الفسح اعتراف الدستور المغربي الجديد بالرافد الاندلسي، المجال أمام كثير من المؤرخين والنشطاء الجمعاويين للغوض في الذاكرة الموريسكية وردّ الاعتبار لهذه الاقلية التي تعرضت في اسبانيا الى الاضطهاد والتهجير قبل 4 قرون.

الرباط: على غير العادة، بدأ الاهتمام في المغرب مؤخرا بالذاكرة الموريسكية، أو محنة الموريسكسسن، تزامنا مع مرور أربعة قرون على الاضطهاد والتهجير القسري الذي تعرض له المسيحيون الذي اعتنقوا الإسلام من شبه الجزيرة الأيبيرية إثر سقوط غرناطة، وبعد أن اعترف الدستور المغربي الجديد في ديباجته بالرافد الأندلسي ضمن معالم الهوية المغربية المنصهرة والموحدة بتنوعها الثقافي والإثني دعما للتعايش.
يعتبر باحثون في الحضارة الأندلسية ومهتمون بالقضية الموريسكية ونشطاء في الجمعيات، أن الاهتمام الحالي بالذاكرة الموريسكية/الأندلسية يدخل ضمن رد الاعتبار لهذه الفئة التي تعرضت للقهر والاضطهاد من قبل محاكم التفتيتش المسيحية، وتقديم رسالة إلى العالم وعلى الخصوص إلى المغرب وإسبانيا عبر إعطاء قيمة مضافة، بعيدا عما اختزلته الدراسات والمؤلفات المتجاوزة حول الموريسكيين في الموقعين الجغرافي الزماني والتي حكمتها رؤى استعمارية وإقصائي ومتطرفة عنصرية.

جرم في حق المسلمين وإسبانيا والعالم
يعتقد الدكتور مصطفى الزباخ أن الرؤية للمسألة الموريسكية الآن هي محاولة تقديم قيمة مضافة للوعي بالتراث الموريسكي تتجلى في الإيمان بقانون الاعتبار عبر أخذ العبرة من الماضي بالهزائم والمآسي التي تمنى بها المجتمعات.
وأضاف الزباخ لـquot;إيلافquot;: quot;القيمة الثانية وهي قيمة الجوار، فنحن محكومون مع إسبانيا بالأصول المشتركة في هذه الحضارة، نحن محكومون بالجوار بالجغرافيا وبالتاريخ.quot;
دعا المهتم بالتراث الموريسكي إلى إعادة الوعي بهذا التراث وقيمته الإنسانية وتجلياته وبقيمه الحضارية ليكون محطة للبناء والتعايش المشترك بالاحترام المتبادل بين المغرب وإسبانيا، لا أن يكون محطة للبكاء على الماضي.
وحمل الباحث الجهات الأكاديمية والسياسية الإسبانية المعنية وجمعيات المجتمع المدني على الإقرار بأن quot;ما لحق بمئات الآلاف من المسلمين الإسبانيين في فترة عصيبة من تاريخ إشبيلية بعد سقوط مملكة غرناطة كان جرما ليس في حق المسلمين فقط، بل في حق إسبانيا كلها وفي حق الحضارة الإنسانيةquot;.

غرناطة ومحاكم التفتيش
غرناطة، آخر قلاع المسلمين تسقط في العام 1492، وبداية مأساة المسلمين التي اعتبرت من أفظع مآسي التاريخ الإنساني، حيث شهدت المرحلة أعمالا بربرية قامت بها محاكم التفتيش التي أقامتها الكنيسة بمعية ملك إسبانيا لأجل تطهير إسبانيا من كل أثر للإسلام والمسلمين واجتثاث كل أثر إسلامي ازدهر زهاء ثمانية قرون، كما تمت مطاردة واضطهاد وتعذيب العديد من المسلمين وقتلهم.

دفاع عن قضية الموريسكيين
من جهته، يرى محمد نجيب لبريس رئيس جمعية ذاكرة الأندلسيين، وهي الجمعية التي أنشأت مؤخرا للبحث في الذاكرة المشتركة المغربية الإسبانية وذاكرة الموريسكيين، أن لكل شئ وقته، معتبرا أن إنشاء الجمعية استمد مبرراته انطلاقا مما جاء به الدستور الذي يورد الرافد الأندلسي كإحدى روافد الهوية المغربية وهو ما أعطى شحنة كبيرة لكل المعنيين بالقضية الموريسكية، وكذلك نوعا من الشرعية من أجل الدفاع عن هذه القضية.
وقال لبريس لـquot;إيلافquot;: quot;الاختيار الذي نتبناه هو العمل على ان نستثمر هذه الذاكرة المشتركة من أجل تمكين علاقة الأخوة والجوار بين المغرب وإسبانيا، وسوف لن تكون هذه القضية مبعثا لأي خلاف أو نزاع ولأي استجداء من أي شخص كيفما كان، فنحن المغاربة فخورون بمغربيتنا وبجذورنا الإسلامية.quot;
وأكد رئيس quot;ذاكرة الأندلسيينquot; أن تأسيس الجمعية إنما من أجل استحضار ذاكرة إنسانية واستغلال هذه الذاكرة لتعزيز اواصر العلاقات بين الشعبين المغربي والإسباني والعالمين الإسلامي والغربي.
وفي غياب إحصائيات عن المغاربة من أصول موريسكية، فإن عدة مدن مغربية لا زالت تعج بمغربيين من تلك الاصول كمدن كالشاون وتطوان في الشمال والرباط وسلا ومراكش وفاس.
التقية طوق النجاة
من جهة أخرى، يحدد الباحث في اللغة والحضارة الإسبانية أحمد الكامون الموريسكين إجمالا في سكان الأندلس، باعتبارها كانت خليطا من الثقافات والديانات من المسلمين والمسيحيين واليهود.
وقال الباحث لـquot;إيلافquot;: quot;في الأندلس، كان هناك نوع من التعايش، لكن عندما أنشأت محاكم التفتيش مع اشتداد الخناق على الحضارة الإسلامية في الأندلس أصبح كل معتنق للإسلام مضطهدا وكانت الفئة الموريسكية مضطهدة بكونها اعتنقت الإسلام وكان بعضها يتخذ ما يسمى بالتقية.quot;
وأوضح الكامون: quot;على مستوى الظاهر، كان البعض يبدي اعتناقا للمسيحية، إلا أنه، داخليا، كان يدين بالإسلام، قبل أن توقع معاهدة قبل سقوط غرناطة التي تنص على أنه عند تسليم مفاتيح غرناطة للمسيحيين، سيضمن بقاء الموريسكيين أو الأندلسيين فيها مع ضمان الحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم والمحافظة على أملاكهم، من دون أن تمس هذا المعاهدات مسألة العقيدة، لكن سرعان ما تم نقض تلك المعاهدات مباشرة بعد تسليم مفاتيح غرناظة، ما أدى بالموريسكيين إلى القيام بثورات في مراحل متعددة.quot;

quot;موريسكquot; تحمل معنى قدحيا
يقول الباحث: quot;الموريسكي في القاموس الإسباني هو ذاك الإنسان الذي لا يستأمن قربه، بحكم أنه بعد مدة طويلة من تظاهره باعتناقه للمسيحية كي يحافظ على عائلته وأملاكه يكتشف في آخر الأمر أنه كان مسلما. quot;موريسكوquot; تعني منافق، والإنسان الذي لا يستأمن.quot;
كان الموريسكيون عمالا في أراضي النبلاء، وكان الأسبان يقتاتون من أيادي الموريسكيين.
وأضاف الكامون: quot; لم يكن النبلاء ينظرون بعين الرضى إلى أن خروج الموريسكيين سيكمنهم من الناحية الاقتصادية، مع أنهم كانوا يؤدون إتاوات مقابل بقائهم، وبالتالي كان حرصهم على بقائهم فكان دفاعهم عنهم، لكن بدا أن للكنيسة الكاثوليكية وجهة نظر أخرى والكلمة الأخيرة والحاسمة في استصدار قرارات طردهم من خلال مراحل متعددة حيث كان آخر طرد تعرض له الموريسكيون في العام 1609 في عهد الملك فيليب الثاني.quot;

مأساة التهجير والاعتذار الإسباني
يشبه الباحث في اللغة والحضارة الإسبانية أحمد الكامون مأساة تهجير الموريسكيين بذات الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة أو الأندلس الثانية.
وأضاف: quot;قضية اعتراف الدستور المغربي بالمكون الأندلسي هو إطراء مع أنها مسألة موجودة في سلوكنا وثقافتنا لتعدد منابع هويتنا، وأن يكون هناك اعتذار لإسبانيا يستوجب أن تكون هناك فئة معينة تقوم بطلب الاعتذار لغرض ما، إثني أو غيره، اليهود كانوا قد طلبوا الاعتذار مما لحقهم من محاكم التفتيش، وكذلك الموريسكيون عانوا من نفس القسوة فلماذا يمنح الاعتذار لليهود ولا يمنح للموريسكيين؟quot;
اعتبر الباحث أن الاعتذار يدخل في إعادة الاعتبار لهذه الفئة، محذرا من أن تتخد هذه الفئة هذا النوع من الاعتذار لأجل أن تحظى بامتياز ما أو كأن يطالب البعض بالعودة، مؤكدا على أن المغربيين كمغاربة لا يحبذون الركوب على الاعتذار لأسباب إثنية أو إيديولوجية ضيقة.
للإشارة، كان الملك الإسباني خوان كارلوس في العام 1992 خلال خطاب رسمي له قد قدم اعتذارا لليهود عن ما لحقهم خلال حقبة محاكم التفتيش المسيحيين بعد سقوط الأندلس، إلا أنه لم يقدم نفس الاعتذار عن الاضطهاد الذي تعرض له الموريسكيون.