وليد خدوري: راوحت أسعار النفط الخام محلها طوال كانون الثاني (يناير) حول 40 دولاراً للبرميل، واستقر سعر سلة laquo;أوبكraquo; على هذا المتوسط طوال الشهر الماضي. ثمة عاملان أساسيان مؤثران في سعر النفط هذه الأيام. فهناك من جهة الأخبار الاقتصادية/المالية العالمية السلبية وآثارها على انكماش الطلب العالمي على النفط الخام الذي تقدره وكالة الطاقة الدولية بنحو مليون برميل يومياً لعام 2009، وهناك من الجهة الأخرى قرارات منظمة laquo;أوبكraquo; خفض الإمدادات لإحداث توازن بين العرض والطلب، إذ قلصت بلدان المنظمة إنتاجها بنحو 4.2 مليون برميل يومياً منذ تشرين الأول (أكتوبر).


تشير تقديرات إلى أن نسبة الالتزام بقرارات الخفض هي نحو 80 في المئة، ومما لا شك فيه أن كمية الخفض هذه ونسبة الالتزام تركتا آثارهما في الأسواق ووضعتا حدوداً دنيا للمستوى الذي يمكن أن تنخفض إليه أسعار النفط في هذا الوقت الصعب، وهو نحو 40 دولاراً لمتوسط سعر سلة laquo;أوبكraquo;. ومن نافل القول إن الأسعار كانت لتنخفض إلى مستويات أدنى بكثير لولا خطوات المنظمة هذه. لكن، على رغم قرارات المنظمة والتزاماتها غير المسبوقة، يبقى السؤال الصعب مطروحاً: الى متى تستطيع laquo;أوبكraquo; الوقوف ضد تيار الانحسار الاقتصادي العالمي، وما الذي تستطيع أن تفعله في حال امتداد رقعة الانحسار، كما هو حاصل فعلاً، وما هي كمية انخفاض الطلب فعلاً في حال ازدياد البطالة عالمياً خلال الشهور المقبلة؟


تشير معلومات لسكرتارية laquo;أوبكraquo; إلى أن متوسط سعر سلة laquo;أوبكraquo; خلال كانون الثاني (يناير) الماضي انخفض إلى نحو 41.55 دولار للبرميل، مقارنة بمتوسط سعر السلة لعام 2008 الذي بلغ نحو 94.45 دولار. لقد تراوح متوسط سعر سلة المنظمة خلال الأسابيع الماضية في نطاق 35 - 45 دولاراً مع استقراره معظم الوقت على متوسط يساوي 40 دولاراً.


للإجابة عن السؤال الصعب، لا بد من ان نراجع التجارب السابقة وهي غير مشجعة، فقد تطلبت تحركات نفطية/سياسية من اجل الدفاع عن مصالح الدول المنتجة. ولا يختلف الوضع الآن كثيراً عن تجارب الماضي السابقة، بل تدل معظم المؤشرات إلى ان التحديات الصعبة لا تزال أمامنا، ولم تصبح وراءنا. بمعنى آخر، يجب توقع سلسلة جديدة من الأخبار الاقتصادية السلبية وآثارها على الطلب العالمي على النفط. وخير دليل على ذلك تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين من الرئيس باراك اوباما الى نائب الرئيس جوزيف بايدن خلال الأسبوع الماضي، والسؤال المطروح هنا: ما هي الوسائل والأدوات الباقية المتوافرة لدول المنظمة لمواجهة تراكم الأخبار السلبية المستقبلية؟


لقد اتخذت الدول النفطية العربية قرارات مختلفة للتعامل مع الأزمة، وأولى هذه الخطوات خفض السعر المتوقع للنفط في موازنات 2009. وتشير معلومات إلى أن النطاق السعري الذي اعتمد هو بين 45 و55 دولاراً للبرميل، وبطبيعة الحال تختلف الأسعار التي تم تبنيها لموازنات العام المقبل من دولة إلى أخرى، وذلك بحسب تقديرات الخبراء للمسار السعري المحتمل هذه السنة، اضافة الى الفروق في نوعية النفوط المتوافرة لكل دولة.
واختلفت سياسات الدول العربية المنتجة في التعامل مع الأزمة الدولية وانخفاض الأسعار. فهناك من تمكن من دفع معظم ديونه السابقة ومن تأمين اموال ضخمة خلال فترة ارتفاع الاسعار، وسيعتمد على هذه المدخرات في ركوب هذه الموجة، إضافة إلى الدفع بمقدار ما يمكن بتشييد البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية، مع ايقاف بعضها او تأجيله. وهناك بعض الدول التي تبنت سعراً نفطياً منخفضاً، سيكفيها بالكاد تغطية معاشات الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، مع تنفيذ عدد محدود جداً من المشاريع الاستثمارية خلال هذا العام.
وهناك من يعمل على تغطية الخسائر التي لحقت بمصارفه وبورصاته ومؤسساته الاستثمارية. وفي دول اخرى، وبالذات تلك المنفتحة على العولمة أكثر من غيرها، فقد قلصت شركات دولية كثيرة حجم اعمالها، كما قلصت الدول المعنية استثماراتها، ما أثر سلباً في الوافدين واضطرارهم الى ترك عملهم بالجملة والعودة الى بلادهم التي ستفتقد تحويلاتهم التي كانت تعتمد عليها في شكل كبير. وهناك من دعا الى زيادة سعر النفط الى مئة دولار، وإلا أمّم الشركات النفطية الاجنبية. وعلى رغم ان قرار التأميم هو أمر سيادي، الا اننا لا نفهم ما علاقته بتدهور الاسعار العالمية، وفي ظل الازمة الاقتصادية العالمية.