وليد خدوري

يتساءل المرء هذه الأيام عن الحدود القصوى التي يمكن ان يصلها سعر النفط الخام بعدما شارف على مستوى 110 دولارات للبرميل.

وتختلف التوقعات بتنوع مصادرها، فهناك من يستشرف تراجعاً بسيطاً إلى مستوى 90 دولاراً في المستقبل المنظور (وهو سعر عال في كل الأحوال وإن قلّ عن الأسعار الجارية)، بسبب تقلص النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والدول الصناعية الغربية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتداعيات ارتفاع الأسعار. لكن أسعار النفط الآجلة (المستقبلية، بعد خمس سنوات، مثلاً) تبقى ضعف الأسعار الحالية تقريباً، وذلك بسبب مخاوف من شح الإمدادات مستقبلاً.

توقعت المؤسسة المالية laquo;غولدمان ساكسraquo; عام 1989 ارتفاع أسعار النفط إلى مئة دولار، وتستشرف الآن انخفاضه إلى نحو 90 دولاراً في الربيــع المقـــبل بسبب جني الأرباح من المضاربين، لكنها ترى أنه سيرتفع مرة أخرى نهاية السنة مع تحسن الاقتصادين الأميركي والصيني.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، وفقاً لتقريرها الشهري الأخير عن الأسواق العالمية، ان ينخفض الطلب على المحروقات بنحو 80 ألف برميل يومياً عام 2008، بسبب تراجع النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الغربية، في مقابل توقعات بارتفاع الطلب في دول الاتحاد السوفياتي السابق، لكنها لم تحدد مستوى الأسعار المتوقع على المدى القصير.

ومهما اختلفت التوقعات والآراء، فالأهم، في كل التحليلات المتوافرة، إجماعها على ان السبب الأساس الذي يدفع بأسعار النفط إلى مستويات قياسية هذه الأيام هو انخفاض قيمة الدولار، ناهيك عن التضخم والمضاربات، ما جعل النفط والسلع الأخرى، مثل الذهب، وحتى الكاكاو والفحم، ملاذاً لأموال المستثمرين والمضاربين. وهذا يعني، بكلام بسيط، فك ارتباط أسعار النفط في الوقت الراهن عن أساسات العرض والطلب في الأسواق النفطية، ما يهمش دور laquo;منظمة البلدان المصدرة للنفطraquo; (أوبك) ويدفع مرحلياً المنظمة جانباً إلى ان تعود الأمور إلى نصابها مرة أخرى.

طبعاً، يؤثر ارتفاع أسعار المواد الأولية في شكل متسارع، وانخفاض قيمة الدولار في الوقت ذاته، سلباً في مستوى المعيشة وإنفاق المستهلكين في الدول التي تستعمل الدولار. ومع تزايد شكاوى المواطنين واحتجاجاتهم على هذا الوضع، تبدو حكوماتهم مقيدة الأيدي إلى حد ما في ما تستطيع عمله لمواجهة هذا الوضع الصعب من غلاء مستفحل. فالدعم الحكومي للمواد الأساسية محدود النفع في أوضاع كهذه، إذ ارتفع أخيراً سعر الطحين ومن ثم سعر الخبز إلى الضعف.

وبلغة الأرقام، في دولة مثل الولايات المتحدة، وهي الأكثر استهلاكاً للنفط في العالم، ارتفعت فاتورة استيراد النفط نحو 300 في المئة منذ بدء ارتفاع أسعاره عام 2002، لتصل إلى 327 بليون دولار السنة الماضية. ويقدَّر ان تصل إلى نحو 400 بليون دولار عام 2008. وتؤدي هذه الكلفة الباهظة للنفط، في ما تؤدي إليه، إلى إضعاف الدولار، لكن في الوقت ذاته يؤدي الدولار الضعيف إلى زيادة الصادرات الأميركية.

وتنعكس هذه الحال أيضاً على الدول المنتجة للنفط، خصوصاً مشاريعها النفطية الاستراتيجية التي هي قيد الإنشاء، إذ نسمع يومياً، ليس فقط عن تأخر العمل في بعض هذه المشاريع عن مواعيدها المعلنة سابقاً، بل كذلك عن ارتفاع أكلافها بلايين الدولارات. فالمشروع الذي كان يكلف قبل سنة أربعة بلايين دولار، مثلاً، صار يكلف الآن 12 أو 14 بليوناً.

وثمة أمثلة كثيرة حول هذه الزيادات في دول منتجة. ويلاحظ، ان هذه الزيادات في الأكلاف، تأتي فيما تحاول الدول المنتجة زيادة طاقاتها الإنتاجية من النفط الخام، أو الغاز الطبيعي، أو التكرير، أو الصناعات البتروكيماوية. ويعني هذا التأخير في زيادة الطاقات الإنتاجية هذه الفترة بالذات، وبحسب المواعيد المجَدولة، ضياعاً لعائد مالي كبير في ظل الأسعار الحالية.


* كاتب متخصص في شؤون الطاقة.