د. أمين ساعاتي
دعونا نعترف أن دور السعودية في تطوير الاقتصاد الآسيوي لا يزال دورًا متواضعًا ، بل هو دور لا يتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني السعودي.
ومنذ سنتين اتخذت السعودية خطوة جيدة باتجاه المساهمة في تطوير اقتصادات آسيا حينما وقعت اتفاقيات شراكة اقتصادية مع الصين، الهند، باكستان، ماليزيا، روسيا، تركيا، والفلبين، ونتيجة للتوقيع على اتفاقيات الشراكة ارتفعت معدلات التبادل التجاري بين هذه الدول والسعودية إلى أعلى معدلاتها. ولا شك أن ارتفاع معدلات التجارة البينية إلى المستويات القياسية يحتاج إلى خطوة تتخذها السعودية باتجاه الإسهام في تطوير الاقتصاد الآسيوي وهذه الخطوة تتمثل في انضمام السعودية إلى منظمة آسيان.
إن مناخ العلاقات بين السعودية ودول آسيا يتيح فرصة ذهبية كي تتقدم المملكة بطلب العضوية إلى منظمة آسيان. ولا شك أن السعودية بثقلها وإمكانياتها الاقتصادية قادرة على دعم الاقتصاد الآسيوي وتمكينه من تحقيق نقلة كبيرة حتى بلوغ الاتحاد الجمركي، ثم الاتفاق على عملة واحدة حتى إنشاء السوق الآسيوية المشتركة.
وإذا كان الاقتصاد الآسيوي سيحقق تقدمًا لافتًا بانضمام السعودية إلى منظمة آسيان، فإن الاقتصاد السعودي سيتحول من قطة ناعمة إلى نمر آسيوي كاشر يسهم بقوة في تصميم أكبر سوق في أكبر قارة في العالم.
لقد مرت آسيا وهي أكبر قارات العالم بتطورات معيارية خلال الأعوام العشر الماضية ولكنها الآن وصلت إلى أوج تقدمها، فقد كانت بعد الحرب العالمية الثانية خليطًا من البلدان الفقيرة والمتخلفة التي تملك بعض الموارد الطبيعية البسيطة، ولكن بعض دول آسيا انتهجت سياسات اقتصادية جاذبة شجعت بعض الدول الصناعية على توظيف استثماراتها الضخمة في بعض دول آسيا لاكتشاف واستخراج الكثير من الموارد الطبيعية غالية الثمن، وحينذاك شهدت كثير من البلدان الآسيوية مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي الذي ساعد على انتشال الملايين من وهدة الفقر وتحسين مستوياتها المعيشية.
ونتيجة لذلك أصبحت آسيا الآن موطنًا لأسرع اقتصادات العالم نموًّا، كما عمقت آسيا تكاملها مع الاقتصاد العالمي حتى ارتفع إجمالي التجارة من 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1996.. إلى 61 في المائة من الناتج المحلي في عام 2006، فضلاً عن أنها باتت تمتلك ثلثي الاحتياطيات العالمية.
لقد كانت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية هي أول البلدان انطلاقًا نحو النمو، وتبعتها هونج كونج التي بدأت في الستينيات في تطبيق استراتيجية طموحة للنمو، ثم تبعتها مجموعة دول أطلق عليها اسم دول النمور مثل: سنغافورة، كوريا، إندونيسيا، ماليزيا، وتايلند ثم استهلت الصين والهند مساراتها الاقتصادية الطموحة التي جعلتها من أكبر الاقتصادات في العالم.
وكانت النتائج مثيرة للإعجاب، فقد نمت دول آسيا بنحو 6 في المائة في المتوسط سنويًّا، وهو ما يناهز في سرعته ضعف سرعة نمو بقية دول العالم وأكثر من مرة ونصف من سرعة نمو الولايات المتحدة، وتمثل البلدان الآسيوية حاليًا نحو ربع الاقتصاد العالمي، من ناحية كل من الحجم والنمو الاقتصادي الحديث، وبلغت حصة آسيا في التجارة العالمية في الفترة 1980 إلى 2005 من 11 في المائة إلى 26 في المائة ، وشجعت التجارة على التصنيع القائم على الميزة النسبية، وعلى التحول من الزراعة إلى الصناعات التحويلية ، ثم التحول إلى الصناعات التي تقوم على المهارات البشرية العالية وعلى كثافة رأس المال. وساعد هذا النمط من التصنيع على تعزيز النمو مع خلق وظائف جديدة وزيادة الأجور الحقيقية، كما عزز المنافسة المحلية وساعد على نقل التكنولوجيا المتقدمة، كما اتبع الآسيويون سياسات موفقة لمواصلة نمو الاقتصاد الكلي أدت إلى مزيد من الازدهار للنشاط الاقتصادي وأسهمت هذه السياسات في تخفيض التضخم واستقراره، وفي انخفاض مستويات الدين العام، وارتفاع المدخرات والاستثمارات، وتطوير رأس المال البشري والبنية الأساسية الاقتصادية، كذلك اتسمت السياسات الاقتصادية بالمرونة وسرعة الاستجابة للتغيرات في الأسواق العالمية مثل صدمات النفط في السبعينيات والثمانينيات، وفي العقد الأول من الألفية الثالثة.
والآن أصبحت آسيا قوة دافعة في الاقتصاد العالمي، تضم أربعة من أضخم 12 اقتصادًا في العالم، وهي اليابان والصين وكوريا والهند إلى جانب عدد من الاقتصادات الأسرع نموًّا، كما تجاوزت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أساس تكافؤ القوة الشرائية، وفي السنوات المقبلة يتوقع أن تخطف آسيا شريحة أكبر من الاقتصاد العالمي بفضل سرعة نمو العملاقين الصين والهند.
وإضافة إلى ذلك تسعى آسيا إلى بناء نظام مالي آسيوي موحد تتصدره وحدة نقدية آسيوية، أو اتحاد نقدي آسيوي، انطلاقًا من أن التكامل النقدي الآسيوي أصبح مسألة مهمة منذ الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت قبل عشر سنوات.
ولذلك فإن آسيا تمر حاليًّا بمرحلة تصميم أنظمة توفر الاستقرار المالي عند الأزمات. والأوروبيون مروا بالمرحلة نفسها في السبعينيات، عندما وضعوا النظام المالي الأوروبي بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لتأمين استقرار حركة أسعار الصرف.
إن المشوار الذي قطعه العديد من دول آسيا على طريق النمو والازدهار في الـ 20 عاماً الماضية لا يمكن وصفه بأقل من أنه رائع، وسيظل كثير من عناصر ومكونات هذا النجاح يرتبط بالمستقبل.
ولقد بدأت آسيا فعلاً في حصد مزايا ازدياد التكامل داخل دول القارة على جبهات متعددة، إذ تمثل التجارة داخل آسيا حاليًّا أكثر من نصف إجمالي التجارة في القارة، كما شهدت الاقتصادات الآسيوية أيضًا زيادة في الاستثمارات عبر الحدود والتي تم الاضطلاع بها لاستغلال الفرص المتنامية لتفعيل تنوع الإقليم في المزايا النسبية والخبرة، وسيدعم ازدياد التكامل المالي الإقليمي روابط الاستثمار والتجارة الآخذة في التوسع، كما سيلعب دورًا مهمًّا في تسهيل تخصيص جزء من الأموال الآسيوية الفائضة للاستثمار في الدول الآسيوية، هذا إضافة إلى أن زيادة فعالية مؤسسات الوساطة المالية وكفاءتها داخل الإقليم سيساعد على تخفيض تكلفة التمويل وتحقيق استقرار أسعاره.
وبينما يستجمع التكامل الآسيوي قواه .. هناك اتجاه متصاعد لإقامة الروابط التجارية والمالية بين آسيا والشرق الأوسط ndash; كما حدث بين السعودية ودول آسيوية كثيرة - وأصبح quot;طريق الحريرquot; الذي كان تجار الحرير والتوابل يردونه ذات يوم طريقًا يتدفق من خلاله النفط والاستثمارات والسلع الصناعية، وبالفعل فإن أكثر من نصف صادرات دول الخليج حاليًّا يقصد آسيا، كما أن أكثر من خمس وارداتها يأتيها من آسيا.
وإذا كانت السعودية قد تعاملت مع العمالة الآسيوية ndash; على مدى ربع قرن - بنجاح، فإن الإصلاحات الاقتصادية التي أدخلتها السعودية على نظامها الاقتصادي وبالذات بعد تشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى في عام 2002 برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي اعتمد مجموعة من السياسات المهمة وفي مقدمتها إقرار الخصخصة كمنهج عام لكثير من المؤسسات، وتحسين مناخ الاستثمار وتوقيع اتفاقيات الشراكة مع عدد كبير من دول النمور الآسيوية.. سيساعد السعودية على لعب دور فاعل في تطوير الاقتصادات الآسيوية ودعمها ودفعه لاحتلال المركز الأول على اقتصادات القارات الأخرى وبالذات القارة الأوروبية والقارة الأمريكية.
إن الوقت مناسب جدًّا لدخول السعودية في منظمة آسيان وقيامها بمبادرات قوية نحو دعم الاقتصاد الآسيوي، بل من المهم أن تسعى السعودية بكل قوة إلى وضع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية موضع التنفيذ بالكامل ولاسيما أن بعضها لا يزال ينام في غفلة تحت وسائد البيروقراطيين الذين مازالوا يتثاءبون.
كاتب أقتصادي
التعليقات