الكويت ـ إيلاف: قال تقرير بيت الإستثمار العالمي حول الإستراتيجية الاقتصادية والرؤية المستقبلية للاقتصاد الكلي لمملكة البحرين إنها حققت معدل نمو هائل خلال السنوات القليلة الماضية. ومنذ العام 2003، كان معدل النمو الاسمي يتضاعف بمعدل ثابت. وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط والسيولة الضخمة في المنطقة على تحقيق أداء قوى على مدار الأعوام القليلة الماضية. وخلال العام 2008، توقع أن ينمو الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي بمعدل 6 في المئة حيث ظلت المنطقة بمنأى عن آثار الأزمة الاقتصادية خلال النصف الأول من العام 2008. وعلى الرغم من ذلك فقد أصاب التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي اقترن بالانخفاض الكبير في أسعار وإنتاج النفط، وكذا انخفاض الإنفاق الاستهلاكي اقتصاديات المنطقة وهو ما سيؤثر كذلك على البحرين، حيث يتوقع أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي إلى حوالى 2.5-3.0 في المئة خلال العام 2009 مع المزيد من مخاطر الهبوط .

وخلال العام 2007، نما الاقتصاد بالمنظور الاسمي بمعدل كبير بلغ 16.4 في المئة وصولاً إلى 6.94 مليار دينار بحريني (18.45 مليار دولار أميركي) في الوقت الذي نما فيه الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي بمعدل 8.1 في المئة بالغا 4.44 مليار دينار بحريني (11.81 مليار دولار أميركي). ويعزى الأداء الاقتصادي السليم في العام 2007 إلى ارتفاع أسعار النفط في الجزء الرئيس من العام والتحسن اللاحق الذي قدمته بعض القطاعات مثل التشييد، والتأمين، والضيافة التي سجلت نموًا كبيرًا بمعدلات بلغت 16.8 ، 16.4 ، 13.5 في المئة على التوالي .

وعلى الرغم من أن البحرين تعد أقل الدول اعتمادًا على النفط بين نظائرها في المنطقة ، إلا أن قطاع النفط والغاز مازال يساهم بالربع تقريبا (24.6 في المائة) في إجمالي الناتج المحلى الإجمالي للدولة في العام 2007. وسابقا، وظفت المملكة عوائدها من النفط جيدا من خلال دعم البنية التحتية وتحسين التنويع الاقتصادي لتقليل اعتماد الاقتصاد على الهيدروكربونات وتوفير وظائف للقوة العاملة المتنامية سريعا.ومن بين المكونات غير النفطية، زادت مساهمة قطاعات الخدمات المالية ، التصنيع والتشييد في الناتج المحلى الإجمالي من 17.4 ، 11.5 ، 3.8 في المئة في العام 2003 إلى 22.7 ، 15.3 ، 5.0 في المئة على التوالي في العام 2007 .ومن المنظور الحقيقي كان القطاع المالي هو المساهم الأكبر في إجمالي الناتج المحلى الإجمالي للدولة خلال العام 2007. وفي الواقع فإن مساهمة القطاع المالي في إجمالي الناتج المحلى الإجمالي للدولة قد نمت من 19.4 في المئة في العام 2003 إلى 26.7 في المئة في العام 2007.

ولا شك في أن القطاع المالي يعد أحد أهم القطاعات داخل الاقتصاد حيث تقوم المملكة باستمرار بإصلاح القطاع المصرفي ليظل باستمرار مواكبا للتطورات العالمية .وقد كانت المملكة اقتصادا مفتوحا لفترة طويلة يجذب الاستثمارات الأجنبية. وسواء في القطاع المالي أو قطاع الاتصالات أو القطاع العقاري، فقد شهدت البحرين مساهمات خاصة/ أجنبية قوية على مدار الأعوام القليلة الماضية.

وتتمثل الأسباب الرئيسية وراء نظرة الشركات الأجنبية للبحرين على أنها المكان الذي تدخل منه للمنطقة، في البيئة الجغرافية للدولة، السلطات جيدة التنظيم والعناصر منخفضة التكلفة في تأسيس العمليات. كذلك ساعدت مبادرات التنويع والخصخصة الأخيرة من جانب الحكومة على دعم هذا الأمر.

ونتيجة لذلك، وضعت مؤسسة quot;هريتاجquot; البحرين في المرتبة السادسة عشر ضمن الاقتصاديات الحرة في العالم والأكثر حرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) في مؤشرها للحرية الاقتصادية للعام 2009 في الوقت الذي وضع فيه البنك الدولي المملكة في المرتبة الثامنة عشر في تصنيف سهولة أداء الأعمال للعام 2009 .وعلى أي حال فقد أصاب الاضطراب المالي العالمي خلال النصف الثاني من العام 2008 أسواق مجلس التعاون الخليجي بصدمة ولم تستثنَ البحرين من ذلك. فقد انخفض السوق البحريني بنسبة 33.5 في المئة خلال العام 2008 مقارنة بالارتفاع بنسبة 26.5 في المئة خلال العام 2007.

وكان التأثير الأكبر خلال النصف الثاني من العام 2008 عندما بدأت أسعار السلع في الانخفاض نتيجة ظهور مخاوف الركود في الاقتصاديات المتطورة مما أجبر اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي مرتفعة النمو متضمنة البحرين على التباطؤ.والجدير بالذكر، أن المملكة في ظل امتلاكها لأقل احتياطي للنفط وأعلى دين حكومي كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي كانت أكثر عرضة للتقلبات من غيرها في منطقة الخليج. وعلى الرغم من ضآلة إنتاجها من النفط بالمقارنة بنظائرها مثل السعودية والإمارات، فإن الاقتصاد البحريني ما زال معتمدًا على إيرادات الهيدروكربونات.كما احتفظت المملكة بموجودات أقل سيولة مثل احتياطيات الصرف أو الاستثمارات من جانب الأموال التي تسيطر عليها الدولة بالمقارنة بمصدري النفط الآخرين في المنطقة. وبالتالي، فإنه من المتوقع أن يكون للتباطؤ الاقتصادي على مستوى العالم والمنطقة تأثيره وكذلك على القطاعات غير الهيدروكربونية.

ويواجه قطاع الخدمات المالية حاليا نيران الأزمة ومن المحتمل أن يتأثر سلبيا. ويضاف الانهيار في أسواق العقارات بالمنطقة إلى مشكلات القطاع حيث تتمتع البنوك البحرينية بتعرض كبير للاستثمارات العقارية في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن يساعد النمو في البنوك الإسلامية والتوسع في قطاع التأمين على تنقية بعض من الآثار السلبية .

وسيتأثر قطاع العقارات والتشييد أيضا سلبيا في الأجل القصير بالتأخير المحتمل في بدء أنشطة البناء. وبالرغم من ذلك، فإننا نرى زيادة أهمية هذين القطاعين في تكوين الناتج المحلى الإجمالي العام في الأجل الطويل. كما سيوفر قطاع التصنيع بعض المساعدة، حيث ستعمل الحكومة على توسيع طاقات الكثير من الشركات في الصناعات الأساسية مثل ألبا ، بابكو ، بالكسكو .. الخ. وبالتالي فإن مساهمة قطاع التصنيع في الناتج المحلى الإجمالي ستتحسن على الأرجح في الأجل الطويل.وقد قررت البحرين المضي في مشروعات التنمية الرئيسة التي تدعمها الحكومة في مشروع موازنتها للعام 2009-2010. فخلال العام، زادت البحرين من مجهوداتها لدعم البنية التحتية للدولة وذلك بإطلاق التحسينات التي أجرتها على ميناء quot;مينا سالمانquot; القائم بالفعل، ووضع اللمسات النهائية على ميناء الشيخ خليفة بن سالمان بتكلفة 137 مليون دولار أميركي، المزمع افتتاحه في شهر آذار/مارس من العام 2009، وكذلك توسيع ميناء البحرين الدولي لزيادة طاقات مناولة البضائع حتى 1 مليون طن سنويا.

وعلى الرغم من ذلك، فنحن نعتقد أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط سيقيد قدرة الحكومة بشكل كبير على زيادة الإنفاق وتنفيذ المشروعات المستمرة لتطوير البنية التحتية الجاري تنفيذها حاليا حيث توفر صادرات النفط غالبية إيرادات الحكومة .كذلك تقوم الحكومة بمجهودات كبيرة نحو إنتاجها المتواضع من النفط والغاز وتخصص المزيد من الاستثمارات للتعرف على الاحتياطيات الجديدة ولزيادة عمر الحقول القائمة وكذلك زيادة استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الاستخراج المحسن للنفط لضخ المزيد من النفط من الحقول القائمة. ومع الأخذ في الاعتبار الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة التي تتطلبها هذه المشروعات وكذلك انخفاض أسعار النفط ، فإن بعض هذه المشاريع قد يكون غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية حاليًا وقد يتأخر تنفيذها .

ومن بين المجهودات الحكومية الأخرى، تم خفض أسعار الفائدة لإشاعة النشاط في أسواق الائتمان وتوفير القوة الدافعة للاقتصاد. فقد قام البنك المركزي بخفض سعر فائدته الرئيس ثلاث مرات منذ شهر أكتوبر. حيث خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة عندما خفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 75 نقطة أساسية.كذلك تم خفض أسعار الودائع لمدة أسبوع واحد إلى 0.75 في المئة، وتسهيلات الودائع لليلة واحدة إلى 0.25 في المئة، وأسعار إقراض الريبو إلى 2.75 في المئة، وهذا سيساعد على تهدئة أزمة السيولة في الأسواق وهو ما سيؤثر إيجابًا في الأجل الطويل.

وقد جاءت الأزمة المالية العالمية بالنهاية لفترة طويلة من ازدهار النفط في الخليج متضمنا البحرين وعكست سنوات من الأداء الاقتصادي القوى والفوائض المالية الكبيرة. ولاحقًا، نتوقع للنمو الاقتصادي للبحرين في العام 2009 أن يتباطأ وصولاً إلى 2.5-3.0 في المئة كنتيجة رئيسة لانخفاض أسعار النفط والتباطؤ العالمي. وقد يكون النمو أقل من المتوقع في حالة وجود تباطؤ حاد وممتد في الاقتصاديات المتقدمة، وفي حالة ظهور آثار الاضطراب المالي بشكل أكثر تأثيرا فقد تحتاج الاقتصاديات لفترة أطول حتى تبدأ بالتعافي.