إذن، رحل عنا مؤيد الراوي بعد أن ناضل لفترة طويلة مع الأمراض التي استطاعت أن تتغلب عليه في نهاية الأمر.
أمام موت صديق وشاعر أحيانا أشعر أن الكتابة ليست أكثر من عبث لتهدئة النفس بضع لحظات. ولعنتها أنها تفرض عليك لإعادة ما أصبح معرفا وروتينيا.
نعم مؤيد شاعر فرداني الرؤيا والتجربة.
نعم أنه كان من أبرز ما سمي بجيل الستينات... بل لعب دورا أساسيا في تطوير روح التقارب الجوهري بين قطيعة الستينات الشعرية والفنية مع معطيات الرواد شعرا وفنا.
لكن مؤيد كان يرى في كل هذا العمل الكتابي الذي ضحى بحياته من أجله، "إشكالية الذات غير المتلائمة مع العالم، وكلما تتعمّق هذه الإشكالية يفقد الخطاب معناه والذات حريتها وجوهرها"، هذا ما كتبه قبل عشرات السنين.
وفي هذا الرثاء العاجل، لا أجد شيئا يواسيني أكثر مما كان يؤمن به مؤيد الراوي، وما كان شعره المنبثق من عين الأسئلة" "ماذا تكتب، كيف؟ أي اشراق خاص تواجه؟ اين عالمك في هذا العالم المتضارب المليء بالخطاب. كيف تواجه حريتك الممزقة؟ وفي هذا السياق كنت اكتب دوما... على أنني لم أكن محترفا كما يحترف الكثير من الشعراء. ولا أريد أن أكون. أحاول أن أرى في القصيدة وأن أمسك ذاتي أحيانا في تجلّيها فأتجاوز بذلك محدوديتي وبؤس موقعي، حيث هو بؤس عام ودائرة نفي لا تجيب على التساؤلات إلا بالعبث". انجاز مؤيد الراوي الشعري كان يستحضر هذه الإشكالية بسرد دقيق تتراءى معه الذات المناضلة وهي تتأمل، في آن، "تفاؤلها في تحقيق الثورة، وقناعتها العميقة بأن التغيير أمر مستحيل". ذلك أن الراوي يعد أن تمكن من مغادرة العراق في 1970 إلى الأردن ثم إلى سوريا مستقرا في بيروت طوال السبعينات: "عايشت تحولات المنطقة والناس: بروز الثورة المصطنعة وأفولها، وتحول الناس بواسطة العواطف إلى أعداء وإلى اختبار قوة العادة والتاريخ وقوة الصياغة لآلاف الأعوام". وشعر الراوي لا يمكن سبر غوره إلا من خلال فهم هذه الأحداث السياسية – الاجتماعية التي عاشها ولا يزال العراق خاصة والعرب عموما. ثم هرب بجلده وكلماته إلى الشمال وبقي هناك يواصل لعبته الكتابية، وجوده الشعري على هذه الأرض بانتظار ماذا.... بانتظار أن يحدث تغيير يحول مجرى تاريخ ذاك البلد الذي بات جد بعيد؛ تغيير يعيد للكلمة وهجها اليومي بوجه سخام الواقع البليد!&&&
كل هذه الأسئلة رافقت مؤيد حتى اللحظة الأخيرة؛ كانت غذاءه اليومي...&أسئلة تقف في صلب تجربة التجديد في تاريخ الشعر العراقي الحديث.