عبد الجبار العتابي من بغداد:بعد صمت طويل للحركة التشكيلية العراقية وغياب المعارض عن القاعات، جاء الفنان الدكتور شوقي الموسوي من مدينة كربلاء حاملا لوحاته المكتظة بالالوان ليحط الرحال ببغداد، في شارع ابو نؤاس، الاكثر هدوء وصمتا من سواه، وبالتحديد في قاعة (اكد) للفنون لينشر لوحاته التي تحمل عنوان للمعرض هو (قطاف عنصر الصمت)، وشهد المعرض خلال افتتاحه اعدادا من المتلقين لاسيما من الفنانين التشكيليين والنقاد والاعلاميين.

وحمل المعرض (الشخصي الخامس) للفنان الموسوي، وقد تضمنت لوحاته اختيار مفردات من الواقع ومن ثم احالتها الى رموز تعبيرية لها دلالات تنصب في الشكل والمضمون في اللوحة، وهو امتداد للمعارض التي سبق ان اقامها باسلوب التعبيرية التجريدية والترميز بعيدا عن مسرحة المشهد الواقعي ومحاكاته، وهو دعوة للتأمل لاسيما ان اللوحات في اغلبها احتضنت شكل (المربع) في اشكال مختلفة فضلا عن الصليب ورموز اخرى.

واعرب الفنان شوقي الموسوي عن سروره بالعدد الكبير للحضور لاسيما من الفنانين وشكره للجميع، وقال: يعد هذا المعرض الخامس على المستوى الشخصي، احتوى على العديد من الاعمال والرسومات التي اقتربت من الاسلوب التعبيري التجريدي، وبصراحة هناك بحث جمالي في قيمة اللون والخط والشكل تجدها في اغلب الاعمال المعروضة في هذا المعرض، وهناك العديد من المفردات المحلية تناولتها بشكل خاص ابتداء من المرجعيات، ابتداء من الحضارة العراقية القديمة على وجه الخصوص من سومر امتدادا الى الموروث الاسلامي والموروث المعاصر مرورا بجواد سليم وصولا الى اللحظة الحاضرة، وقد اقتربت اغلب المفردات من الجانب الترميزي والتعبيري وابتعدت الى حد ما عن الجانب التشبيهي او الايقوني لانني اعتقد ان اللوحة التشكيلية يجب ان تنتج الاسئلة، الان اصبح ما بعد الحداثة اللون دلالة وليس معنى، لا يعنينا عنوان هذا العمل بقدر ما يعنينا تأثير هذه النتاجات الفنية على المتلقي الاخر وما تثيره من انفعالات سواء كانت فرحا او حزنا،هذا هو المهم، العمل الفني هو الذي يضيف الى الاخر ولا يحذف من الاخر، واعتقد بأن هذا المعرض اضاف لي بشكل شخصي وهنا فيه العديد من التطبيقات الفلسفية والجمالية على هذه الاعمال الفنية.

واضاف: العنوان ابتدأ به فناننا الكبير الرائد الاستاذ نوري الراوي،هو الذي كان مقدم المعرض ووجد ان عنصر الصمت متواجدا بين ثنايا الانسان او الجسد، انا اشتغل على مفردة الجسد وأجد هناك انصاتا لهذا الصمت، واعتقد ان الاستاذ عادل كامل قالها ان الصمت اعلى مراحل الديمقراطية، والكثير من الفنانين والفلاسفة والنقاد قد مجدوا فكرة الصمت، واعتقد ان هذه الاعمال تستطيع ان تقرأها خلال صمتك ازاء هذه التكوينات المربعية، المربع الذي بحثت عنه في اكثر من مكان اخر واصبح جزء لا يتجزأ من فكرة الفنان وفكر المتلقي.

وخلال التجوال بالمعرض الذي يدعو للدهشة ايضا لاسيما ان الالوان فيه ضاجة بأنثيالاتها، كانت لنا وقفات مع بعض الفنانين والنقاد للتعرف على ارائهم بالمعرض.

قال الفنان خالد مبارك: هذا المعرض اتحفنا بلوحاته، بل انها سيفونيات معلقة على هذه الجدران، انعشنا بأفكاره ولمساته اللونية المتألقة، معرضه الخامس هو بحث مستمر في مجال معين من مجالات الفن التشكيلي بين التعبيرية والرمزية وهناك العديد من الاعمال التي تستوقف المشاهد وتنقله الى عالم البهجة والفرحة، ونحن في أمس الحاجة لهكذا معارض لها خصوصية ولها تفرد في مجال الفن التشكيلي العراقي والعربي.

واضاف: لدى الفنان شوقي ثيمة يشتغل عليها، وحسب ما اعتقد ان استخدامه للاطار داخل اللوحة وليس في خارجها فيه اشغال للمتلقي وسحبه للوحة وما بداخل اللوحة، وبرأيي ان اشغال المشاهد في هكذا زاوية من اللوحة هو جانب فلسفي وجانب نفسي استخدمه الفنان بذكاء مفرط، واعتقد ان موفق في هذه الزاوية وهذا التصرف، نحن في امس حاجة الى هكذا فعالية وهكذا نشاط، وقد عزمت دائرة الفنون التشكيلية على احتضان ودعم القاعات الخاصة والاهلية والتي هي معدودة على عدد الاصابع، بل هي نادرة في الوقت الحاضر.

فيما قالت الفنانة الشابة زينة سالم: ان المعرض تجربة تذكرني بمدرسة بغداد الأولى، التي أسسها جواد سليم، التي أتخذت من الموروث الشعبي والحضاري لوادي الرافدين، اتخذت منه أساساً لرموز جمالية، لكن مع حداثة القرن الحادي والعشرين، اتخذ الفنان شوقي من المربعات كثبات لتكوين اللوحة، ونشر مفرداته عليها، ومن الواضح جدا انه استخدم اللون كدلالات رمزية تعبيرية تتصارع فيها الالوان، تارة في واقع يعكس ظلاميته، وتارة في حلم يتأمل فيه زمنا مضى.

اما الناقد التشكيلي حسن عبد الحميد فقال: لعل هذا المعرض للفنان واستاذ الفن الدكتور شوقي الموسوي يعد بمثابة متغيرا،حسب رأيي الشخصي باعتباري متتبعا لتجربته وافكاره، وهو عادة ما يميل الى صناعة الافكار والاثارة نحو المغامرة المحسوبة، هذا المعرض بالنسبة لي لا اقول عنه مفاجأة بقدر ما هو اضافة الى محاولات وافاق شوقي الذي تأنى كثيرا في اطلاق تجربته، ولعل هذا المعرض الذي يحمل الرقم (5) في عموم معارضه يختلف من ناحية الاخراج الفني للوحة باعتماد التصميم داخل اللوحة وخارجها، اما على الصعيد (السايكولوجي) حسب تقييمي الشخصي انه يحاول ان يستحضر الوجوه، اكثر عدد من الوجوه الغائبة والمغادرة من ذاكرته وي حاول ان يكثفها او ينقلها الى هذه اللوحة الضاجة بالالوان، هنالك فيض من الالوان وهنالك امتلاءات باللون، وليس هنالك شغل هارموني الا بحدود معينة، وهذا يعطي دلالة نفسية بعدم التلاقي والتآصر بسبب الظروف الامنية التي تترك ظلالها علينا لان شوقي كان دائم المجيء الى بغداد من محافظة كربلاء وكنا نتلاقى ونتواصل.
واضاف: تجربة شوقي في معرضه الحالي تجربة مثيرة واضافة نوعية للفن العراقي، وانا بتقديري ان هذه مرحلة مهمة في تجربة الدكتور شوقي.

وقال الفنان شداد عبد القهار: المعرض يحمل مدارس حداثوية بالتأكيد من ناحية الاخراج والتنفيذ، ولعل السمة العامة به هو سطوع الالوان وما قام بتنفيذها اشياء جميلة فعلا، ولكن تبقى قضية واحدة هي مشكلة الخصوصية، خصوصية الفنان وهو هنا نوعا ما افتقد لخصوصية شغله هو من ناحية التنفيذ، المعرض بسمة عامة ناجح من نواحي التنفيذ والاحجام وطريقة العرض، كأي محترف.

واضاف: المشكلة الموجودة في المعرض ان الفنان شوقي تخلى عن ذاتياته فصارت الخصوصيات ليست له، لان الخصوصية في العمل الفني مهمة جدا واهميتها تنبع من الذات، فكلنا عندما نطرح موضوعا او قضية تبقى الذاتيات هي المهمة، كما يجب الاشارة الى ان الفن في العراق عمره قصير فيما هو في اوربا يمتد الى نحو 250 سنة ونبقى نحن متأثرين بهم، ليست هناك مشكلة، ولكن تبقى هذه تأثيرات (نيرو) عندما اشاهدها، وتأثيرات فنانين فرنسيين، كما ان قضية الصليب مطروحة كثيرا في لوحاته، وهي مستهلكة، على الرغم من انني احترم الصليب هذا لانه رمز سومري، ولكنني لا اعرف مرجعيات الفنان ليستخدم الصليب بكثرة، ولكن وجهة نظري الشخصية انه معرض ناجح وجميل ويحتاج الى تأمل اكثر وتركيز.

يذكر ان شوقي الموسوي من مواليد 1970،حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة فن اسلامي، ويعمل حاليا أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل، وله دراسات نقدية وجمالية عدة في الفن التشكيلي العراقي، وكما له العديد من المشاركات التشكيلية في العديد من المعارض،ولديه العديد من الدراسات النقدية والجمالية والفلسفية والمقالات التشكيلية المنشورة وله ثلاث كتب مطبوعة في الفلسفة والفن واخرى قيد الطبع.