أظهرت دراسة لغرفة الشرقية أن قطاع المقاولات يشهد أكثر عمليات فرار للعمالة الوافدة، لكونه الأكثر تشغيلاً لها في السعودية، وأكثر العمال الهاربين من الكفلاء هم الآسيويون.

الدمام - إيلاف: أوصت غرفة الشرقية (السعودية) بضرورة إجراء معالجة جوهرية لظاهرة هروب العمالة الوافدة من كفلائها، مشددة على أن لا بديل عن توطين الوظائف (السعودة)، كأسلوب وحيد لهذه المعالجة. واقترحت الغرفة إحلال العمالة المواطنة تدريجياً بدلاً من العمالة الأجنبية. لافتة إلى أن ذلك يتطلب جملة قرارات يتخذها مجلس الوزراء السعودي.

وطالبت الغرفة، في دراسة أصدرتها أخيراً تحت عنوان quot;ظاهرة هروب العمالة الأجنبية الوافدة من كفلائها في قطاع الأعمال الخاص والقطاع المنزلي.. الأسباب والمعالجاتquot;، أعدها مركز الدراسات والبحوث في الغرفة، بالتعاون مع مركز التعاون الخليجي للدراسات والاستشارات والتطوير، طالبت باتخاذ حزمة من الإجراءات، أبرزها: منح القطاع الخاص المزيد من المزايا والتسهيلات مقابل التوسع في سعودة الوظائف، وتحمل نسبة من رواتب وأجور العمالة الوطنية الموظفة لدى القطاع الخاص وكلف تدريبها خلال السنوات الثلاث الأولى، بحيث تكون منافسة في ما يتعلق بالأجور للعمالة الأجنبية الوافدة.

واقترحت الدراسة إيجاد صندوق خاص لتمويل هذه الإجراءات، وأن تكون رسوم استقدام العمالة الأجنبية والغرامات التي تفرض عليها جزءاً منه، فضلاً عن مصادر تمويلية أخرى، بحيث لا يكون الصندوق عبئاً على ميزانية الدولة، مشيرة إلى أهمية فرض رسوم على استقدام العمالة الأجنبية، التي رأت أن لها بدائل محلية كافية.

تضم الدراسة ثلاثة أبواب، أولها بعنوان quot;الدراسة المرجعية للظاهرةquot;، ويضم خمسة فصول، على النحو التالي: الإطار النظري للدراسة، وحجم وهيكل العمالة الوافدة والعوامل المؤثرة في نموها والآثار السلبية الناجمة منها، وووالتشريعات المنظمة للعمالة الوافدة، وحجم ظاهرة هروب العمالة الوافدة وهيكلها، وآثار ظاهرة هروب العمالة من كفلائها.

الباب الثاني منها، الذي حمل عنوان quot;الدراسة الاستطلاعية للظاهرةquot; تبحث فيه الدراسة مرئيات الهيئات والمؤسسات الرسمية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني للظاهرة. وتحت عنوان quot;الدراسة الميدانية للظاهرة في المنطقة الشرقيةquot;، تبحث الدراسة في بابها الثالث، موقف المواطنين من ظاهرة هروب العمالة الأجنبية من كفلائها في القطاع المنزلي، وموقف قطاع الأعمال من ظاهرة هروب العمالة الأجنبية من كفلائها في قطاع الأعمال، وموقف قطاع مكاتب الاستقدام من ظاهرة هروب العمالة الأجنبية من كفلائها، وموقف العمالة الأجنبية الوافدة من ظاهرة هروب العمالة الأجنبية من كفلائها، والمعالجات المقترحة للحد من ظاهرة هروب العمالة من كفلائها، ثم تخلص الدراسة إلى استنتاجات، تقترح في ضوئها مجموعة من التوصيات المهمة، في إطار مواجهة الظاهرة.

واعتبرت الدراسة ظاهرة هروب العمالة الأجنبية الوافدة من الكفلاء في قطاع الأعمال والقطاع المنزلي، إحدى التداعيات التي رافقت اتساع حجم الاعتماد المتزايد على العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، والمملكة العربية السعودية بصورة خاصة، مشيرة إلى أن ذلك الاعتماد، الذي كان ولا يزال، نتاج تفاعل جملة من العوامل، بعضها يتعلق بمسارات التنمية الاقتصادية منذ منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر، فضلاً عن دور الاستثمار الأجنبي وخصوصيته في المملكة.

وترافق ذلك مع ضعف إدارة سوق العمل واتساع سوق العمالة السوداء (تجارة التأشيرات)، إضافة إلى العوامل الاجتماعية والثقافية الكامنة في بنية المجتمع السعودي، كتلك المتصلة بميل الكثير من الشباب إلى الاهتمام بالوجاهة والترفع عن الخدمة، وانتشار ثقافة العيب، والنظرة الدونية للعديد من الأعمال المهنية والحرفية، والغياب شبه الكامل للمرأة عن سوق العمل لفترة طويلة.

وبينت الدراسة أن ملاذات العمالة الهاربة من كفلائها، تتعدد من العمل في مشروعات يملكها ويديرها سعوديون غير كفلائها، إلى العمل في مشروعات يملكها أجانب، ومسجلة تستراً بأسماء سعوديين، أو العمل الحر لحسابها الخاص، أو العمل في النشاط الموازي والهامشي.

واستعرضت جنسيات العمالة الوافدة، مشيرة إلى أن معظم العمال الهاربين من الجنسيات الآسيوية، وفي مقدمتهم البنغاليون، يليهم الباكستانيون، ثم الهنود، فالفلبينيون. والمجموعة الثانية من العمالة الهاربة هي الجنسيات العربية، وفي مقدمتهم المصريون، يليهم السودانيون، ثم اليمنيون. والمجموعة الثالثة هي الجنسيات الأفريقية، وفي مقدمتهم النيجيريون، ثم الأثيوبيون.

وتناولت الأسباب التي تدفع العمالة الوافدة إلى الهرب من كفلائها، ومنها: سعي العامل إلى تحسين دخله إلى الممارسات الخاطئة من قسم من الكفلاء، فضلاً عن القصور في إنفاذ التشريعات والنظم، ووجود ثغرات في النظم والتشريعات السائدة نفسها، إضافة إلى التعقيد والسلبية في إجراءات الاستقدام، والدور السلبي لقسم من المواطنين وتسترهم على هذه الظاهرة، والدور المشجع للظاهرة من بعض سفارات دول العمالة الوافدة.

ورأت الدراسة أن ظاهرة هروب العمالة من كفلائها تؤدي إلى آثار سلبية عديدة وعلى مستويات متعددة. فعلى صعيد اقتصاد المملكة، تؤدي إلى تضخم أعداد العمالة الوافدة، ومنافسة المواطنين في سوق العمل وتعميق الخلل فيه، واتساع حجم الأنشطة الموازية والهامشية، فضلاً عن زيادة التحويلات المالية خارج البلاد، والضغط على السلع والخدمات، وإيجاد سوق سوداء للإتجار بالعمالة الهاربة.

وأهم آثارها على صعيد المنشآت أنها تؤدي إلى زيادة الأعباء المالية لقطاع الأعمال والقطاع المنزلي، ومنافسة المشروعات الصغيرة، والتأثير سلباً على الإنتاج والإنتاجية في مشروعات كفلائها، وزيادة مخصص مصاريف التدريب والتأهيل في تلك المشروعات، كما تؤدي إلى تكليف العمال الوافدين الملتزمين بالعمل مع كفلائهم أعمالاً إضافية، قد ترهقهم، وتدفع بهم إلى الهرب أيضاً.

قطاع المقاولات، بحسب الدراسة، هو القطاع الذي يهرب منه العدد الأكبر من العمالة الوافدة ، لكونه الأكثر تشغيلاً لها في المملكة، حيث يستوعب ما يزيد عن 50% منها من جانب، ومن جانب آخر، فغالبية العمالة في هذا القطاع من المستويات المهنية والعلمية الدنيا ذات الأجور المنخفضة، وتعمل في ظل بيئة عمل متواضعة. مما يجعلها أكثر ميلاً للهرب من كفلائها عند أول فرصة أفضل تتاح لها. كما أوضحت أن لهروب العمالة المنزلية آثاراً سلبية على الأسرة السعودية، منها الضغط على ميزانية الأسرة للتعويض عن العمالة الهاربة، وتهديد أمنها الاجتماعي.

الدراسة الميدانية للظاهرة في المنطقة الشرقية أظهرت، أن نسبة 61.8% من عينة الدراسة (من المواطنين في القطاع المنزلي) هرب منهم خلال السنتين الأخيرتين عمالة منزلية، وأن نسبة 99% من منشأت الأعمال عينة الدراسة هرب منهم عمالة وافدة خلال السنتين الأخيرتين، الأمر الذي يشير إلى اتساع حجم ظاهرة هروب العمالة في المنطقة الشرقية من المملكة.

حوالي نصف عدد المواطنين (عينة الدراسة) في القطاع المنزلي (45%) يرون أن العامل الرئيس المسبب لهروب العمالة المنزلية الوافدة هو وجود جهات تشجعهم على الهرب، وتوفر لهم العمل البديل، فيما يرى 22% منهم أن سوء المعاملة للعمالة المنزلية الوافدة هي المسبب الرئيس لهروبها. كما يعتقد 15% من المواطنين عينة الدراسة أن الإجهاد وساعات العمل غير المحدودة هي سبب هروب العمالة المنزلية.

ويعتقد قطاع الأعمال تحت الدراسة أن في مقدمة الأسباب التي تدفع العمالة الأجنبية للهرب من كفلائها، وجود جهات تشجع العمالة الأجنبية على الهرب، وتوفر لها العمل البديل، وهذا الرأي يمثل وجهة نظر 45.1% من عينة الدراسة. يليه انخفاض الراتب الذي تتقاضاه العمالة الأجنبية مقابل طموحها في تحسين مستوى دخلها، ويمثل رأي 23.9% من عينة الدراسة. ثم سوء المعاملة الذي تتعرض له العمالة الوافدة من بعض إدارات المشروعات، ومثل رأي 15.5% من رأي عينة الدراسة.
فيما جاء الاعتقاد بأن طول ساعات العمل غير المأجور سبب لهروب العمالة بنسبة 11.3% من عينة الدراسة، وأخيراً جاء الاعتقاد بأن العامل يأتي وهو مقرر الهرب ليمثل رأي نسبة 4.2 % من عينة الدراسة.

وترى مكاتب الاستقدام أن الأسباب التي تدفع العمالة الأجنبية إلى الهرب من كفلائها في القطاع الخاص متعددة، ويعتقد 38.2% من مكاتب الاستقدام تحت الدراسة بوجود جهات تشجع العمالة الأجنبية الوافدة على الهرب من كفلائها، وتوفر لها العمل البديل والمأوى، ونسبة 26.5% منهم يرون أن السبب يتعلق بقلة الراتب، ويرى 17.6% من عينة الدراسة أن السبب طول ساعات العمل دون أجر إضافي. بينما ترى النسبة نفسها أن السبب هو سوء المعاملة من قبل الإدارات المباشرة.

وضمن توصياتها، طالبت الدراسة بالسماح لقطاع الأعمال باستقدام العمالة الأجنبية التي تتطلبها مشروعاته نوعياً وكمياً، وبما يؤدي إلى خلق حالة التوازن بين الطلب على العمالة وعرضها، وأن ذلك كفيل بعدم لجوء قطاع الأعمال إلى تشغيل العمالة الهاربة من كفلائها، وتضييق فرص الهروب على هذه العمالة، مما يكبح من جماح الظاهرة. كما طالبت الدراسة بتوقيع ميثاق شرف بين منشآت قطاع الأعمال الخاص، بإشراف غرف التجارة والصناعة، يتعهدون بموجبه بعدم تشغيل العمالة الهاربة من كفلائها تحت أي ظرف.

وأوصت بالتعاون بين غرف التجارة والصناعة ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والجمعيات الدعوية الخاصة بالجاليات، مثل المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، ووزارة العمل ووسائل الإعلام، للقيام بحملة إعلامية وتوعوية لدعوة الكفلاء والعمالة الأجنبية إلى الالتزام الحقيقي ببنود العقود الموقعة بينهما نصاً وروحاً، وبما ينسجم مع القيم الإسلامية السمحة. مع توضيح وسائل التقاضي والتظلم للعمالة الأجنبية لنيل حقوقها، في حال تعرضها لمشكلات مع كفلائها، بدلاً من هروبها من الكفيل.

ودعت إلى الإسراع بإشهار شركات كبيرة للاستقدام ترتبط بها مراكز لتدريب العمالة الأجنبية الوافدة وضم مكاتب الاستقدام الحالية إليها. وأوصت بتشكيل هيئة عليا للحد من ظاهرة العمالة السائبة (بما فيها هروب العمالة الأجنبية) برئاسة وزير العمل وعضوية وكلاء وزارات الداخلية والتجارة والصناعة والعدل والإعلام، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ورئيس مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، ورئيس لجنة حقوق الإنسان، وممثلين للجمعيات الدعوية الخاصة بالجاليات، وعدد من علماء الدين، وأكاديميين وباحثين اجتماعيين، تقوم بدراسة أفضل السبل للحد من الظاهرة واقتراح النظم والتشريعات ومتابعة تنفيذ الإجراءات التي يتطلبها الحد من الظاهرة.

كما أوصت بدراسة إصدار قرار من وزارة الداخلية، بالتعاون مع الجهات التشريعية المختصة، بتشديد العقوبات الخاصة بالمخالفات المتعلقة بنظام الإقامة. وأكدت أهمية إتاحة البيانات والمعلومات المتعلقة بظاهرة هروب العمالة الوافدة، بما ييسر دراستها، ووضع الحلول والمقترحات للحد منها، والإسراع بإصدار نظام أو تشريع، ينظم عمل العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية.