الجزائر:في تجربة مسرحية مبتكرة بالجزائر، أنجز المخرج العراقي المغترب طلعت السماوي تجربة جديدة سماها quot;وجوه القمرquot; شارك فيه ممثلون من العراق وسوريا وتونس والجزائر والسويد، وحملت قدرا غير قليلة من أسئلة القلق والتأمل والبحث بين الذات والذات وتعدد العناوين حول مفاهيمية التعدد الثقافي وما بعد التعدد الثقافي.

الجزائر: رائعة وجوه القمر التي أنتجتها مجموعة أكيتو الدولية بالسويد، هي باكورة استعراضية متنوعة تناولت موضوعة التشابه والاختلاف في عصر متداخل ما بين التلاقي والتضاد، وعلى خشبة مسرح مدينة بجاية (260 كلم شرقي الجزائر).
وبقيادة السماوي، انخرط ستة عشر ممثلا وراقصا من خمس دول عربية وغربية، مجموعة من اللوحات الراقصة والكوريغرافيا والعرض الحي والفيديو المطعمة بالموسيقى والتمثيل، وانقسم العمل إلى مشاهد ممسرحة لشخصيات واقعية تقلصت أدوارها مع تصاعد البناء الدراماتيكي للعرض، لتتحول من أسئلة ذات طبيعة جدلية إلى أسلوب لتغريب الأحداث عند تصاعدها، على إيقاع صُوَري مؤثث بالأداء الحركي والشعري، وكذا النص الوثائقي والأدب الصحفي، والفيديو.
وتضمّن العرض النابض مواقف متعددة في تضادها، تلتقي لكي تولّد تضاد آخر من خلال جملة أسئلة عن علاقات الإنسان والمجتمع والثقافات والعصر من بوابة الغني والفقر، الحب والكره، الحرب والسلام، المرأة والرجل، الدين والعلمانية، فضلا عن عديد الثنائيات الباحثة عن الوصول إلى التكامل لصنع قوة الاستمرار في سينوغرافيا من ماء وتراب وكارتون وكراسي وأحذية، علما أنّ عرضا كهذا يقتضي فضاءا أوسع يربو عن 12 مترا عرض، و14 متر عمق.
quot;وجوه القمرquot; مغامرة ركحية هي جزء من ورشة مفتوحة منذ العام 1996، في عملية بنائية اشتغل عرّابها طلعت السماوي على خصوصية فن جديد في الثقافتين العراقية والعربية بعد معايشات متعددة واستقراءات متنوعة لسائر الثقافات، وارتكزت الورشة على الجسد كمادة أولية تبعا لقوانينه الكميائي- فزيائية، وما ينطوي عليه من أبعاد ورموز وإسقاطات أسطورية وتأريخية ودينية واجتماعية وسياسية وثقافية.
يقول السماوي أنه سعى لتحويل الجسد من أداة إلى لغة لها معالمها وكينونتها المستقلة باعتماد تقنيات/نماذج تحرّك البحث في المناطق المهملة والمظلمة في عالم الجسد، بهذا الشأن جرى الاتكاء على اليوغا والرقص العربي الحديث والأكروباتيك والمايم والارتجال والأداء الحركي لاستجلاء خصوصية الذات وقدرتها على التواصل مع الشمول الانساني.
وتتواصل هذه الورشة منذ توليفة خطوة المستقبل التي انطلقت في دمشق عام 2008، واستمرت في الجزائر وتونس في سنتي 2009 2011، لتشهد الجزائر فصلا جديدا العام الحالي في هذه المغامرة الركحية الشائقة.
أكّد السماوي أنه لا يفصل الكلمة عن الجسد، لكن الأخير عنده لغة أساسية، مبرزا: quot;أستخدم النص ولكني لا أشتغل على الحكاية أو السرد داخله، بل أشتغل على ما يسمى الاختزال لأصل إلى حدود الرمز، وحتى الشخصيات، ليس عندي شخصية محددة وإنما عندي رموز تشتغل فوق الركح، وهذه الرموز نبنيها بناءا معينا، حيث ترسل كل واحدة منها إشارة أو علامة سيميائية، سواء كانت حركية أو لغوية، أفسح من خلالها المجال أمام المتلقي للتفكير والتفكيك والتحليل، أمنح المتلقّي مساحات للسؤال، والإجابة في الوقت نفسه، أسعى للابتعاد عن المألوف في أعمالي والسعي للوصول إلى مناطق فيها أكثر مغامرة...quot;.
الجميل الذي طبع العمل، هي تلك الجمالية الأخّاذة في مقاربة العنف وإضاءة الصراع والسخرية من فجاجة الوقائع على غرار كاريكاتورية وجوه القمر في تطرقه لمطرقة الاستبداد التي قصمت ولا تزال العمق العربي، في مقاربة تعدت التحليل المادي إلى مستوى رمزي لا لتقولبه في الجمود، بل لتدفع به نحو حدود تناقضاتها والاختلافات العاملة في قلب هوياتها المتحركة، على اعتبار أن المجتمعات ليس لها صفات موضوعية قارة، بل لها قصديات ومشاريع وطموحات تتغذى مما يعتلج فيها.
كما أنّ العرض القمر مميّز للغاية، ويفتح الشهية لتجربة الرقص الدرامي في كامل تجلياته، سيما وأنّ لغة الجسد المترجم الوحيد لأقوى المشاعر التي بوسعها أشدّ اللحظات التعبيرية حميمية وتلك المنتفضة على غد غير أكيد، في قالب جمالي يتغذى من لهيب اللغة وسكونها ويفسح الهوامش أمام تعبيرية الجسد ومكنوناته دون عقدة أو قيد.