قللت شركة جنرال موتورز الأميركية لصناعة السيارات من شأن تراجعها عن بيع فرعها الأوروبي هذا الأسبوع، بوصفه مسألة منطق صناعي لا أكثر. وترى الشركة أن عدولها عن البيع يعكس تغيراً في الظروف. وعندما دُرست فكرة البيع في إبريل الماضي كانت الشركة تقف على حافة أكبر حالة إفلاس في تاريخ الشركات الأميركية. وكان البيع خيارها الوحيد. لكن الآن، بعدما أخذت صناعة السيارات في العالم تُبدي علامات انتعاش وعودة جنرال موتورز نفسها من عالم الأموات، أصبح كل شيء مختلفاً.

إعداد عبدالإله مجيد: قللت شركة جنرال موتورز الأميركية لصناعة السيارات من شأن تراجعها عن بيع فرعها الأوروبي هذا الأسبوع، بوصفه مسألة منطق صناعي لا أكثر. ولكن الصفقة الملغاة الآن كانت دائماً تحظى بمؤيدين في برلين أكثر منهم في مجلس إدارة جنرال موتوزر في ديترويت، وكانت بذور فشلها غُرست في بروكسل، وليس في الولايات المتحدة.

حتى قبل أن تغير جنرال موتورز رأيها، كانت مسيرة الجهود التي بذلتها الشركة الأميركية العملاقة للتخلص من فرعها الأوروبي المتعثر ـ الذي يشمل شركة أوبل في ألمانيا وشركة فوكسهول في بريطانيا ـ مسيرة حافلة بالدراما. فإن نقابات العمال من بولندا إلى أسبانيا استشاطت غضباً على التسريحات الواسعة بين عمال الشركة في هذه البلدان، واشتبك اللورد ماندلسون وزير الأعمال البريطاني مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في سجال، محوره إنقاذ المعامل وأصوات الناخبين، فيما كان المشككون والمتشائمون يحذرون من التداعيات طويلة الأمد لدعوة رؤوس الأموال الروسية إلى قلب الصناعة الأوروبية.

وترى شركة جنرال موتورز أن عدولها عن البيع يعكس تغيراً في الظروف. وعندما دُرست فكرة البيع في نيسان/إبريل الماضي كانت الشركة تقف على حافة أكبر حالة إفلاس في تاريخ الشركات الأميركية. وكان البيع خيارها الوحيد. ولكن الآن، بعدما أخذت صناعة السيارات في العالم تُبدي علامات انتعاش وعودة جنرال موتورز نفسها من عالم الأموات، أصبح كل شيء مختلفاً. وصار بمقدور مجلس إدارة الشركة في ولادتها الجديدة أن يتطلع إلى أبعد من المستقبل القريب، متحرراً من هموم الفترة السابقة. ونقلت صحيفة quot;الاندبندنتquot; عن جون سمث أحد كبار المفاوضين باسم الشركة قوله quot;إن الوضع الذي تجد جنرال موتورز نفسها فيه الآن بالمقارنة مع وضعها قبل عام يختلف اختلافاً كبيراً، وهو وضع أحسن كثيراًquot;.

ويؤكد محللون أن تفسير جنرال موتورز لا يخلو من الصحة، ولكنه ليس كل الحكاية. وإزاء 54 ألف فرصة عمل مهددة بالإلغاء في مصانع الشركة في ستة بلدان، كانت يد السياسة الثقيلة مسلطة دوماً على قرارات جنرال موتورز. وإذا أُخذت في الاعتبار حقيقة أن أي خطة لتحويل عملياتها الأوروبية الخاسرة والمتضخمة إلى مشروع ناجح تعتمد على المال العام من البلدان التي تعمل فيها مصانع جنرال موتورز، فإن القرار قطعاً لا يكون بيد ديترويت. وهذا ما حدث في المرة الأولى، عندما أعلنت جنرال موتورز بعد أشهر من المحادثات وراء أبواب مغلقة توصلها إلى اتفاق مع شركة ماغنا انترناشنال في أيلول/سبتمبر الماضي، وهو إعلان لم يكن مفاجئاً. فالشركة الكندية لصناعة مكونات السيارات الممولة من شركة سبيربانك الحكومية الروسية، كانت المرشحة من البداية، وبدعم صريح من حكومة المستشارة ميركل، مقابل ضمانات بإبقاء مصانع الشركة الأربعة في ألمانيا مفتوحة.

في هذه الأثناء، كان من الأسرار المعروفة أن الحكومة البريطانية كانت تفضل عرضاً من شركة آر ايج جي انترناشنال، بسبب التزامها المعلن بإنقاذ معامل فوكسهول في مدينتي لوتن وايلسمير بورت.

بحلول تموز/يوليو، بدأ التوتر يظهر على السطح. إذ تعهدت حكومة برلين بمنح جنرال موتورز 4.5 مليارات يورو لإبرام صفقة ماغنا، وسط تلميحات لا تُخطئ بأن هذا المبلغ ليس متوافراً للشركة الأخرى، آر ايج جي، الأمر الذي أثار حفيظة اللورد ماندلسون، الذي قال بغضب quot;إن هذا القرار ينبغي ألا يُشوه باعتبارات سياسية في أي بلدquot;. ولكن 5500 عامل في مصانع فوكسهول كانوا اعتباراً ضئيلاً بالمقارنة مع 25 ألفاً في ألمانيا، فضلاً عن 400 مليون جنيه إسترليني من المساهمات الضريبية في بريطانيا مقابل مليارات في ألمانيا.

وكانت جنرال موتورز أعدّت خططها لتقليص عملياتها في أوروبا قبل أن تجبرها الأزمة على البيع، واعتُمدت تلك الخطط أساساً للتعامل مع كل الراغبين في الشراء، ومنهم ماغنا. وتتمثل المفارقة في أن دخول الروس على الخط هو الذي جعل الصفقة ممكنة أصلاً. إذ كانت فرص ماغنا في الفوز بالصفقة معدومة لولا المال الروسي، وما كانت روسيا تبتغيه بالمقابل هو التكنولوجيا. ليس هذا فحسب، بل إن شريك ماغنا الصناعي في روسيا هو شركة غاز، ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في روسيا، ويملكها أوليغ دريباسكا، صديق اللورد ماندلسون.

والذي أثار اعتراضات في مجلس إدارة جنرال موتورز.. إقدام المستشارة ميركل على استخدام تكنولوجيا الشركة لاستدراج الروس إلى صفقة تنقذ فرص العمل في ألمانيا. وتنقل صحيفة quot;الاندبندنتquot; عن الخبير في صناعة السيارات هلتون هولواي قوله quot;إن روسيا متلهفة على امتلاك ناصية تكنولوجيا السيارات. وكانت ميركل تستخدم رصيد جنرال موتورز من هذه التكنولوجيا ورقة تفاوض، لكنها تمادتquot;.

وكان من شأن الصفقة أن تمضي قدماً، لولا تدخل نيلي كروس مفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي. فقبل أسابيع على إعلان الاتفاق الأولي مع ماغنا، أبدت كروس مخاوف من أن يكون عرض برلين بتقديم 4.5 مليارات يورو إلى ماغنا مخالفاً لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن مساعدات الدولة للشركات. وتفادياً للعواقب التي قد تنجم من ذلك، كتب وزير الاقتصاد الألماني كارل تيودور تسو غوتنبرغ إلى جنرال موتورز ليؤكد أن الـ 4.5 مليارات يورو متاحة لمن يفوز بالصفقة أياً يكن.

بهذه الرسالة، وجد مجلس إدارة جنرال موتورز فرصته، فسارع إلى إرجاء القرار النهائي بشأن الاتفاق مع ماغنا إلى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. ورغم مشاعر الاستغراب العلنية التي أعرب عنها الجميع، ابتداء من اللورد ماندلسون إلى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، فإن المسألة كانت مسألة وقت لا أكثر، قبل أن تتراجع جنرال موتورز عن قرارها.

ويرى محللون أن صفقة ماغنا لم تكن سيئة لشركة جنرال موتورز وحدها، بل لشركة ماغنا نفسها أيضاً، التي كانت ستأخذ على عاتقها قسماً يعمل بخسارة من شركة صغيرة، بحيث لا تستطيع التنافس مع غرماء، مثل فولكسفاغن. ورغم أن السياسيين الألمان ربما كان يغلون غضباً، فإن صفقة ماغنا ما كانت لتمر عبر القوانين الأوروبية، التي تنظم مساعدات الدولة للشركات. وفي النهاية، كانت مفوضة شؤون المنافسة كروس ستُقدم على تفكيك الصفقة، بحيث تبدو مثلما تقوم به جنرال موتورز الآن.

من الصعب الحكم ما إذا كانت المستشارة ميركل ستُهزم في محاولتها الفوز بولاية ثانية، لو انفجرت الضجة قبل الانتخابات. وأياً تكن النتيجة، فإن الأوراق لُعبت بمهارة.