عبد الجبار العتابي من بغداد: رحل ظهر يوم الخميس 30 / 12/ 2010 الفنان العراقي الكبير عز الدين طابو، بعد ان عاش محنة طويلة مع المرض لكنه كان يحاول المكابرة وعدم الرضوخ للاوجاع بكبرياء عجيبة، فيعلن انه يعيش حياته بحبه للحياة ولا يريد ان يشعر ان احدا تأسى لحاله، فيشد المزاح على قدر ما يستطيع لتبدو روحه الحقيقية التي لا يخفيها وهي مفعمة بالطيبة والمحبة والسلام.
رحل.. ابو العز، الرجل الذي لم يصمد طويلا امام تقلبات الحياة، وامام ما كان يحدث في الفن فيصرخ بصوته الجهوري مستنكرا كل ما يجري من ترهات وخزعبلات وتجاذبات وعلاقات من اجل المصالح الذاتية فكان يرفض ان يعمل الا بما يشتهي ويقتنع به على الرغم من ان حالته المادية كانت ليست على ما يرام والطريق الى المستشفى سالكة، يرفض ان يمد يده لمخرج من اجل المصافحة اذا ما كانت تعني لدى المخرج طلب دور، وكان يرفض حينما يتصل بأصدقائه،ليسأل عن احوالهم، فيقدمون له عروضا للعمل، وكان يحزن جدا ان هؤلاء اعتقدوا انه يبحث عن عمل، فظل ملتزما بمباديء المسرح وقيمه والفن بشكل عام
رحل ابو العز.. وهو في شوق عارم الى المسرح الذي يعشقه جدا، كان يأتي كلما اشتاق لينظر وجوه اصدقائه المسرحيين ويعاين خشبة المسرح الوطني ويستذكر كيف كانت ايامه عليها وهو يملأ ارجاء المسرح بنبراته القوية التي لا تحتاج الى مكبر صوت، وكان مع ابناء جيله والجيل الذي سبقه يقدمون الروائع التي ظلت خالدة، رحل ابو العز.. ويا له من ابو العز، فقد اقتربت منه جدا، ذلك الشخص الذي كان مخيفا في اعماله بملامحه الحادة وصوته الرنان وشكله المرعب ما هو الا انسان يتفجر انسانية ومودة، انه طفل حقيقي بكل ما لديه من مشاعر وعواطف واحاسيس، اقتربت منه وسجلت مذكراته التي حملت عنوان (لواعج فنان) ونشرتها وكان الاكثر جرأة كما انه اول فنان عراقي ينشر مذكراته بصراحة وصدق، ولكنه كان يتمنى ان تكون في كتاب، كان في كل مرة يذكرني بهذه الرغبة التي اراد المخرج الكبير قاسم محمد ان يحققها له، لكن رحيل قاسم محمد حال دون ذلك، وظلت المذكرات مشتتة، لكن هذه المذكرات دفعته للكتابة للمسرح وللتلفزيون فكتب مسرحية (ثرثرة قد تهمك او لا تهمك) اخرجها ثامر الشكرجي ومثلتها فرقة اور في مدينة كولون الالمانية، كما كتب مسلسل اذاعيا بعنوان (مشيجيخات ولد العم) عائدا الى هوايته التي كان يمارسها في السبعينيات حيث كتب العديد من الاعمال الاذاعية.
ابو العز.. هو اول ممثل عراقي يحلق شعره (على الزيرو) ورفض ان يرتدي (صلعة الاكسسوار ) وكان ذلك مع المخرج فلاح زكي في مسلسله (المسافر) بين عامي 1987 ــ 1988 الذي كان بطله الفنان كاظم الساهر الذي اثنى كثيرا على إرادة طابو، كما يمكن الاشارة الى انه في هذا المسلسل تعرض لجرح بليغ في رأسه لكنه طلب ان يستمر التصوير.
هذا الفنان قدم الكثير للفن العراقي، سينما ومسرح وتلفزيون واذاعة، يحمل شهادته الاكاديمية (بكالوريوس) من كلية الفنون الجميلة، وشارك في معظم مسرحيات الفرقة القومية للتمثيل وتميز بأدائه المسرحي، وكان ذات ايام اشهر من كل الممثلين وأقدرهم فصاحة، كان يشعر بنفسه وحيدا في محنته، ليس هنالك سوى الغرفة التي يرقد فيها وابنته دعاء تدور حوله وام دعاء التي ليس لها حول ولا قوة، لا اريد ان اثلم كرامته فأقول ان احواله المادية كانت صعبة جدا، حيث عاش طول المدة الماضية على راتبه التقاعدي، الذي كان يحدثني عنه بالقول (اقول وقد ناحت بقربي رواتبي، ايا هذه الى متى تبقين هكذا) ثم ينظر ويقول بحزن: متى تلتفت الحكومة الموقرة لمظلمة الفنان العراقي لرفعها، ورفع الحيف الذي امرضه وقلل من هيبته امام ما يأخذه الممثل خلف الحدود في الدول الاخرى، وما تضخ عليه من مدنيتهم وحضارتهم من وسائل الراحة والمتابعات اليومية وتكفلها بما يضمن بقاءه ووجوده من الناحية الصحية والاعتبارات الاجتماعية