إعداد ليلى قصراني: عاموس عوز مواليد 4 آيار 1939. ولد باسم عاموس كلاوزنر. كاتب وروائي وصحفي إسرائيلي، كما أنه بروفيسور في الأدب في جامعة بن غوريون في بئر السبع. منذ العام 1967 اعتبر من أبرز الدعاة والمؤيدين لإقامة الدولتين كحل لإنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. حاز على عدد من الجوائز بينها وسام الفنون والآداب برتبة ضابط في فرنسا Officier des Arts et Lettres عام 1984. جائزة فرانكفورت للسلام عام 1992. وسام الشرف Legion d`Honneur من الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1997. جائزة أمير أستورياس للآداب quot;Premios Priacute;ncipe de Asturiasquot; في إسبانيا. هذه ترجمة للقاء تلفزيوني مع الكاتب الإسرائيلي (عاموس عوز)، الذي كان مرشحاً قوياً لجائزة نوبل للآداب. إستضافه مؤخراً المذيع الأكثر شهرة في شبكات التلفزة الأمريكية (تشارلي روز) لمدة أربعين دقيقة. وقبل أن يناقشان الكتاب الجديد للكاتب quot;مشاهد من حياة قريةquot; تحدثا عن الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط، مثل اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس جلعاد شاليط و رفض أسرائيل لإقتراح تأسيس دولة فلسطينية. علما أن (عاموس عوز) مؤسس منظمة (السلام الآن).

تشارلي روز: لنبدأ، اولا. بالحديث في السياسة ثم ننتقل الى حياتك، والأدب، وكتابك الجديد quot; مشاهد من حياة قريةquot;. ما هو شعورك لإطلاق سراح جلعاد شاليط؟
عاموس عوز: لدي شعور مزدوج بين الفرح والحزن. شعرنا كأسرائيليين بأننا عائلة واحدة متضامنة في يوم اطلاق سراحه. مع ذلك فأن الثمن كان باهظا، فمن ناحية أخرى تم اطلاق سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني بأمكانهم أن يلجأوا الى الأرهاب مرة اخرى إن أرادوا، ليقتلوا المزيد من الأسرائيليين. وهذا محزن.

تشارلي روز: الكاتب والمتخصص في الشرق الاوسط (ايرن ديفيد ملير) قال أن هذا تعامل وقتي في موضوع تبادل الاسرى، ولكنه ليس تغييراً في السياسة بين الطرفين.
عاموس عوز: نعم. تعريف جيد.

تشارلي روز: هناك مخاوف بأنه قد يتعرض المزيد من الجنود الإسرائيليين للخطف من قبل جهات معينة كي يتم تبادلهم كرهائن مع سجناء فلسطينيين.
عاموس عوز: نعم، ليس هذا فقط، سيكون لـ (حماس)، مثلا، دافع قوي. وهذا سيجعلهم أقوياء على حساب منظمة (فتح) و (أبو مازن). وهذا أمر سيء.

تشارلي روز: وماذا عن دولة فلسطين؟ هل تشعر بأمكانية تأسيسها؟
عاموس عوز: لا يمكن تجنبها. لابد من إنشاء (دولة فلسطين). طبعاً أنا أومن بضرورة وجود دولتين. سيحصل ذلك بعد ستة أشهر أو بعد ست سنوات، لا محالة. ليس هناك حل آخر. هناك ستة ملايين اسرائيلي في اسرائيل وأربعة ملايين ونصف فلسطيني. نحن بحاجة الى بلدين. هناك شعبان لا يمكنهما العيش في بلد واحد. وجودهما أشبه بعائلتين متخاصمتين تعيشان في بيت واحد و لابد من تقسيم البيت الى قسمين.

تشارلي روز: أنت كتبت أن المشكلة ليست في تعرّف كلا الطرفين الأسرائيلي والفلسطيني على بعضهم البعض. فهذا حاصل فعلاً، لكن كلاهما يرغب بامتلاك الشيء نفسه.
عاموس عوز: نحن نعرف الفلسطينيين، وهم يعرفوننا، هذه ليست المشكلة. الجميع يريد الأرض. كثير من الجهات والمنظمات (بدافع طيب) تقترح أن اقضي بعض الوقت مع المثقفين الفلسطينيين لأعرفهم وأتفاهم معهم، ولكن فنجاناً من القهوة لا يكفي لإطفاء نيران مأساة مثل هذه. الطرفان يملكان الحق والرغبة في إمتلاك الأرض.

تشارلي روز: الجميع يعرف ما هو الحل ما عدا القادة من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. هل تظن أنهم مستعدون ـ مثلا ـ الى الرجوع الى حدود 1967، وحق العودة، وتقسيم (القدس) الى عاصمتين؟
عاموس عوز: دعني أشّبه القضية الفلسطينية بمريض بحاجة الى عملية جراحية. لكن الأطباء جبناء.

تشارلي روز: جبناء! هل تظن بأن بنيامين نتنياهو يريد ان يحقق هذا؟
عاموس عوز: نعم. هو ـ في أعماقه ـ يعرف جيداً أنه لا يمكن تجنب فكرة (الدولتين)، لكن تنقصه الشجاعة والرؤيا. الأمر ذاته ينطبق على القادة الفلسطينيين أيضاً.

تشارلي روز: ماذا بعد ذلك؟
عاموس عوز: علينا أن ننتظر. نحن بحاجة الى قادة لديهم الشجاعة والقوة لإنشاء دولة فلسطين، ومن قبل الطرفين. قد يتأخر ذلك وقد يحدث قريباً.هناك إستعداد لدى الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.

تشارلي روز: هل هناك قنبلة موقوتة في الشرق الاوسط؟
عاموس عوز: هناك تغييرات كثيرة في الشارع العربي.

تشارلي روز (مقاطعاً): هل هو الربيع العربي؟
عاموس عوز: لا اعرف إن كان ربيعاً أم شتاءاً!

تشارلي روز (ضاحكاً): كنت أخمن ان لك رأياً محددا في هذا الأمر.
عاموس عوز: ايران قنبلة موقوتة مثلاً، هناك قنبلة أخرى، الصراع الموجود منذ مئات السنين. الفلسطينيون كانوا يظنون أنه بإمكانهم التخلص من اسرائيل، وهذا ما تظنه اسرائيل من الجهة المقابلة. لكن الطرفين مستعدان لمواجهة فكرة (وطنين) اليوم. وها أنا أنقل لكم اليوم هذا الخبر المفرح. فلا توجد أخبار سارة تأتي من الشرق الأوسط. لكن الامور تختلف الآن.

تشارلي روز: هل الناس تعترف؟
عاموس عوز: الفلسطينيون يعرفون أن الاسرائيليين لا يمكن التخلص منهم. والإسرائيليون يعرفون أن الفلسطينيين لن يذهبوا الى أي مكان آخر. اليوم الطرفان يعترفان بوجود الاخر، وهذه خطوة جبارة.

تشارلي روز: ماذا عن المستوطنات؟
عاموس عوز: بعض المستوطنات لابد أن تزول، هذا اذا ما حصل تبادل بعض الأراضي بين الطرفين، والبعض سيقع تحت سيطرة الفلسطينيين.

تشارلي روز: انت تقول إن حماس فكرة. كيف نهزم هذه الفكرة بفكرة أفضل منها؟
عاموس عوز: ان نخلق دولة فلسطينية.

تشارلي روز: هل تظن، أنه يمكن تغيير حماس؟
عاموس عوز: سؤال صعب. لو تغيرت حماس فأنها لن تكون المنظمة التي عرفناها. حماس بتطرفها أبعد من التطرف الديني. المتداول بين الناس بأن لحماس ما يسمى بـ quot;عهد حماسquot; وهو، أن تمحو اسرائيل من وجه الارض. لا يمكن المساومة بهذا الشكل. أنا اؤمن بالمساومة لكن لا يمكن ان تساوم بين الوجود والعدم.

تشارلي روز: أتظن أن اسرائيل أقترفت خطأ برفض إقتراح إنشاء دولة فلسطينية الذي طُرِحَ مؤخراً في الأمم المتحدة؟
عاموس عوز: لو كنت مكان (نتنياهو) لأصررتُ على أخبار الشعب الإسرائيلي بــ 48 ساعة قبل اعلان استقلال دولة فلسطين كي تكون أسرائيل مهيأة للحظة تاريخية ولتكون أول من يعترف بـدولة فلسطين.

تشارلي روز: انا متاكد أن (نتنياهو) يعرف كل أفكارك هذه.
عاموس عوز: نعم. كلانا نعرف أفكار بعضنا جيداً.

تشارلي روز: بالنسبة للاحتلال، ما هو التأثير النفسي على المُحتل خلال كل هذه السنين؟
عاموس عوز: قبل اكثر من أربعين سنة كتبت مقالاً وضّحت فيه كيف أن الاحتلال سيفسد الذهن الاسرائيلي.

تشارلي روز: لذلك أنا سألتك هذا السؤال، ما المقصود بأنه يفسد الذهن؟
عاموس عوز: أن الإحتلال خلال كل هذه السنوات أفسد فكر الجنود الأسرائيليين. جعلهم يشعرون بأنهم الاسياد. وهذا فساد الروح. بعض الشباب أستطاعوا تجاوز هذه الأزمة، والبعض استطاع أن يرى أن هيمنة الأسرائيلي واذعان الفسطيني، صفقة فاسدة.

تشارلي روز: هل هناك حركة قيادية شبابية في إسرائيل قادرة على صنع إسرائيل جديدة؟
عاموس عوز: في الصيف الماضي، و خلال المظاهرات في تل أبيب، أستطعنا أن نرى بروز ما يشبه قيادة جديدة جريئة وصريحة ومباشرة. هؤلاء الشباب يمتلكون رؤيا جديدة حول مَن سيحكم اسرائيل قريباً.

تشارلي روز: لكن هل تظن أنهم سيمتلكون الشجاعة الكافية للتغيير؟
عاموس عوز (يضحك): من الصعوبة التنبؤ بهذا الأمر، لا سيما و أنني جئت من بلد الأنبياء وهناك الكثير من النبوءات في إسرائيل.

تشارلي روز: هل تظن أن نتنياهو عاجز عن تحقيق السلام مع فلسطين إلا بعد رحيل والده؟ أنت تهتم كثيراً بالعائلة، هل لأبيه تأثيراً عميقاً عليه؟
عاموس عوز (مقاطعاً): أنا لا اعرف شيئا عن عائلة نتنياهو. لا أعرف مدى تأثير الأب على الأبن، قد لا يملك نتنياهو الآن الشجاعة الكافية للتغيير.

تشارلي روز: هل هناك وصفة للـ (أمان)؟ ما رأيك في أمن إسرائيل؟ هل على الفسطينيين أن يدركوا حاجتهم الى أمن إسرائيل، خصوصا وأنكما فريقان تعيشان جنباً الى جنب ومع ذلك تريدان خنق بعضكما؟
عاموس عوز: الصراعات تنحل مع الوقت بسبب الإنهاك. لكن أنا اشعر بأن الطرفين منهكان الان. أنا أسميه (التعب المبارك)، لكن المتطرف لا يتعب أبداً. التطرف هو مشكلة العصر، بكل أشكاله، ليس في الشرق الاوسط فقط بل والعالم.

تشارلي روز: ماذا تقصد بالتطرف؟
عاموس عوز: التطرف ليس تعبيراً عن تدين فقط. وهنا لا أقصد ـ ابداً ـ التطرف الإسلامي. قد يكون أي نوع من تطرف سياسي أو حركة سياسية.

تشارلي روز: كتابك الجديد quot;مشاهد من حياة قريةquot; هو مجموعة قصصية، من أين إستلهمت فكرة الكتاب؟
عاموس عوز: الكتاب، لم يبدأ بفكرة بل بحلم. من قرى قديمة في اسرائيل. هناك اكثر من عشرين قرية اقدم من دولة أسرائيل. رأيت حلما قبل سبع سنوات، أنني أمشي في قرية خالية تماماً من البشر. كنت ابحث عن شخص وفي النهاية اذا بذاك الشخص يبحث عني. عندما استيقظت عرفت بأني سأكتب عن ذلك المكان. إن المكان هو الذي خُلق أولاً في هذه المجموعة و ليس الأشخاص، عكس أعمالي السابقة.

تشارلي روز: هل تسميها مجموعة قصص أم ماذا؟
عاموس عوز: أنا لا أسميها قصصاً بل حكايات مروية. لأن الشخصية تتطور وتخرج من حكاية لتدخل في أخرى وكأنها حكايا منسوجة. والشخصية الرئيسية في بعض الحكايات تتداخل مع شخصية أخرى في القصة التي تليها وهكذا.

تشارلي روز: أنت قلت مرة بأن القصيدة نزوة والقصة علاقة حب اما الرواية فهي زواج، ما الذي تقصده؟
عاموس عوز: نعم، القصيدة نزوة والقصة القصيرة علاقة حب لا تستمر طويلا أما الرواية فهي كالزواج تأخذ سنين من الجهد في الكتابة.

تشارلي روز: اشعر بأن تشيخوف حاضر في قصصك. ترى ما هو الفرق بين شكسبير وتشيخوف؟
عاموس عوز: شخصيات شكسبير تجدها ميتة على خشبة المسرح بشكل ما، لكن الحق منتصر ـ في النهاية دائماً.غير أنك ترى، في أعمال تشيخوف أن الجميع تعساء و مصابون بخيبة أمل ولكنهم أحياء في النهاية. وأنا وزملائي نريد حلاً (تشيخوفياً) للأزمة الفلسطينية الإسرائيلية. كتابي هذا من النوع التشيخوفي.

تشارلي روز: تشيخوف كان شخصاً محلياً.
عاموس عوز: كلما كان الكاتب محلياً كلما كان عالمياً. الدافع عند بعض الكتاب هو أن يصبحوا كتّاباً عالميين، يكتبون عن أماكن بعيدة في مدينة كبيرة وفندق فخم مثلاً. أظن أن الفرق هو أن الكاتب المحلي يصبح عالميا بمحليته، بينما الكاتب الذي يبحث عن العالمية تجد كتابه مهملاً على مقعد في مكان عام.

تشارلي روز: كتابك عن القرية، عن مكان صغير ومجتمع محلي صغير.
عاموس عوز: الشخصيات في هذه المجموعة تبحث عن شيء ما. هي تعرف نصف المعرفة. أحداث قصصي هذه تحدث في القبو وفي الغرفة العليا. إنهم يبحثون عن شيء لا يعرفون ما هو وما الذي أضاعوه.

تشارلي روز: الكتابة بالعبرية هل هي ممتعة بالنسبة لك؟
عاموس عوز: أنها آلتي الموسيقية. قد لا اكون متشدداً في محبتي لوطني لكني بلا شك أنا متشدد ومتعصب للغة العبرية. العبرية المعاصرة هي بركان هائج، و دائماً هناك كلمات جديدة تجد طريقها الى اللغة العبرية الحديثة. إنها مثل اللغة الأنجلزية الأليزابيثية. شعراء العبرية يتلاعبون باللغة ولديهم قوانينهم الخاصة ويتعاملون مع اللغة بكل حرية.

تشارلي روز: هل يوجد مصطلح quot;الرواية الخياليةquot; في اللغة العبرية؟
عاموس عوز: لا. أنا لا أحب أن يُصنّف عملي على أنه روايات خيالية. تجد في المكتبات عندنا عبارة (كتابة نثرية) مطبوعة على أغلفة رواياتي. وأنا سعيد لأنه لا توجد كلمة (خيال) بالعبرية لهذا الصنف من الأدب. كتابة الرواية ليست مجرد خيال. هناك أحلام وآمال و رؤى وفنطازيا في الرواية.

تشارلي روز: هل كنت تعرف أنك ستكون كاتبا منذ صغرك؟
عاموس عوز: نعم. منذ تعلمي الأبجدية.

تشارلي روز: إنه سحر الكلمات أذاً!
عاموس عوز: في المدرسة لم أكن تلميذاً مجتهداً، لذلك كنت احاول أن أبهر الفتيات بحكي القصص.

تشارلي روز: ثم تركت البيت لتذهب الى الكبوتس** لتعمل. ولم يعطوك يوم أستراحة؟
عاموس عوز: نعم. بعد فترة اعطوني يوماً واحداً لأكتب، على أن اعمل بكد في الأيام الاخرى.

تشارلي روز: أنتحرت والدتك، اليس كذلك؟
عاموس عوز: نعم. كانت في الثامنة و الثلاثين، و كنت أنا في الثانية عشرة من العمر. لم أستطع أن أغفر لها في ذلك الحين. كان انتحارها أشبه بهروبها مع عشيق.
تركتنا بدون اي ملاحظة. هي التي كانت تصر على أن يكون بيننا تبادل قصاصات صغيرة نكتبها ونتركها تحت المزهرية الفخارية عند مدخل البيت عند خروج أحدنا من البيت في حالة عدم تواجد الآخرين. انتحارها كان مثل خروجها بدون ترك ملاحظة. لم أستطع أن أغفر لأبي. كنت غاضباً وساكتاً. بل وكنت غاضباً من نفسي، وشعرت بالذنب. لم أطرح أي أسئلة على أبي ولم نناقش، أنا وهو، موضوع حياتها و لاموتها.. كأننا محوناها من حياتنا.

تشارلي روز: كيف استطعت أن تجتاز هذه المحنة بعد كل هذه السنين؟
عاموس عوز: مع مرور الوقت والتقدم في العمر، استطعت ان اتغلب على الشعور هذا بالمحبة والتساهل والفضول. أشعر أحيانا أن أهلي هم أطفالي. أحيانا أدعوهم لفنجان قهوة وأعرّفهم على عائلتي. لكن ليس مسموحا لهم أن يمكثوا طويلاً. فعندما كتبت روايتي quot; الحب والظلام quot; دعوت أمي و أبي. هذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع الموتى. وهذا ما نفعله في أحلامنا.

تشارلي روز: لقد قلت ـ ذات مرة ـ أن بإمكانك أن تزور الناس، في بلد ما، في غرف نومهم بمجرد أن تقرأ رواية من ذك البلد!

عاموس عوز: نعم. لو أنك اشتريت تذكرة سفر و زرت كولمبيا ـ كسائح ـ ستجوب الشوارع والساحات في تلك البلاد. لكنك لو قرأت رواية لـ (ماركيز) فأنك مدعو للدخول الى غرف نوم الكولمبيين. أفضل طريقة لتعرف روح بلد ما هي من خلال قراءة نتاجه الادبي.

تشارلي روز: أفضل طريقة لتعرف روح بلد ما هي من خلال قراءة نتاجه الادبي! اذاً الروائي هو أملنا الكبير كي نعرف من نحن ومن أين نأتي.
عاموس عوز: أؤمن بالفضول. من الأفضل أن يكون المرء فضولياً من أن لا يكون. الشخص الفضولي شخص مشوق وممتع بل الشخص الفضولي يعشق بطريقة أفضل.

تشارلي روز: أنا متأكد من أن الكثيرين سيوافقونك في هذا الأمر. لديك اسلوبان مختلفان في الكتابة؟
عاموس عوز: نعم، استخدم اسلوباً معيناً لمخاطبة الحكومة والإسرائيليين، فيما أستخدم أسلوباً أخر في الكتابة الادبية.

تشارلي روز: هل أنت مقتنع بحكم أي زعيم في أسرائيل؟
عاموس عوز: quot; مقتنع quot; أظن أن هذه الكلمة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالحكومة.

تشارلي روز: لنقل مثلا...؟قبولك لــ...؟
عاموس عوز: لأقل أنني كنت راضياً، راضياً على سياسة رابين. كان قائداً رائعاً، ولديه الكثير من الشجاعة. رابين كان من أفضل القادة الذين شهدتهم اسرائيل.

تشارلي روز: لماذا؟ ألأنه كان يمتلك الشجاعة الكافية؟
عاموس عوز: نعم. الشجاعة والرؤيا.

تشارلي روز: لكنه قُتل على يد يهودي.
عاموس عوز: لقد قتل على يد متطرف. متطرف متشدد. التركيز هنا على أنه كان متطرفاً دينياً بغض النظر عن دينه.


تشارلي روز:هل شكّل رابين مع بيريز فريقا جيدا؟ أم أن كل النجاحات تُعزى لرابين؟
عاموس عوز: لم يكن هناك quot;مودةquot; كبيرة بينهما. لكن في النهاية عملا كفريق عمل واحد. كل واحد منهما كان يمتلك حسنات لا توجد في نظيره. هما أكملا بعضهما البعض وسعَيا معاً الى الوصول نحو ما تم تحقيقه في التسعينيات.

تشارلي روز: هل تستيقظ صباحا وتكتب؟ قبل أن تفطر مثلا؟
عاموس عوز: نعم. أولا أتمشى في الصحراء صباحاً.

تشارلي روز: أنت تعيش في الصحراء بسبب مرض ابنك. ما أسم المكان؟
عاموس عوز: نعم، أعيش في قرية صغيرة أسمها (آغات) واقعة في جنوب أسرائيل.
الصحراء علمتني كيف اُوازن بين الأشياء. ثم أرجع الى البيت وأفتح المذياع واسمع ما يقوله الساسة مثل كلمات (أبدا ودائما والى الأبد)، أضحك واقول لنفسي حتى الحجارة في الصحراء تضحك علىٍ هؤلاء. ثم أشرب فنجاناً من القهوة واجلس وافكر في ما أكتب. و أضع نفسي في مكان الشخصيات، ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه أو مكانها وماذا كان سيقول أو تقول.

تشارلي روز: هل اسهل ان تكون quot;هوquot; من quot;هيquot;؟
عاموس عوز: لا طبعا. عندي رواية فيها المرأة هي البطلة. ليس سهلاً أن تضع نفسك في مكان الآخرين. أن تلغي مشاعرك أنت و تتقمص شخصية أخرى لتشعر بما يشعر هو أو هي. بماذا يفكر وكيف يتصرف وبماذا يحلم.

تشارلي روز: هل الاحلام مهمة؟
عاموس عوز: نعم. الاحلام مهمة.

تشارلي روز: هل تمرّ بما يمرّ به الكاتب مرات من أختفاء الرغبة في الكتابة.
عاموس عوز : نعم. مرات كثيرة أتوقف عن الكتابة تماماً، و لا اكتب. فقط أجلس على مكتبي و أنتظر. فأنا مثل بائع المحل الذي يفتح محله. إن مرّ زبائن في ذلك اليوم فهو يوم حسن.

تشارلي روز: هل تستخدم التطور والتكنولوجيا في الكتابة؟
عاموس عوز: هناك علاقة وطيدة بين أصابعي والقلم وبين الورق. كثيرون حاولوا أن يغيروني لكن لم يفلحوا.

تشارلي روز: وهل يزعجك أن تتم المقارنة بين أعمال وليم فوكنر واعمالك؟
عاموس عوز: أبداً. أشعر بأن هذا أطراء ويشرفني ذلك. فوكنر كاتب عظيم، لكنني أشعر بأن اسلوبي أقرب الى الكاتب الأمريكي (شيروود أندرسون). كتابه quot;واينزبرغ أوهايوquot; أثر فيّ. لقد قرأت هذه الرواية عندما كنت في السادسة عشر من عمري. و قد غيرت حياتي. وهو أيضا كتاب تشيخوفي. قبلها كنت اظن بأن علي أن أعيش في مدينة مثل باريس أو نيويورك كي أكتب. لكن هذه الرواية علمتني بأن مركز العالم هو انت ومكانك حيثما أنت.

تشارلي روز: وليم فوكنر كاتب محلي أيضاً.
عاموس عوز: نعم وليم فوكنر كاتب محلي، تشيخوف كاتب محلي و غارسيا ماركيز وشيروود أندرسون.

تشارلي روز: ماذا عن ديستوفسكي؟
عاموس عوز: الى حد ما، في وصفه للمناطق المحيطة بسان بيترسبرغ هو محلي.

تشارلي روز: هل تشعر بأنك أختبرت قوة الكتابة؟
عاموس عوز: من أفضل كتبي هو كتاب بعنوان سومكى Soumchi لكنه لم يلق نجاحاً، هنا في أميركا لسبب ما. وفيه أتخطى كل الخطوط بين الشعر والنثر. بين السيرة وبين الرواية. بين الخيال وبين الحقيقة.

تشارلي روز: هل تكتب ما يدور في ذهنك بالضبط أم أنه من الصعوبة أن تكتب ما تريد أن تقوله؟
عاموس عوز : نعم، أواجه صعوبة في الكتاب الذي أعمل عليه حالياً، يحدث ذلك دائما مع آخر ما تكتب.

تشارلي روز: أنت تقول بأن كتبك تدور حول العائلة.
عاموس عوز: في النهاية العائلة اهم شي بالنسبة لي. لو توجد كلمة واحدة لوصف أعمالي فستكون (العائلة). لو توجد كلمتان للوصف لقلت: عائلة تعيسة. لو ثلاث كلمات، فعليك ان تقرأ اعمالي. العائلة شي متناقض وشيء دائم.

تشارلي روز: أنت قلت بأن مائدة الطعام هي مكان ساحر.
عاموس عوز: مائدة الطعام هي مكان مهم بالنسبة لي. لأنها هي المكان الذي يتجمع حوله أفراد العائلة ويتحاورون. لو أن لديّ فرصة أن اختار بين ان اكون في رحلة الى زحل او ان اكون ذبابة في بيت ما لأخترت ان اكون ذبابة في بيت ليوم واحد.

تشارلي روز: ما السبب؟ هل لأنك تشعر بأنك قادر على الكتابة عن العائلة بسهولة أم ماذا؟
عاموس عوز: السبب يا تشارلي، أني فضولي في مراقبة كيف يتعامل الأبناء مع الوالدين. المراة مع الرجل. الأخ مع أخيه.

تشارلي روز: نحن هنا نتكلم عن العائلة. ووالدتك أنتحرت، ما حجم حضور الوالدين في كتابتك؟
عاموس عوز: كتابي الأخير quot;مشاهد من حياة قريةquot; فيه الكثير عن العائلة وأسرارها وتأثير الوالدين على الابناء. الوالدان يشكلاننا وبعد موتهما نحبل بهما، نمشي وبطوننا منفوخة بهما. فهما لا يغادراننا. ابي علمني ان ابحث عن الحقيقة، وامي علمتني ان أحفر تحت الحقيقة.

تشارلي روز: هل صحيح أنك قمت بإرسال روايتك لمروان البرغوثي؟ ولماذا؟
عاموس عوز: أنا أعرف مروان البرغوثي قبل دخوله السجن و رغم عدم حبه لإسرائيل إلا أنه شخص واقعي. بعثت له روايتي (الحب والظلام)، لربما يتعرف على العائلة الاسرائيلية من خلال الرواية.

تشارلي روز: لو جلستما معاً ـ انت و البرغوثي ـ فهل بإمكانكما أن تصنعا دولتين؟
عاموس عوز: نعم. انا اعرف الحلول. لأكثر من أربعين سنة.

تشارلي روز: وهل حلك هو نفس حل مروان البرغوثي؟
عاموس عوز: نعم. قد لا نتفق على التفاصيل لكن المبدأ واحد.

تشارلي روز: من أين يحصل القادة على الشجاعة؟ هل الشعب يمنح الشجاعة للقادة؟
عاموس عوز: القائد الشجاع هو الذي يؤثر في الأغلبية و يجذبهم الى الهدف. قد لا تنجح هذه الطريقة لكن التأريخ حافل بالأمثلة على ذلك. مثلا أنور السادات جاء الى القدس وquot;فرضquot; علينا السلام و المصالحة. مناحيم بيغين رجّع لمصر سيناء وكانت تلك خطوة شجاعة رغم أعتراض الكثيرين. غورباتشوف حلّ الاتحاد السوفيتي. شارل ديغول أعطى الاستقلال للجزائر.

تشارلي روز: لقد رأيتَ الكثير من التطورات في حياتك. كم عمرك؟
عاموس عوز: عمري 72 عاماً، لكني شيخ كبير بعمر أميركا! لقد صافحت أيادي أناس كبار أمثال (جورج واشنطن) و (أبراهام لنكولن). ودائما أقول: أرجوكم عاملوني باحترام كرجل هرم. كم من الامريكان بامكانهم ان يختبروا ذلك؟

تشارلي روز: أعرف ما تقصد. لأنك شهدت الكثير مما دار في حياتك، قل لي ما هو دورك؟
عاموس عوز: انا أروي ما يحدث كمراقب وشاهد. قد أصرخ أحياناً وقد أعارض أحدهم لكني في النهاية شاهد.


* الكبوتس: مزارع تعاونية تديرها الدولة الاسرائيلية.