كان الوقتُ قد إصفّرَ فوقَ التماثيلِ اللاتينيةِ وبعد مضي فترة قصيرة كانت العتمةُ قد غطت تمثالَ المحارب إذ أبتدأت برمحهِ ثم بخوذته المشبكة التي غَطت أنفَه ثم كَسَت جسدَه العاري وبنفس الطريقة خفتت الأصواتُ في الصالة الطولية ذات المسننات الخشبية التي حاكت الحبالُ زواياها زاويةً زاوية وكان المرشدُ السياحيُ قد أمّن مجموعتَه للخروج بها نحو الهواء لكن البعض من هؤلاء لم يكملوا مشوارهم وكامراتهم إذ توقفوا أمام نصب لهيجل كتب عليه مقولته:
(العدم ليس نهاية.. بل العدم نقطة البدء..)
من هنا أبتدأ الذين تأخروا الخروج الى الهواء الطلق وظلت ذكرياتهم ممسكة بهم في حين كان الجلاسُ على الموائد يصيحون بهم:
(هذه شعوذة)..
لاشك أن الحوارَ الذي جلبته تلك اللحظة كان يبعث على الطمأنينة من أن بَلادة التاريخ كغُلمان الأزقة سرعان مايتواروا عن الأنظار لذلك بعد كَرٍ وفر ومصادقة على المراحل التي أنجبت زمنا عاش فيه جوته وأخر عاش فيه دستوفسكي وراسين ونيتشه لم يتردد الجلاسُ في رفع كؤوسهم للذين أكملوا مشوارهم وكامراتهم والتحقوا بالهواء الطلق، كانت الملاعق التي وضعت لوجبة الغذاء مناسبة لتوريد الماجنين والماجنات وكانت كؤوس النبيذ التي ترفع من حين لأخر هي الأخرى مناسبة للحديث عن الألهة والأبطال ودون كيشوت وبذلك أصبح لدى الجميع اليقين بأنهم ذاهبون للتحري عن الطبيعة كي يتلافى الواقفون والجلاس فكرةَ تصنيف الجمال،
تحدث صاحبُ القبعة عما تحدث به هيجل في كوبنهاجن
وأخرى ماأتى به شلنج...
وأخر قطعا سيذهب لسولجر...
ثم بعد ذلك بدأت الفتيات في مسار أخر حين بدأن الرقصَ بين الطاولات وكان الذين أكثروا من النبيذ يفسرون تلك الحركات الراقصة بتفسيرات المدارس الفلسفية حتى عدوا تلك الحركات بالغموض الساحر وبالصدفة التي تستطع بها أن تأمرَ لتجد ماتريد بين يديك إلى أن قال المرشدُ السياحي بصوت مسموع:
(هذه حركاتٌ فلكلورية)..
أضاف هذا القول تأكيداً على إستمرار فكرة الجدل وهذه المرة عن الفكرة والصورة بدأ بالباطن وموايل الخراب والشكل الجميل الذي يأتي به الحدس والنار الإلهية الخالية من الشرار ،
ولكي أحدد موقعي بين هولاء أعدت تقليبَ (دراما هُبل)
وتيقنت من النقطةِ الحاسمةِ في إثمه التراجيدي
كان كلٌ يشير الى أن المصير ليس مجهولا
وهناك مابعده ومابعده ولو كانت الآخرة فهناك مابعدها وما بعدها
حينها لم يكن المرشد السياحي قادرا على العودة بهم الى الباصات
فقد فضلَ الجميعُ العودة لتمثال هيجل
والوقوف الى الصباح في البرد القارص كي يجدوا بداية ترضيهم ويبداءوا من نقطة العَدم،

[email protected]
شاعرعراقي ndash; مقيم في قطر