عبد الجبار العتابي من بغداد: حين ارتقى خشبة المسرح الوطني لم يتمالك نفسه، خنقته العبرة وانهمرت دموعه فتوقف عن الكلام، فأهتزت القاعة تصفيقا تحية للحظة التي صمت فيها، الى ان استعاد توهجه ثانية لينحني للجمهور وهو يرسل احتراماته وقبلاته واشواقه، كان هذا هو المخرج المسرحي العراقي الكبير الدكتور مقداد مسلم الذي احتفى به مهرجان منتدى المسرح التجريبي كونه مؤسس هذا المنتدى، وقد لبى الدعوة للحضور الى بغداد التي فارقها قبل 20 عاما ولم تطأ ارضها قدماه الا ليكون حاضرا وسط زملائه والاجيال اللاحقة.
كان ذلك في افتتاح مهرجان منتدى المسرح التجريبي بدورته السادسة عشرة، مساء الثلاثاء، وسط حضور كادت تمتليء به قاعة المسرح الوطني ببغداد، المهرجان الذي غاب لعشر سنوات، والذي افتتح بلوحات راقصة لفرقة الفنون الشعبية التي قدمت رقصات جميلة ومعبرة، كما تميز الافتتاح بعرض مسرحية فرنسية بعنوان (كنوك) اخراج غي سيمون، وتمثيل غي سيمون وجيروم سيمون ومارتين بادري وجويل ريجينيا، وعلى الرغم من ان لغتها فرنسية الا ان اغلب الجمهور تفاعل معها وعاش تفاصيل الاداء.
على غير عادته اوجز الدكتور شفيق المهدي المدير العام لدائرة السينما والمسرح كلمته بالقول : بأسم الفنانين العراقيين نرحب بالزملاء والاشقاء الضيوف من فرنسا واوكرانيا والاشقاء الاعزاء دائما من تونس الثورة، تونس الخضراء، كما نرحب باعزائنا الفنانين خزائن المعرفة والثقافة والعلم محافظات العراق فأهلا وسهلا بالجميع، اقول على بركة الله وباسم الشعب العراقي ومن اجل الحرية والسلام ضد العنف والقتل يبدأ هذا المهرجان، اهلا وسهلا بالجميع.
وقال فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة وممثل وزير الثقافة : ان من يطالبنا بالتخلي عن المسرح وعن السينما وعن الموسيقى وعن الغناء وعن الشعر والرواية والرسم كمن يطالبنا بأن نتخلى عن مسامات جلدنا، كمن يطالبنا ان نتخلى عن الرئة التي نتنفس منها الحياة والمواصلة والاستمرار، كلمة اخيرة اقول نحن الان هنا لكي نقدم اكثر مما لرجل بدأ لاول مرة على هذه الارض عام 1983 ليمنح الخشبة اكثر من معناها القاموسي فاستنطقها فجعلها تحمل الحياة بكل ما فيها من نبض وتفاؤل وحيوية، اصبحت خشبة المسرح هي الحياة مختزلة على مساحة صغيرة، فله منا جميعا اجمل ايات الشكر والتهنئة.
اما الدكتور مقداد مسلم قال : هذه اول مرة اجيء الى بغداد بعد 20 سنة غربة، هذا المنتدى بدأ عام 1983، فبعد حصولي على شهادة الماجستير تم تعييني في دائرة السينما والمسرح، اسمه كان نادي المسرح وكان تحت اشراف الفنان الكبير العملاق المرحوم هاني هاني الذي نحييه جميعا، ثم ادار النادي فنانون كبار ايضا، عام 1983 اقترحت ان يكون اسمه منتدى المسرح، اي انتدى القوم تشاوروا لامر هام، واعتقد ان المسرح هو اكبر امر هام في هذه الارض، اعتقد ذلك، وبالفعل كانت اول تجربة هي اننا اقمنا ندوة بعنوان (الجمهور المسرحي وكيفية استقطابه) وتم استقطاب الجمهور مرة ثانية بعد المقاطعة بعد هذه الندوة وكان فيها اساتذة كبار منهم جبرا ابراهيم جبرا، ابراهيم جلال، يوسف االعاني، سامي عبد الحميد، صلاح القصب، عادل كاظم، ثم توالت العروض، كانت مع الفنانين مجيد حميد وعقيل ابراهيم في مسرحية (المشاكس) وكتبوا ان هذا المنتدى سيشاكس، وبالفعل شاكس المنتدى منذ مسرحية المشاكس ثم قدم الفنان عزيز خيون مسرحية (الصدى) فقالوا هذا سيكون له صدى كبير هذا المنتدى، فكتبت انا (المهندس والامبراطور) فقالوا سيكون هذا المنتدى امبراطور المسرح العراقي، والحمد لله توالت العروض وتوالت المهرجانات (ستة مهرجانات) واستقطبنا من البصرة الى الشمال العديد من المسرحيات وهم الان فنانون كبار وكتاب كبار في منتدى المسرح، كان المنتدى يأخذ من وقتي اكثر مما يأخذ اطفالي مني، والحمد لله ان وزارة الثقافة تحقق الان لي الحلم في ان يكون المهرجان عالميا، وكان هذا حلمي، اشكرهم الشكر الجزيل، لان الدولة التي لا ترعى المسرح دولة متخلفة والدولة التي ترعى المسرح كأنما تغلق سجنا لتفتح مدرسة.
واضاف : لقد سافرت الى تونس التي فيها 520 جمعية مسرحية ويقدم اكثر من 600 عرض مسرحي في السنة، ادرس هناك في الجامعة، كنت اتصور وانا في الغربة انني ينطبق علي قول (ارض لم تكرم بها ارحل) فرحلت ولكنني نسيت (ان لا كرامة لنبي في وطنه) وكان المفروض ان ابقى في وطني لان كرامتك في وطنك، رغم انني في تونس لم احس يوما بالغربة لانه بلد حضاري كبير وانا اتيت اليه من بلد حضاري، فلم احس بالغربة اطلاقا ولكنني مت فنيا مسرحيا، مت في تونس 20 سنة ولكنني اتجدد بطلابي سنويا وهم مبدعون كبار ومنهم اثنان سيشاركان في مهرجان المنتدى هذا بعروض مسرحية، هما الشاذلي العرفاوي وغازي زغباني.
فقد رحلت بحثا عن الخلود كما رحل جدي كلكامش لكي يحصل على الخلود، فحصلت على نبات الخلود الذي هو من دائرة السينما والمسرح / وزارة الثقافة، ارجو ان لا تسرق افراحي وارجو ان لا تسرق العراق الافاعي وحما الله العراق من كل الافاعي.
فيما قدم ابراهيم حنون مدير المهرجان اعضاء اللجنة التحكيمية وهم : د. صلاح القصب، رئيس اللجنة، ود. المخرجة الفرنسية جويل، احمد بن عامر، د. ميمون الخالدي، مناضل داود، جبار جودي، احمد حسن موسى، طالب مهدي، ليلى محمد.
واتفقت اراء الفنانين في اهمية اعادة الروح الى المهرجان هذا الذي طالما كان فضاء للفنانين الشباب بعد ان خرجوا من معطف الهواة الى ولوج بوابة الاحتراف.
فقد قال الفنان الدكتور هيثم عبد الرزاق : المهرجانات بحد ذاتها مهمة جدا، لانها تفتح فضاء للتلاقح للتبادل للثقافات الاخرى، انا اعتبرها كرنفالا شعبيا، لانني مثلا لا استطيع ان التقي بك لولا هذا المهرجان، ولهذا هذه المهرجانات ضرورية جدا سواء كانت مسرحية او سينمائية وهي تساهم ايضا في تفعيل المدينة ونحن دولة ناشئة الان بنظام ديمقراطي جديد، فلا بد للمهرجانات ان تفعل في الدولة الناشئة لاستقطاب الناس لرؤية التجربة ايضا، وايضا لا ننسى ان المهرجانات هي للجذب السياحي وهذه مهمة ايضا، اما فنيا فهؤلاء الشباب يشاهدون اعمالا فرنسية وتونسية ويشاهد تفكير الاخر لان الاخر ضروري بالنسبة لنا، واهمية المهرجان تكمن في هذا الشيء.
اما المخرج حاتم عودة فقال :تعد خطوة جميلة ورائعة جدا اعادة مهرجان منتدى المسرح التجريبي، وتحديدا كلمة التجريبي لان المسرح العراقي يحتاج الى نبض جديد واسماء جديدة لتقديم اشتغالات جديدة، وهذا لايمكن ان يكون الا في هكذا مهرجان لمنتدى المسرح بشكله التجريبي، ونتمنى ان نشاهد العروض العراقية وان تترسخ اسماء مثلما كان هذا المهرجان يرسخ فيما سبق اسماء واصبحت كبيرة في مسيرة المسرح العراقي، ونتمنى كذلك ان تنفعنا هذه الدورة في رفد المسرح العراقي بأسماء مؤلفين ومخرجين وممثلين جدد لاننا فعلا بحاجة الى هذا.
فيما قال المخرج المسرحي ظفار احمد المفرجي : انه فرصة جميلة للقاء الكثير من الاكايميين والخريجين القدامى، نحن التقينا بهم مصادفة، بعضهم جاء من المانيا ومن سوريا ومن دول اخرى، ان شاء الله عروض المهرجان تكون اجمل والاجواء الان اجمل واعتقد ان البداية موفقة وان شاء الله العروض الاخرى اجمل.
- آخر تحديث :
التعليقات