غنت السيدة فيروز أغنية (أهواك بلا أملِ.( وقد لاقت الأغنية نجاحاً كبيراً وأعجب بها الكثير، لأن السيدة فيروز غنتها ولكلماتها الجميلة أيضاً، أولكونها تمثل الخيبة في الحب لدى غالبية في البلاد العربية الذين كونهم نيران الحب لأسباب كثيرة لايمكن التطرق اليها ومناقشتها في هذا المقال...
كتب كلمات الأغنية الملحن الراحل زكي ناصيف الذي أحببت صوته وأعجبت به من أن سمعت أغنيته) كعب الغزلان)، وقد تكون كلمات أغنية أهواك بلا أمل التي كتبها الراحل زكي ناصيف تعبر عن تجربة شخصية خاصة .. لكنني أّذكر أن هناك أغنية عراقية قديمة غنتها المطربة سليمة مراد زوجة المرحوم ناظم الغزالي مسجلة على اسطوانة منذ أربعينيات القرن الماضي هي أغنية )حبيت أنا من غير أمل) وأضيف أن من المؤكد أن يكون الملحن الراحل زكي ناصيف قد سمع أغنية المطربة سليمة مراد وعرف لحنها وكلماتها على الرغم من التباين بين ما كتبه الملحن الراحل زكي ناصيف وغنته السيدة فيروز وبين كلمات الأغنية التي غنتها المطربة سليمة مراد لكن كلمات كلا الأغنيتين تعبر عن معنى واحد تشترك فيه هو الفشل والخيبة في الحب ، ولابد لي من الاعتراف أن أغنية السيدة فيروز أيقظت في نفسي ذكريات منسية وأزاحت الستار فأرخت ضوءاً بزوايا قلبي كما قال الشاعر اللبناني الراحل الدكتور فؤاد رفقة من قصيدة في ديوانه(مرساة على الخليج: ):
:
لماذا أزحت الستار؟
فأيقظت ذكرى ترسب فيها الغبار
لماذا أزحت الستار؟
فأرخيت ضوءاً بهذه الزوايا بقلبي
فأذكر حبي..
في فترة شبابي تعرفت على طالبة تدرس القانون في كلية الحقوق وتطورت معرفتي بها إلى صداقة، وكانت تلبس الأسود من الثياب ولا تضع رتوش أو مكياج
على وجهها ، وكانت جميلة بمقاييس الجمال الذي عبر عنه الشاعر أبو الطيب المتنبي حين قال:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب
ولما كنت قد نشأت وترعرعت في بيت يقع على الفرات مباشرةً لا تبعد عنه الصحراء اِلا أمتاراً قليلة تقل عن كيلومتراً واحداً، فقد أعجبت بالفتاة وأحببتها وهذا ما دفعني لمصارحتها بحبي ورغبتي بالزواج بها ، فضحكت وقالت لي الحقيقة : أنها تحبني أيضاً لكنها مرتبطة وكانت وفاة والدها قد حالت دون إعلان خطوبتها وهي ليس بإمكانها أن تلغي ما تم سابقاً ، فتفهمت ظروفها وغنيت لها أغنية المطربة سليمة مراد (حبيت أنا من غير أمل) .. فضحكت مرة أخرى وكانت تطلب مني أن أغني لها الأغنية كلما كنا نلتقي وأن تحتفظ بما أكتبه من نصوص فيها غزل وإطراء لها ...
كذلك غنى الفنان اللبناني عاصي الحلاني أغنية عراقية وزعت توزيعاً موسيقياً جديداً وهي أغنية :
أنا يا طير ضيعني نصيبي
صرت لآني لهلي ولآني لحبيبي
وقد لاقت الأغنية نجاحاً كبيراً وأحبها الجمهور وتفاعل معها بصدق وكنت واحدا من المعجبين بها..، والحق أقول أنني أحببت الفنان عاصي الحلاني وأعجبت به كثيرا لأن صوته يأسرني فهو يغني بإحساس عالي يلامس روح السامع ويضعه في حالة طرب ، وقد شدني إليه في البداية أغنيته الراقية(شوق الصحارى) لكلماتها الشعرية الجميلة ولحنها السريع...
كُتِبَ عن أغنية (أنا يا طير).. التي غناها الفنان الحلاني بتوزيع موسيقي جديداً، أنها من الموروث العراقي ..، .والحقيقة أن أغنية أنا ياطير، غنتها المطربة العراقية أمل خضير شقيقة الممثلة المعروفة سليمة خضير في عقد الثمانينات من القرن الماضي وغناها المطرب العراقي فؤاد سالم أيضاً ، والأغنية ليست كالبستات العراقية التي تغنى بعد قراءة المقامات العراقية ةولا هي من أغاني المطربات العراقيات القديمات أمثال جليلة وبدرية أنور وصديقة الملاية وغيرهن من المطربات القديمات لتكون موروثاً عراقيا..لكني أرى أن هناك قولاً شعبياً أو مثلاً عراقياً قديماً هو (ويلي هلي ويلي ضنايَّ (يمكن الربط بينه وبين مطلع الأغنية أومستهلها الذي يكرر بعد غناء كل مقطع من كلماتها من جهة وبين ما قاله الشاعر القديم من جهة أخرى حين وصف حالته وحالة ناقته حين ركبها ليلحق بضعن حبيبته ويراها، وكان قد ترك أبن الناقة في مكانها مربوطاً ولم يسمح له بمرافقة الناقة فكانت الناقة تمتنع عن السير إلى الأمام كما يريد الشاعر وتحاول الرجوع إلى ولدها فقال الشاعر واصفاً حالته وحالة ناقته :
هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى واِني وإياها لمختلفانِ
وقد أخذ الشاعر الشعبي العراقي هذا المعنى ونظم بيت من الأبوذية فقال:
مفارز لأقطع البيدة وراها
وقصدي بس أحاكيها وأراها
أختلف أمري هوى الناقة وراها
وقدامي الهوى وشلون بيّ
أن كلمات أغنية (أنا ياطير....( التي غناها الفنان فؤاد سالم وغنتها المطربة أمل خضيرفي القرن الماضي وغناها الفنان عاصي الحلاني بتوزيع موسيقي جديد ، ذات كلمات جميلة لا تشابه كلمات البستات العراقية ولا الأغاني العراقية القديمة وقد تكون علاقة مستهلها بالمثل الشعبي العراقي و ببيت الشعر القديم اللذان ذكرتهما جعلها من الموروث العراقي ، وقد يكون الفارق الزمني في غناء المطربة أمل خضير وغناء الفنان فؤاد سالم للأغنية كلاً منهما على اِنفراد وغناء الفنان عاصي الحلاني لها سبباً في جعلها من الموروث العراقي ولو أن الفترة الزمنية ليست بالطويلة لكني أرجح العلاقة الموجودة بين المثل الشعبي وبيت الشعر القديم وبين مستهل الأغنية جعل هذه الأغنية أن تكون موروثاً غنائياً عراقياً كما هو الحال في الأغنية التي غناها الفنان كاظم الساهر في بداية حياته الفنية (عبرت الشط على مودك) كذلك أغنيته الأخرى( التلدغة الحية بيده يخاف من جرت الحبل)...ولابد لي هنا أن أذكر أثنين ممن أضافوا إلى الموروث العراقي الكثير...، أولهما:
الملا عثمان الموصلي (1854-1923) الموسيقي الشاعر والمؤلف وحافظ القراّن ومجوده بالطريقة البغدادية منشد التواشيح الدينية وقارىْ المناقب الدينية الموسيقي العازف والملحن لذي استمع اليه شيخ القراء المصرين المجددين محمد رفعت وأخذ منه وعبد الحمولي وسيد درويش الذي تتلمذ عليه واحذ من الحانه ونسبها لنفسه كاغنية( شمس الشموسة) التي غنتها السيدة فيروز وغيرها كذلك اغنية (تعجن بالفجرية) وغيرها من الأغاني وأخذ من الحانه ناظم الغزالي اغنية (يحنينة) واغنية(قوم صلي الفجر بين) .. وهو ملحن اغنية (فوق النخل فوق) وكاتب كلمات أغنية (قدك المياس)وملحنها وملحن كثير من القدود الحلبية والأغاني التي لا تذكر باسمه وتنسب الى غيره الذي أضاف الى المقامات العراقية مقام النهاوند ومقام الحجاز كار وهو اول من قرأ البستة العراقية بعد المقام ودرس عليه وتعلم منه الكثير من مجودي القران وقراء المقامات العراقية الذي أرتجل في حقه مطرب العراق الاول محمد القبنجي وغناه في ذكرى وفاته الخمسين سنة1973 فقال:
عثمان يا خالق الأنغام ليلتنا
طابت بذكراك من عذب التلاحينِ
إني أحيك َ من روحي ومن نغمي
تحيةً من فؤادي بعد خمسين
وقد ألف عنه الدكتور عادل البكري ثلاث كتب تناول فيه حياته ونشأته ودراسته ومن تعلم واخذ منه وما أضافه من الألحان والمقامات إلى الموروث العراقي والعربي في الموسيقى وما ألفه من شعر وكتب ، كذلك ألف في العراق مسلسل تلفزيوني عنه قبل سنين وتحدث عنه الفنان التونسي لطفي بوشناق فاعتبره عبقري الموسيقى العربية الذي أضاف إليها الكثير وتعلم عليه واخذ منه الكثير... والثاني الذي أضاف الى الموروث العراقي هو مطرب العراق الاول محمد القبنجي (1901 ndash; 1988) الذي أول من غنى المقام العراقي واقفاً وجدد في قراءته عن الطريقة القديمة المتداولة وشنف به أسماع الناس باختياره الشعر الجميل عند قراءة المقام بطريقة واضحة ومفهومة من الجميع ، والأستاذ محمد القبنجي شاعر ذو بديهية متقدة يرتجل وهو يغني على المسرح، وقد أرتجل في حفل تتويج الملك فيصل الثاني آخر ملوك العراق(لقد حليت صدري بالوسام..) وما جاء في هذا المقال في الذكرى الخمسين لوفاة ملا عثمان الموصلي.. وما أرتجله وغناه في الحفل الذي أقيم في ختام مؤتمر الشعر العربي الذي أنعقد في بغداد سنة 1964كما أتذكر والذي كان حاضراً فيه صديقه الشاعر أحمد رامي...
يعتبر الأستاذ محمد القبنجي مطرب العراق الاول مدرسة جديدة في قراءة المقام وأضاف الى المقام العراقي مقام جديد هو مقام(اللامي) الذي ابتدعه وأضافه حين كان في المانيا يسجل اسطوانات لإحدى الشركات فوصله نبأ وفاة والده فقرأ مقام بلحن جديد ولما سأل عن هذا المقام قال أنه مقام ( اللامي ...) لأنه لام نفسه لأنه لم يكن في بغداد حين توفى والده ، وقد غنى في هذا المقام بيت من الأبوذية من
نظمه:
علامَ الدهر شتتنا وطرنا
عكب ذاك الطرب بالهم وطرنا
ألف ياحيف مقضينا وطرنا
ليالي اللي مضت متعود ليَّ
والأستاذ محمد القبنجي أول من مثل العراق في المؤتمر الموسيقي الاول في القاهرة عام 1932 وفاز فيه العراق بالمركز الاول في ذلك المؤتمر وقد غنى مقام الدشت باللغة الفارسية امام الملك فؤاد ملك مصر في ذلك الوقت وأطربه، لان الملك فؤاد كان يعرف اللغة الفارسية، والقبنجي من الأصوات النادرة الفريدة في الوطن العربي وقد لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب أغان من نغم مقام اللامي الذي ابتدعه وأوجده وأضافه الأستاذ محمد القبنجي إلى المقامات العراقية فأصبح تراثاً موسيقياً ، وقد سجلت المقامات التي قرأها مطرب العراق الأول الأستاذ محمد القبنجي في المؤتمر الموسيقي المنعقد في القاهرة عام 1932على اسطوانات ولا زالت هذه الاسطوانات من أهم المراجع المهمة لتعلم قراءة المقام وفي التراث الموسيقي العربي .