صالح كاظم من برلين: منذ سنوات تخضع منظمة quot;ساينتولوجيquot; التي أسسها الكاتب الأميركي رون هوبارد (1911-1986) للمراقبة من قبل الأجهزة الأمنية الألمانية، حيث يضعها البعض في عداد المنظمات quot;المعادية للدستورquot; وذلك بناءا على قراءة نقدية لمنشورات هذه المنظمة وممارساتها المختلفة على مستوى العالم وفي المانيا بالذات. ومن المعروف ان هذه المنظمة التي تكونت في بدايات الخمسينات في الولايات المتحدة الأمريكية وما زالت تمتك تأثيرا كبيرا هناك بشكل خاص في أوساط نجوم هوليوود (من أشهر اتباعها الممثل توم كروز وزميله جون ترافولتا)، وكذلك في بعض الأوساط السياسية والإجتماعية ذات النفوذ. عُرف عن هذه المنظمة، على المستوى العالمي والمحلي، انها تتبع أساليب قاسية جدا في ملاحقة أعدائها قانونيا وعمليا. في المانيا بالذات تواجه المحاكم العديد من الدعاوي التي تقيمها المنظمة سنويا تجاه اعدائها، وبالذات تجاه الجهات المعنية بتقديم المشورات للأشخاص الذين يتركون المنظمة أو يرغبون في تركها، ويشمل هذا بالذات أورسولا كابيرتا، المسؤولة عن متابعة نشاطات quot;الفرق المشبوهة ذات الطابع الدينيquot; التي شاركت بشكل فعال في الإعداد للفلم كمستشارة في شؤون quot;الساينتولوجيquot;. وكان قد تم تصوير الفلم الذي يعد أول فلم يتعرض للمنظمة بـ quot;الاسمquot; بسرية تامة، بعيدا عن الأنظار وتحت غطاء تصوير حلقة من مسلسل quot;مسرح الجريمةquot; الذي يعرض مرة في الأسبوع. فوق هذا، فقد خضع الممثلون أثناء تصوير الفلم لنظام صارم، ولم يسمح لهم بأخذ نسخ من السيناريو الى خارج أماكن التصوير، كما عقد أول مؤتمر صحفي أعلن فيه عن إنجاز الفلم مع صحفيين تم إختيارهم من قبل الجهات المنتجة للفلم، قدمت لهم دعوات خاصة لمنع تسرب ممثلين عن quot;الساينتولوجيquot; الى قاعة المؤتمر. وهكذا تم تسريب بعض المعلومات عن الفلم قبل مايقارب عشرة أيام من عرضه (عرض للمرة الأولى يوم أمس الأربعاء، المصادف 31.03.2010 في أفضل أوقات العرض، أي في الساعة الثامنة والربع مساءا)، كما أجريت لقاءات صحفية مع العاملين في الفلم الذين أدوا أدوارهم بحماس كبير.
مع كل هذا التكتم تلقى بعض العاملين في الفلم، مباشرة بعد الإعلان عنه، العديد من التهديدات المباشرة عن طريق الهاتف أو البريد الألكتروني، إضافة الى تهديدات المنظمة باللجوء الى القضاء. وقد لقي الفلم صدى إيجابيا في أوساط الإعلام والجمهور، حيث تتجه الأنظار منذ فترة من الزمن الى هذه المنظمة، وبشكل خاص بعد إفتتاح مركزها الجديد في برلين بحضور موسيقار الجاز المعروف جك كوريا.
تدور أحداث الفلم حول عائلة فرانك التي تتكون منه ومن شريكة حياته وإبنته، وهو شاب رقيق وعاطفي يدرس الهندسة المعمارية ويعمل كسائق تاكسي لتمويل دراسته وتدبير شؤون العائلة، رغم أن زوجته تنتمي لعائلة غنية، وهي الوريثة الوحيدة لأبويها. أثناء ذلك يقع فرانك في شرك المنظمة، حيث يشارك في العديد من الإختبارات السيكولوجية وجلسات الإستماع bdquo;Auditingldquo; التي تقيمها المنظمة مع أعضائها الجدد بمساعدة ما يسمى بـ quot;المقياس الكهربائيquot; وهو عبارة عن جهاز يشبه quot;جهاز كشف الأكاذيبquot; الذي كان يستخدم في الخمسينات في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد ان يحظى فرانك بثقة المنظمة يقوم المسؤولون فيها بممارسة الضغوط عليه لكي يعرفهم بزوجته التي سرعان ما تصبح أكثر تحمسا لأهداف المنظمة منه، وتدفع مبالغ طائلة من إرثها لغرض المشاركة في الدورات المختلفة التي تقيمها المنظمة حتى تصل درجة quot;تيتان فاعلquot; حسب تعابير المنظمة وهو مصطلح يعني وفق إيديولوجية quot;الساينتولوجيquot; شخص قيادي يسيطر على المادة والمكان والزمانndash;توم كروز هو تيتان فاعل من الدرجة الثامنة-. في هذه الأثناء تتبلور لدى فرانك ملامح الشك بأهداف المنظمة، مما يدفعه لأن يحاول بالتعاون مع والدي زوجته أن يدفعها للتخلي عنها، خوفا على أبنتهما. غير أن إندفاع الزوجة في حماسها لدورها الجديد يضعه أمام العديد من العوائق، مما يؤدي به في النتيجة الى اللجوء الى القانون بالتعاون مع والدي زوجته.
يبدأ الفلم بمشهد داخلي في قاعة المحكمة، حيث نرى فرانك يسعى من أجل الحصول على حق تربية إبنته، ليعيدنا بعد ذلك مستخدما المونتاج الى المراحل المختلفة من حياته التي أوصلته للإرتباط بالمنظمة، ومن ثم الطريق الذي سلكته زوجته لتتوصل الى قناعاتها النهائية التي تجعلها أداة في جهاز لا يستغني عن الإرهاب النفسي تجاه اعدائه وتجاه من يتخلى عنه. وقد تمكن الفلم من نقل هذه الأجواء الى المشاهد، غير انه تركنا امام العديد من الأسئلة في ما يتعلق بالممارسات اليومية لأعضاء المنظمة، علما بأنه يسير عموما في طريق التوثيق، حيث يتعرض لأحداث مبنية على وقائع، ومسندة بشهادات لأشخاص تخلوا عن العمل مع منظمة quot;العلمولوجياquot;. من الناحية الفنية جاء الفلم متميزا عما عرف عن أغلب الأفلام الألمانية، خاصة التلفزيونية منها من الإثقال بالحوار على حساب الجوانب الفنية الأخرى، مع ذلك كان للحوار دورا مهما في أحداث الفلم.
ويمكن أن نستخلص أن هذا الفلم الذي يمكن إعتباره من طراز الـ quot;ثرلرquot; حيث يضعنا بطريقة ذكية من خلال تعاقب الصور ودقة المونتاج في أجواء الرعب السايكولوجي الذي يحيط بالأحداث كان ناجحا في نقل رسالته الى المشاهد، بعد أن سعى توم كروز خلال وجوده في ألمانيا أثناء تصوير فلم quot;الفالكوريquot; تحسين صورة منظمته بكافة الإمكانيات التي توفرت له.