د. فهد أحمد عرب : خلال السنوات العشر المقبلة ستتخطى المملكة بإذن الله مراحل تأسيس البنى التحتية متسارعة مع الزمن في إنشاء المدن العصرية وتنمية الأرض في كل أركانها, مستفيدة من الكوادر الشابة السعودية المؤهلة في المجالات المختلفة والقدرات الخبيرة السعودية والأجنبية في قيادة الدفة إلى مراحل تطويرية قادمة ستكون عنوانا لعمل دؤوب لعقود من الزمن. إن ما نراه من طرق امتدت لتصل القرى بالمدن والهجر بالقرى، وتعبيد أخرى كمشاريع حيوية في كل منطقة ومحافظة لهي الشاهد الحقيقي على تسارع النمو باطراد يؤمل بنهايته إرساء البنى التحتية والدخول في مرحلة التطوير الشاملة. هذا في الواقع لا يعكس إلا نعمة (نحمد الله عليها) تعيشها السعودية اليوم في جميع أرجائها وتحت أنظار أهلها وقاطنيها على حد سواء وهو فضل منّ الله به علينا ليجعل الناظر لهذه المنجزات يدعو الله أن تكون جميع الجهات متابعة لها بكل دقة وتمعن لتحقق الفائدة المرجوة منها دون أي خلل أو تراجع في خطط المستقبل.
في الواقع يمكن أن يجد المتأمل أن شركات ضخمة مثل شركة أرامكو, وشركة سابك, وهيئة الجبيل وينبع, وشركات تنفيذية مثل بن لادن, السيف, وغيرها يقومون بعمل جبار على مستوى المملكة في سبيل إنهاء المشاريع في زمن قياسي ومواكبة لسرعة النمو الاقتصادي المحلي والعالمي, ولكن إذا ما حاولنا قياس صدى أعمالها في التنمية نجد أن الزخم العملي الميداني سواء في البر أو البحر أو حتى الجو يثير كثيرا من التساؤلات التي قلما فكرنا في الإجابة عنها ونحن نعاني منها طيلة الوقت فيما مضى وحاليا وأتمنى ألا نعاني منها في المستقبل ولا نريدها أن تؤثر في جهودهم الجبارة. إن عدد المشاريع التي أخذت مكانها على أرض المملكة في السنوات الثلاث الأخيرة في داخل المدن وخارجها, وأنواع الأنشطة والمجالات كافة دليل على الرغبة في مجاراة دول العالم المتقدم من حيث القدرة والإمكانات وتأهيل الموارد وإثبات استقرار الوضع الاقتصادي, إلا أن السؤال هو: هل في غمرة هذا الانهماك والعمل المتواصل والإنفاق الكبير فكرنا في خدمات كل هذه القوى العاملة المتواجدة والتي ستتواجد من أجل القيام بتنفيذ هذه المشاريع وتسليمها في حينها ووقتها المقرر لها أو حتى ستبقى لتشغلها وتديرها حسبما تم الاتفاق عليه؟ هل فعلا تأهيل هذه المواقع والمدن المجاورة وما يصل بينها من طرق يتحمل ويتواءم مع حجم العمل الذي فرض في وقت قصير ولمدة محددة قد تكون قياسية في عمر المشاريع التنموية؟ هل هناك خطط بديلة إذا ما توعكت الطرق أو مرضت الاتصالات أو تأففت الخدمات... إلخ؟ هل باكتمال هذه المشاريع ستكون هذه المناطق أو المواقع داخل الخدمة أم تحتاج إلى إعادة تصميم وبناء ومشاريع مماثلة أخرى لإعادة التأهيل؟
إن مشروعا يضم 20 أو 50 ألف عامل وموظف يعملون ليل نهار يستخدمون الباصات ويسيرون على الطرق, وقد تحدث لهم حوادث, ويزورون الأطباء أو يقومون بإجراء الكشوف الطبية, ويشاهدون التلفاز ويتصفحون الإنترنت ويأكلون كما غيرهم ويلبسون الغالي والرخيص, يلقون بالفضلات ولا يعرف كم هو حجمها, ويقضون ساعات للترفيه هنا أو هناك قد لا يؤثر في المنظومة البيئية بشكل كبير وحده ولكن كيف به وهو عدة مشاريع في العديد من المواقع تختلف مخرجاتها وتأثيراتها على المستويين القريب والبعيد؟ وإذا ما أردنا تسليط الضوء على كامل الأنشطة والحركة بشكل عام فهناك طبعا الزحام المروري الذي يزيد من نسبة العادم والتلوث بزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون وخفض نسبة الأوكسجين سواء داخل المباني أو في سيارات النقل أو خلافه.
قد يرى المسؤولون في المناطق أو المحافظات بالتعاون مع الوزارات المعنية تنظيم الإشراف على هذه المشاريع كافة ووضع بعض الاشتراطات التي تكفل صيانة كل ما يتم استخدامه ويقدم من خدمات للحفاظ عليها واستدامتها. فمثلا تلزم الشركات المكلفة بالقيام بأي من المشاريع الإنتاجية أو الحيوية وتشغل من ألف إلى خمسة آلاف عامل أن تسهم في تحسين خدمات معينة في حين أن التي تشغل عشرة آلاف عامل أو يزيد تصون الطرق وتسهم في حركة النقل العام بتأمين باصات لوزارة التربية والتعليم أو القيام ببعض الأبحاث أو دعمها في رصف الطرق وتمديد أنابيب الصرف الصحي وحماية البيئة.. إلخ. كما يمكن أن تتم المساهمة في إكمال مشاريع توقفت لعدم توافر الخبرة أو القوى البشرية أو شراء الأراضي لمشاريع أخرى تعطلت لعدم توفير قطعة أرض, وقد يكون في إعادة الاستفادة من النفايات وتدويرها, أو تكثيف خدمات الاتصالات في هذه المنطقة أو تلك سعيا إلى خلق التوازن في تأهيل المناطق من حيث الخدمات الأساسية. ما آمله حقا أن يتم الاهتمام بوضع استخدام الموارد من قبل الشركات الضخمة وفي زمن قصير جدا كأنه عدة مواضيع مترابطة وأن تقوم جميع هذه الشركات بمسؤولياتها قبل وخلال وبعد الانتهاء من تنفيذ المشاريع, وأن تحرص القادمة والجديدة على هذه المواقع أو غيرها من المواقع في المناطق المختلفة وأن تحافظ على ما أنجز وتهتم بهذه الجزئية مع الحرص على ترك بصمة في الموقع كل على حدة تكون نقطة تطوير في حد ذاتها وتحفظ لها مساهماتها في نمو وتطوير المناطق والمحافظات, والله الموفق
- آخر تحديث :
التعليقات