قصي صالح درويش من كان: انتقلنا البارحة الى ثلاث جغرافيات سينمائية مختلفة، فشاهدنا فيلم ـ رجل يصرخ ـ التشادي للمخرج محمد صالح هارون وهو اٌول فيلم في مهرجان كان حيث عرض في المسابقة الرسمية، بينما عرضت افلامه الثلاثة السابقة في مهرجان فينيسيا حيث حصل على جائزة اول افضل فيلم ، ثم فيلمه الثالث على جائزة التحكيم في مهرجان فينيسيا عام 2006، وقد درس السينما في باريس ثم الصحافة في جامعة بوردو وبعدها عمل في عدة صحف محلية، وبالتالي أوّل سينمائي تشادي.
بطل الفيلم اسمه ادم يبلغ عمره ستين سنة، يعمل في سباحة الفندق في فندق في انجامينا، ويناديه السكان البطل. لأنه كان بطلا في سباق السباحة، لكن مشكلة ادم عكرت حياته فجأة، اذ بيع الفندق لمتعهدين صينيين، فقرروا نقله من المسبح الى بوابة الكاراج، ليحل مكانه ابنه عبد الشاب الرياضي، فاعتبر ادم نقله من المسبح تراجعا في مستواه المهني والاجتماعي، فأصبح مهموما صامتا عبوسا، بعدما كان سعيدا مرحا، يحب زوجته وابنه، ويبدي استخدامه للجميع وبكل طيبة. في الوقت نفسه شارفت البلاد على حرب أهلية، فصارت العصابات المسلحة تهدد الحكم، ما دفع السلطة الى التعبئة المسلحة بالمال او بتجنيد الشبان لمقاومة المتمردين، وعليه دفع رئيس الحي ادم لدفع امكانياته التعبوية، ولكن ليس عنده مال للدفع، لا يملك شيئا اخر سوى الابن، وقد اجبر على التجنيد، الأمر الذي اعاد ادم الى العمل في المسبح، لكن الأمور لم تهدأ بهذه الصيغة، حيث اصبح مهموما بالبحث عن ابيه، ومعرفة اوضاعه اذ انطلق في جولة في الفضاء المفتوح على دراجته النارية، واستطاع ان يجده مجروحا، متعبا، يحلم بالعودة الى بيته وعناق امه، اثناء الليل بعيدا عن الأنظار يحمل ادم ابنه المجروح نحو المدينة، في الطريق يموت الابن تاركا اباه وحيدا يبكي، ثم يغطيه بالملابس، ويتركه وحيدا سابحا حيث يقوده التيار اما ادم فيمشي وسط النهر، وكأنه يلتحق بابنه في حياة اخرى اقل هموما من التي عرفها.. الفيلم يحمل ايقاع الأفلام الافريقية ببساطتها القدرية.
يأخذ بعض النقاد البساطة المبالغة في حياة الريف البطيء، حيث تبدو البراءة نوعا من السذاجة، لكن هذه النظرة متعسفة، ففي هذه البراءة الساذجة ايقاع من الجمال والذوق الفني، يمكن مشاهدة ذلك ازاء ايقاع سريع محكم كما حدث في الفيلم الياباني الذي قدمه المخرج تاكيشي كيتانو في فيلمه quot;غضب شديدquot; والذي تدور أحداثه المسرعة وبشكل مجنون.
ورغم تقنية التصوير والاخراج الناجحة بدا الفيلم الياباني فقيرا جدا من حيث الرؤية والأفكار، ومن حيث السيناريو المحكم، ليس فيه غير القتل والقتل ثم القتل، بشكل ميكانيكي ووحشي، وكأنها عمليات تصفية حسابات لا نهاية لها، من دون اية اشكال من العواطف، حيث عمليات القتل تبدو عبثية بأوامر رئيس هادئ يبدو حاكما لكنه بهذه الإرادة العابثة تصفي امبراطورية القتل نفسها حتى يقتل الرجل الثاني رئيسه.يقول المخرج كيتانو بانه يستمتع باستمرار تصوير افلام ياكوزا منذ عشر سنوات، وانه اراد تصوير عالم الجريمة المنظمة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.لكن هذا وحده غير كاف كنجاح فيلم فني، فقد احببنا افلام العراب التي صورها فرانسيس فورد كابولاوالتي صورها مارتن سكورسيزي.بصراحة لاشيء يبرر اختيار فيلم كيتانو في المسابقة الرسمية، ولا حتى عرضه في اية تظاهرة موازية.صحيح ان كيتانو مخرج وممثل مهم وله معجبون كثيرون الا انه لا يغير شيئا بالنسبة إلى فيلمه الجديد.لا انني افضل فيلم محمد هارون التشادي رغم بطء ايقاعه ورغم بساطته.
اما الفيلم الثالث فهو فيلم quot;اميرة مونبنسييهquot; للمخرج الفرنسي بيرتراند تافيرنييه، وهو فيلم تاريخي تصور احداثه في القرن السادس عشر، بطلته اميرة جميلة تجد نفسها مغرومة بثلاثة ابطال، العشيق الأول والزوج المخلص وصديق الفارس الذي كلفه بحمايتها، ووقع بحبها هو الاخر، السيناريو تقليدي في الروايات التي قراناها حين كنا مراهقين مثل روايات ميشيل كازافو والمستوى الفني متوسط دون مستوى بيرتراند تافيرنييه.
- آخر تحديث :
التعليقات