محمد الحمامصي من القاهرة: تشكل رسالة quot;رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهمquot; لمحمود بايزيدي quot;1797 ـ 1867quot; أحد أبرز رواد النهضة الثقافية الكردية إضاءة بالغة الأهمية ليس فقط في التعرف على الحياة المدينية للشعب الكردي، بل في عادات وتقاليد القبائل الرحل من الأكراد، حيث إنها مرآة تعكس بجلاء حياة البداوة الكردية اجتماعيا، وتلسط الضوء على معتقدات الكرد وأساليب حياتهم وسلوكياتهم في السلم والحرب والزواج والرعي والأخذ بالثأر وقطع الطرق أمام القوافل ورحلة الصيف إلى الجبال ثم النزول منها بحثا عن الكلأ.
يصف محمود بايزيدي ما شهده وعايشه في عصر لدى القبائل والطوائف التي ألم بها وتعرف على خصالها، وهذه القبائل تتباين في تفاصيل حياتها التي ألم بها وتعرف على خصالها من مكان لآخر بين السهل والجبل، بين قطاع الطرق والرعاة، بين عشائر همها الغارة والحرب وعشائر تنعم بالاستقرار ورغد الحياة، فلكل من هؤلاء ظروف طبيعية تفرض نفسها وتنعكس على سلوكهم في الحياة اليومية واعتقاداتهم، فيخرج منهم الشجاع المغوار والجبان الفزع، المخادع المحتال والكريم المحسن، ونقرأ عن المرأة التي تتسلح وتقود القوافل مرة، ونراها مرة أخرى تقتل على أيدي أهاليها لسوء الظن فيها، كما نعثر على أطفال يرضعون عشق السلاح مع حليب الأم وجماعات تتهيب من مرأى البندقية، وغيرها التي قد تبدو متنافرة في عين القارئ.
ويفهم من الرسالة التي صدرت في كتاب quot;رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهمquot; بترجمة وهوامش الكاتب والمترجم بالعربية والكردية جان دوست، عن مشروع كلمة إحدى مشروعات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أن الكردي كريم مضياف، صبور ومضح، وفارس، فيما تتميز المرأة الكردية بمراعاة العادات والتقاليد والوفاء والأخلاق الحميدة، ومما جاء بالرسالة:

أصل الأكراد واسم كردستان
ليكن معلوما لدى طلبة العلم والعارفين أن طوائف الأكراد تنتمي إلى القبائل العربية البدوية القديمة، حيث انفصلت في عهود سالفة جماعة من تلك فيما مضى قبيلة واحدة تتكلم العربية على العموم.
وإلى ذلك الوقت لم تكن لفظة كردستان متداولة، ثم بعد أن استقرت تلك الطوائف في هذه البقاع الخالية واستوطنت إيران وخراسان، أطلق اسم كل رجل منهم على طائفة معينة، والذي يدعى زيلو نشأت منه قبيلة الزيليين، وقس على ذلك باقي القبائل وسائر الأطراف.
والمقصود من لفظة الطائفة هو تلك الجماعة التي نشأت من نسل رجل واحد، وبمرور الزمن كثر نسله وتزايد عددهم، ولهذا تجد معظم القبائل ذات صلات قربى مشتركة بعضها مع بعض، فيعتبر رجالها أنفسهم أبناء عمومة للطوائف الأخرى، ويجدون أنفسهم ملزمين بالدفاع عنها، أما الطوائف البعيدة فيتجاهلونها ولا يعبأون بأمرها، وهذه هي حال الطوائف.

لفظ الكرد ومصدره
إن أصل لفظ الكرد والأكراد هو كرد أي الجمع، وقد اشتق لهم هذا الاسم وأطلق عليهم بسبب مجاورة أولئك العرب للفرس والخراسانيين، حيث أخذوا مفردات العربية القديمة وتفرقوا شعوبا وقبائل وطوائف شتى، فالسبب في التصاق اسم الكرد والأكراد بهم هو لغتهم التي أخذوها من الجوار وجمعوا فيما بينها وخلطوا عدة لغات من لغات الإيرانيين وبلاد فارس، وهكذا أطلق عليهم اسم الكرد والأكراد وأصبحوا ملة معلومة.
وثمة بعض اختلاف في لغتهم بحسب الموقع والمكان مثل لهجات العربية والفارسية التي تختلف باختلاف المكان، فمثلا تختلف لهجة البدويين عن لهجة المصريين عن لهجة الحجازيين ولا تتشابه، كما أن لغة الفرس أيضا تتفرق إلى لهجات عديدة كالدرية والبهلوية والعراقية والآذرية وعلى هذا المنوال أيضا تتفاوت لغة الأكراد تفاوتا جزئيا.

سجايا نبيلة
إن الأكراد مشهورون بإغاثة الملهوف، فلو استجار رجل ارتكب جناية عظيمة برجل آخر وطلب الصفح منه لأجاره وحماه وصفح عنه ورعى ذمته، وهم يتخذون الذمة يمينا يقسمون بها ولا يحنثون في إيمانهم أبدا، فلو حدث رجل رجلا آخر وقال له : إن الأمر الفلاني لم يقع ثم حلف بذمته فإنهم يصدقونه بلا جدال. ولو أرادوا مثلا قتل رجل، فذهب أهله واستجاروا بأحد فإنه يجيره مهما كان الأمر ويسعى في إنقاذه من القتل حتى يستخلصه. ومن عاداتهم أنه إذا كبا جواد بفارس فوقع أسيرا في أيديهم فإنهم لا يقتلونه.

أعياد وعقائد
إذا تراقص لسان الشمعة قال صاحبها: إن هناك من يغتابني ويتحدث عني بالسوء.
وإذا سال السمن من يد المرأة ووقع في التنور فاشتعل، عدوه من علامات الشؤم الكبيرة وقالوا إن كبير البيت سيموت.
وكذلك فهم يحسبون أيام العجوز والتي يسمونها زيب من أيام النحس فلا يغادرون منازلهم ولا يسافرون.
وعندما يبقى لصوم المسحيين خمسة عشر يوما، يصوم شباب الأكراد العازبون فتيانا وفتيات ثلاثة أيام، حيث يفطرون كل مساء لكنهم لا يشربون الماء وهم ظمأى. ويقال إن كل فتاة ترى في منامها شخصا يعطيها ماء، فإن ذلك الشخص سيكون في الحقيقة زوجها وهذا الاعتقاد لا شبهة فيه عند الأكراد، وهم يسمون أيام صومهم تلك خدر نبي quot;النبي خضرquot;.
ومن جهة أخرى فإنهم يصنعون الـ quot;بوخينquot; ويسكبونه في آنية خشبية يضعونها وسط الدار ويزعمون أن أثر حصان النبي خضر يظهر عليه، ويكون ذلك مبعث سرور صاحب الدار إذ يدعى أن البركة حلت في دارهم، ثم يصنعون من ذلك الـ quot;بوخينquot; حلوى ويوزعونها على بيوت الجيران والأقارب ويبقون قليلا منها للتبرك بها.
ويسعى الأكراد الأربعاء الأخير من شهر شباط بالأربعاء الأسود أو الأخير ويقيمون الأفراح في ذلك اليوم ويهيئون كثيرا في بيوتهم، وفي اعتقادهم أنه إذا عمل أحدهم في ذلك اليوم عملا فإنه يكثر منه على مدار العام.
ومن عاداتهم في الأعياد أن يصنع الجميع الهريسة صغارا وكبارا ومن عاداتهم أيضا أن المتخاصمين يجنحون للصلح في العيد ويعودون للتكلم بعضهم مع بعض ويتزاورون لمدة ثلاثة أيام ويذهب سكان كل زم إلى الزم الآخر الذي يعادون أهله، أما الأطفال فهم يدورون على البيوت والمنازل، ويحصلون على النقود والفواكه، أما الكبار فإنهم يوزعون الهدايا والعيديات على الأطفال.

نساء الأكراد
أغلب نساء الأكراد وبناتهم مثل نساء العرب يضعن الوشم على وجوههن وجباههن وشفاههن، وهن يذهبن مرخصات، ولا يتعرض لهن أحدا، إلى المطاحن أو القوافل.
وينام الأكراد في بيوتهم أو خيامهم سوية، الأزواج والآباء والأبناء والأخوات والأمهات والكنائن جنبا إلى جنب ويصل عددهم إلى بضعة عشر شخصا، وهذا للضرورة إذ لا يوجد مكان خاص لكل واحد فلابد من النوم في صعيد واحد.
وإن نساءهم وبناتهم لا يحتجبن أصلا، ولا يهربن من أجنبي ولا يتحرجن من الكلام مع الغرباء، ومع ذلك فهن ذوات عصمة وأدب وشرف، ولهن أملاكهن الخاصة مما جلبنه معهن من بيوت آبائهن كالغنم والنقود أو مما وهبه لهن أزواجهن، وتسمى ممتلكات المرأة quot;شكيرتquot;، ولا يقرب الزوج مال زوجته أو يأكله، وللزوجة أن تتاجر بمالها وتكسب من وراء ذلك، لكن معظم نسائهم يتازلن عن حصصهن من الميراث لإخواتهن وأبناء أعمامهن.
ولا يعرف الأكراد سوء الظن بل لا يخطر في بالهم أن يتهموا نساءهم بارتكاب الزنا وأفعال السوء، حتى ولو اختلطن بالرجال الأجانب وتحدثن معهم ولعبن وضحكن، أو بقين إن اقتضى الأمر في بيوت الغرباء ونمن هناك. فالنساء وإن كن متبرجات إلا أنهن ليست سيئات الخلق، ومن النادر وجود امرأة سيئة السيرة، وذلك يعود لخوفهن، إذ لو ثبت، والعياذ بالله أن امرأة زنت، فإنها تقتل لا محالة من قبل ورثتها وأهلها المقربين ولا فرصة للمرأة في هذه الحالة في الحياة. ولو وجدوا تلك المرأة مع رجل فإنهما يقتلان ولا دية لهما، زلا يطالب أحد بدم العاهرة، فذلك عار كبير، لا تنفع فيه الشفاعة ولا يجدي الرجاء، أما ستئر القباحات الأخرى مثل القتل والسرقة فيمكن أن يتشفع فيها الناس.

العلم والدراسة الدينية
ولا يوجد أجر مخصص لمعلمي الأولاد كما هو معهود لدى الروميين quot;الأتراكquot;، ولكن الأكراد يبعثون أول ما يرسلون أولادهم إلى الكتاب بهدية إلى المعلم حسب قدراتهم، إلى أن يختم الولد القرآن الكريم، عندما يدعو والداه المعلم، ويهبانه حسب طاقتهما بضعة رؤوس من الغنم أو بقرة.
أما الدروس الأخرى فإن المعلم يلقنها الأولاد بدون أجرة يتلقاها إلا مدرسو المدارس فلهم رواتب معينة من مال الأوقاف.
ويأتي المدرسون في الصباح إلى المدرسة ويلقون الدروس إلى أن تقترب المساء فيعودون إلى منازلهم ما عدا يومي الثلاثاء والجمعة، فإنهم لا يأتون بينما يقوم التلاميذ بمذاكرة دروسهم ومراجعتها وحفظها وتلاوتها، وقد جرت العادة أن يقدم كل واحد مساء ثلاثة أرغفة وآنية طعام إلى التلاميذ، وهم يحترمون الملالي كثيرا ويقدرونهم، حتى أنه إذا ضرب الملا أحد العامة أو شتمه فإن العامي لا يرفع يده ولا يرد الشتيمة. وفي نواحي بوهتان وهكاري وبهدينان وسوران إذا لقي العامي في طريقه ملا، فإنه ينزل من دابته ويقبل يد الملا ثم يكمل سيره.