة، فهذا ما اخافه.

* ما الجملة التي في نفسك وتودين قولها؟
- انا من النوع الذي لديه رهاب المناطق المغلقة، اتمنى ان ينفتح العالم وينفتح المجتمع العراقي اكثر، ترفع الحواجز الامنية وهذه السقوف الواطئة،انا لايمكن ان اجلس او انام في غرفة بابها مغلق او شباكها.

* هل تعتقدين ان المرأة المثقفة اصبحت في وضع افضل بعاد عام 2003؟
- على صعيد فردي، هناك محاولات فردية ناجحة جدا بسعي شخصي، بدلالة ان (الكوتا) لماذا 25%،من دعم من؟ المجتمع ليس لديه ثقافة بهذا الاتجاه، لا يثق بنفسه صدقني، وهذا دلالة عدم ثقة بين الرجل والمرأة اصلا، علما ان المرأة في مجتمعنا اغلبهن حاكمات في المنزل ولكن خارج المنزل هم غير ذلك.