حميد عقبي من باريس: خلال حضوري مهرجان الخليج السينمائي الدولي الثالث بدبي شاهدت الفيلم الاماراتي quot; دار الحيquot; من اخراج علي مصطفى وكنا نسمع قبل العرض بان ميزانية الفيلم كبيرة جدا ووجد رعاية كريمة من حاكم دبي ومؤسسات اماراتية عديدة وتوفرت له جميع العناصر الانتاجية واستعان بنجوم من هوليود مثل النجمة العالمية quot;ألكساندار ماريا لاراquot; ونجم بوليود quot;سونوسودquot; وطاقم فني وتقنيات على مستوى عالمي، هذه الامكانيات تتوفر لاول مرة لمخرج سينمائي اماراتي او خليجي بل وربما لاول مخرج عربي شاب.
باختصار شديد تدور قصة الفيلم حول ثلاث شخصيات هي راشد الاماراتي وباسو الهندي ونتالي المضيفة الاجنبية في نفس المدينة مدينة دبي التي تمتاز بالتنوعات الثقافية والاجتماعية يسرد الفيلم قصة الشخصيات الثلاث محاولا الكشف عن احلام وهموم كل شخصية.
من الناحية التقنية والاخراجية فقد حاول الفيلم ان يقدم لنا لوحات بصرية باساليب مختلفة ناتجة عن التاثر الشديد بالسينما الامريكية والهندية والعربية وكأننا امام ثلاثة مخرجين او ثلاثة افلام تم محاولة لمزجها في فيلم وقالب واحد، ربما الخطاء الكبير كان في السيناريو كوننا نحن امام ثلاثة عوالم مختلفة لم تلتقي او ترتبط ببعضها البعض ولعل هذا اضعف الفيلم.
ان التاثر باسلوب في الاخراج ليس عيب وانتاج فيلم بتقنية وامكانيات مريحة والاستعانة بفريق عالمي في التصوير والتنفيذ ايضا ليس امر سلبي، لكن يظهر ان الخلل كان في السيناريو ويمكننا ان نحاول كشف هذا بهذه القراءة السريعة.
علي مصطفى مؤلف ومخرج الفيلم قال في تصريحات عديدة قبل العرض (ان الفيلم يعالج تعقيدات الحياة في مدينة تنمو وتتطور وتتسم بالتنوعات الاجتماعية والثقافية) ولكننا عندما نشاهد الفيلم لا نرى هذه التنوعات فالشاب الامارتي فيصل الذي يقوم باداء دوره quot;سعود الكعبيquot; نلاحظ ان قصته وقصة رفاقة لا تختلف كثير عن قصص شاهدناها في افلام اماراتية قصيرة متعددة اي شاب يميل نحو الحياة والمغريات واحداث بها مغامرات وعراك مع شباب اخرين ورسائل عادية ومباشرة اشبه بالنصائح الخطابية ولقطات عامة لدبي لعلها كانت مناسبة لافساح المجال للاغنية التي تمدح حاكم دبي.
قصة المضيفة نتالي هي ايضا عادية وليست مثيرة ولم نجد اي ارتباط لهذه الشخصية بالمكان ولا نحس فعلا بانها جزء والكاميرا لم تعكس وجهة نظرها في اي مناسبة لنحس بانها في دبي وكان هذه الاحداث تدور في مكان اخر واما قصة السائق الهندي فقد خففت علينا بعض الشيء باحداث كوميدية مرحة، لعل الحلقة المفقودة في الشخصيات الثلاث هي عدم احساسها بالمكان وكان من المفروض ان تستنطق الكاميرا المكان وتشعر به ولوان ذلك حصل فكان من الممكن ان يعطي الفيلم قوة اكبر.
كان المخرج واثق من نفسه وهو يسير على السجادة الحمراء قبل عرض الفيلم ربما كان يتوقع ان يفوز بجائزة مهمة ولم نرى المخرج اواحد من العاملين في الفلم حضروا اي ندوة او المشاركة في اي نقاش خلال المهرجان وربما هذا التصرف جاء باعتبارهم قدموا عملا خارق خصوصا مع اختيار الفيلم في حفل الافتتاح، لم يحصل الفيلم على اي جائزة ونحن هنا لا نشمت في العمل ولا نكسر المجاديف وننظر للعمل كعمل فني دون ان نتاثر بهذه التصرفات ومن حق المخرج وكادر العمل ان يفرحوا لانجازهم ومن الواجب عليهم ايضا النزول من البرج العاجي العالي الذي وضعوا انفسهم فيه والتصريحات الصحفية والشرح من المخرج وكادر العمل لن يزيد في قيمة الفيلم، لا يعني اي نقد للفيلم السخرية او التقليل منه باعتباره نافذة جديدة وخطوة مهمة خصوصا انتباه الدولة لدعم الاعمال السينمائية.
احيانا يخاف بعض الزملاء من طرح راي حول فيلم اماراتي مخافة فهم ان هذا اساءة للمهرجان او السينما الاماراتية ومخافة ان يغضب مدير او رئيس المهرجان من هذا الراي ولكن بحكم معرفتي بقادة مهرجان الخليج السينمائي فاظن ان هذا التصور غير صحيح وخلال بعض الندوات طرح مسعود امر الله quot; ضرورة التمعن في النقد خصوصا مع الفيلم الاماراتي والخليجي وعدم القسوة عليه ولكن لا يعني هذا عدم تناول اي فيلم بشكل موضوعي ومناقشة اي خلل فيه quot;
اتفق مع السيد مسعود في هذه النقطة واتمنى من الاعزاء الزملاء فهمها وعدم التحسس الزائد من اي نقد حتى وان كان قاسيا احيانا، وجدت في هذه الدورة رغبة من الشباب الاماراتي والخليجي لمعرفة اخطائهم ودعوتهم للنقاد بضرورة التمعن في اعمالهم والا يكتفي اي موضوع لمجرد العرض الشكلي، حضرت احدى الجلسات لبعض الشباب الذين عرضوا اعمالهم وقال احدهم quot; العديد من اعمالنا غير جيدة ونحن نجهل بعض النظريات ومعرفة الاساليب الاخراجية والتكنيك وبحاجة ان نتعلم وبحاجة لنقد قاسي كون البعض يصاب بالغرور لمجرد عرض فيلمه بالمهرجانات او حصوله على جائزةquot;
مثل هذه الاطروحات تدل على وعي وادراك للحالة والواقع السينمائي الاماراتي والخليجي وان هناك جيل سينمائي يبحث عن ادواته وهويته الفنية وفي حل توفر الامكانيات المادية اضافة الى الوعي بالنظريات وجماليات السينما كفن تعبيري روحي فلسفي انساني فهذا يبشر بميلاد سينما خليجية.
ما اخاف منه ان يروج فيلم دار الحي للركض وراء النجوم من الخارج باعتباره يعطي قيمة واحترام للفيلم، لا اظن ان اي نجم قادر على انقاذ فيلم في حال وجود خلل حقيقي في السيناريو والاخراج وخصوصا في التجربة الاولى واليوم اصبح العامل المادي هو من يجذب النجوم وتوجد مكاتب مختصة في امريكا و اوروبا لجلب اي نجم واغلب النجوم تركز في المقام الاول على الاجر وليس على السيناريو كونها تدع قضية السيناريو واختيار المخرج للشركة المنتجة، لا يعني وجود نجم في فيلم جودة السيناريو او المخرج خصوصا في ظل ازمة اقتصادية اخرت الكثير من الافلام وكذا تقليص بعض الدول دعمها للافلام السينمائية.
المال وحده لا يستطيع ان يخلق ابداع وهو عنصر مهم جدا وضروري باعتبار السينما فن وصناعة وتجارة وقد توفرت عدة العناصر المهمة لفيلم quot; دار الحي quot; وكان من المفروض التدقيق اكثر في السيناريو كوننا نحس بعدم وجود ترابط فكري او روحي بين الشخصيات والقصص الثلاث واستسلم الفيلم لسرد احداث بعضها كان مشوق وسلس وبعضها كان ثقيل وممل وظل المكان مجهولا لا يحوي دلالات كتلك التي تحدث عنها المخرج في التصريحات الصحفية.
- آخر تحديث :
التعليقات